60 % من إيرادات المرابحات الدولية تتسرب إلى استثمارات مخالفة للشريعة
كشف خبير اقتصادي بريطاني وجود شرخ في سوق مرابحات السلع الدولية (التي تقدر قيمة سوقها بـ 1.2 تريليون دولار) تتسرب من خلاله 60 في المائة من إيرادات هذه التعاملات إلى النظام الربوي التقليدي بدل أن يتم تدويرها في أصول واستثمارات متوافقة مع الشريعة، حيث يتم توظيف هذه ''السيولة المتسربة'' في استثمارات مخالفة للشريعة (مثل السندات والقروض المجمعة).
وبين لـ ''الاقتصادية'' مصدر مصرفي ماليزي رفيع أنه بحسب الشريعة فإن غير المستحب توجه واختلاط إيرادات أدوات الاستثمار الإسلامية في الأسواق التقليدية.
وأبان المصدر أنه لا توجد إلا ثلاث دول إسلامية تتبع هذه السياسة المتشددة والسليمة وهي: ماليزيا، باكستان، وبروناي.
ولم تستطع ''الاقتصادية'' الحصول على وجهة النظر الشرعية، بعد أن فضل ثلاثة فقهاء (من الخليج وماليزيا) عدم الإجابة عن هذا السؤال.
في مايلي مزيد من التفاصيل:
كشف خبير اقتصادي بريطاني عن وجود شرخ في سوق مرابحات السلع الدولية (التي تقدر قيمة سوقها بـ 1.2 تريليون دولار) تتسرب من خلاله 60 في المائة من إيرادات هذه التعاملات إلى النظام الربوي التقليدي بدل أن يتم تدويرها في أصول واستثمارات متوافقة مع الشريعة. حيث يتم توظيف هذه ''السيولة المتسربة'' في استثمارات مخالفة للشريعة (مثل السندات والقروض المجمعة).
وبين لـ ''الاقتصادية'' مصدر مصرفي ماليزي رفيع بأنه - بحسب الشريعة- من غير المستحب توجه واختلاط إيرادات أدوات الاستثمار الإسلامية في الأسواق التقليدية. وأبان المصدر بأنه لا يوجد إلا دولتان إسلاميتان تتبع هذه السياسة المتشددة والسليمة وهي ماليزيا وبروناي. ولم تستطع ''الاقتصادية'' الحصول على وجهة النظر الشرعية، بعد أن فضل ثلاثة فقهاء (من الخليج وماليزيا) عدم الإجابة عن هذا السؤال.
وشخص مجموعة من المصرفيين في التحقيق الموسع الذي تنشره ''الاقتصادية'' العوامل الرئيسة التي أسهمت في إحداث هذا ''التسرب'' والتي من شأنها أن تؤثر في ''مصداقية العمل المصرفي الإسلامي. في حين اقترح عدد من الخبراء والباحثين الاقتصاديين عددا من الحلول التي قد تسهم في إيقاف هذا ''الشرخ'' في النظام المالي الإسلامي، لعل أهمها إنشاء ''''سوق مال إسلامية'' Islamic Money Market في كل بلد من أجل امتصاص السيولة المتسربة وكذلك إيجاد برنامج إسلامي لإدارة السيولة الخاصة بسلعة المرابحة. في حين لم يتوان بعض المحللين في إلقاء بعض اللوم على الجهات التنظيمية والفقهاء الخليجيين وهم يرون إيرادات المعاملات الإسلامية لمنطقتهم تتسرب إلى النظام التقليدي.
#2#
نزيف في حوض السيولة الإسلامية
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن إجمالي قيمة سوق المرابحات العالمية يصل إلى 1.2 تريليون دولار. إلا أن مشتاق باركر، خريج جامعة لندن في الاقتصاد وكاتب العمود في مجلة ''نيوز وييك''، يزعم أن 60 في المائة من عائدات هذه المعاملات الإسلامية ينتهي بها المطاف في استثمارات غير شرعية مثل سندات الخزانة الأمريكية وسندات اليورو وما إلى ذلك.
ويسانده في حقيقة السيولة الإسلامية المتسربة بادليسياه عبد الغني، الرئيس التنفيذي لبنك CIMB الإسلامي الماليزي، الذي يقول ''لا يوجد عيب في المرابحات من الناحية الهيكلية. إن الأمر المكروه هنا هو استخدام العوائد المتحصلة من المرابحة في أغراض تخالف الأحكام الشرعية. وهذه حقيقة. فهذا الشرخ تتسرب منه الأموال الإسلامية التي يتم استثمارها في سندات الخزانة الأمريكية ومنتجات استثمارية مخالفة للأحكام الشرعية''. ويتابع: ''إننا بحاجة إلى وضع يتم فيه إجراء تعاملات المرابحة بطريقه يتم فيها استخدام العوائد المتحصلة من التعامل على نحو إسلامي. بعبارة أخرى، يجب أن تتناسب مطلوبات المصرفية الإسلامية مع موجودات المصرفية الإسلامية''.
كيف يحدث «التسرب»
أسهم عدم وجود بورصة سلع إسلامية في إحداث تسربات للسيولة الإسلامية من جراء إناطة أمر إجراء معاملات المرابحة لوسطاء غربيين لا يهتم بعض منهم في الأمور الشرعية الخاصة بهذه السلعة. يقول عبد الغني لـ ''رويترز'': ''موضوع الخلاف ليس حول كيفية هيكلة هذا المنتج، الخلاف الحقيقي ينشأ حين يتم التعامل بعقد المرابحة بالسلع من قبل مؤسسة مالية تقليدية لا تخضع لأية قوانين تلزمها بأن تدير أعمالها على نحو يلتزم التزاماً تاماً بالأحكام الشرعية (لأن هذا الالتزام التام يضمن عدم إساءة استخدام هذا المنتج)''. وفي السياق ذاته، ألقى نظير رزاق, الرئيس التنفيذي لمجموعة CIMB المصرفية, في إجابة عن سؤال حول الأسباب المشجعة لهذا التسرب, باللائمة على بعض البنوك الإسلامية لعدم امتثالها أحكام الشريعة خلال إدارتها الأموال. مطالبا إياها بضرورة أن تكون لديها مصداقية أعلى بين المصارف التي تعرض منتجات إسلامية للحد من التسرب.
ويتوافق ذلك التصريح حول ضعف مصداقية بعض المؤسسات المالية إلى ما تطرق إليه محمد نور رحمن، المدير التنفيذي لـ Lembaga Tabung Haji حول كون بعض مديري الصناديق الإسلامية الخليجيين، الذين يستعينون بالخبرات الماليزية في هيكلة الصندوق، لا يمانعون بحدوث التسرب. فهو يقول إن بعض الخليجيين يأتون إليهم من أجل الطلب من مديري الصناديق الماليزيين مساعدتهم على هيكلة صندوق إسلامي، وهم (يقصد الماليزيين) لا يتوانون عن تقديم النصيحة للخليجيين بالتأكد من عدم وجود تسربات من هذه الصناديق الإسلامية عبر شراء الأسهم غير المتطابقة مع الشريعة. ويتابع: ''ولكن بحسب علمي فإن بعض مديري الصناديق الخليجيين عندما يهيكلون صناديقهم لتتوافق مع الشريعة، فإنهم مع ذلك لا يمانعون بحدوث تسربات إلى السوق التقليدية''.
وعن وجهة نظر الذين يعلمون أن السيولة الإسلامية المتسربة يتم استثمارها في أدوات تقليدية، يقول عبد الغني: ''الذين يستخدمون هذا المنتج على نحو خاطئ يدافعون في العادة عن أنفسهم بمجرد القول إن عقد المرابحة بالسلع هو منتج ملتزم بالأحكام الشرعية ولا يُلزِمهم ذلك معرفة كيفية استخدام العوائد المتحصلة من المنتج''. ويواصل: ''بل إنهم يقولون حتى إن الأحكام الشرعية تحَرِّم تحديد استخدام العوائد المتحصلة تحت بيع السلع، على اعتبار أن البائع لا يستطيع أن يملي على المشتري السبيل التي لا بد له من استخدامها في العوائد.هذه الحجة سليمة بالنسبة لعمليات التداول المباشر في السلع. ولكنها لا تصمد حين نريد الدخول في تعاملات التمويل أو أخذ الودائع. و لا يفضل عدنان عزيز، رئيس الاستشارات الشرعية والهيكلة لدى بنك BMB البريطاني، استخدام عبارة ''تسرب'' السيولة الإسلامية. إلا أنه يوضح كيفية حدوث ''التسرب'' بقوله ''إن ذلك يحدث عندما يكون أحد البنوك التقليدية شريك مع البنك الإسلامي في صفقات المرابحة''. حيث يقوم البنك التقليدي باستثمار إيرادات تلك المعاملة الإسلامية وتوجيهها إلى أدوات استثمار تقليدية. لكنه يرى أن نزيف السيولة هذا يمكن وقفه في حالة كان طرفا سلعة المرابحة ''بنكان إسلاميان'' أو في حالة وجود سوق مال إسلامية.
إيقاف التسرب
وعن المقترحات الخاصة بإيقاف تسرب السيولة الإسلامية، ينصح جميل حسن، مستشار في المصرفية الإسلامية، بإنشاء ''سوق مال إسلامية'' لامتصاص هذه السيولة المتسربة. حيث يقول: ''حتى يتم الاحتفاظ بالأموال المتحصلة من مرابحة السلع ضمن النظام المصرفي الإسلامي، لا بد من وجود ''سوق مال إسلامية'' في كل بلد. إضافة إلى ذلك يجب أن تكون الجهات الحكومية الاستثمارية مستعدة لامتصاص الأموال الفائضة من هذا النظام المالي''.
في حين يرى باركر ضرورة إيجاد برنامج لإدارة السيولة الإسلامية. حيث يقول: ''ما يزال قطاع الصيرفة الإسلامية يفتقر إلى برنامج لإدارة السيولة يعمل على نطاق عالمي يكون ملتزماً بالأحكام الشرعية. إن صناعة المال الإسلامية بحاجة إلى مشروع إسلامي لإدارة السيولة الخاصة بسلعة المرابحة التي تستخدم في الفائدة الليلية بين البنوك وودائعها قصيرة الأجل''.
من يتحمل مسؤولية «التسرب» في الخليج
ويصف حسن، الذي يحضر للدكتوراه في تخصص المالية الإسلامية، فكرة إنشاء سوق مال إسلامية بالكبيرة ولكنها قابلة للتنفيذ. ويرجع سبب قيام ماليزيا وبروناي بإنشاء هذه السوق المالية إلى أن الفتوى التي أصدرها فقهاؤهم ''تفرض'' عليهم توظيف ''جميع'' الأموال المتحصلة من الاستثمارات الشرعية (مثل إيرادات الصكوك والمرابحات) في حلقة ثانية من الأدوات المتطابقة مع الشريعة. يعلق على ذلك ظافر صالح القحطاني، نائب رئيس تنفيذي - لشركة الاستثمارات الخليجية: ''تفرض الجهات التنظيمية في هذه الدول على البنك أن يستثمر تلك الإيرادات في الأمور المتطابقة مع الشريعة''.
إلا أن حسن يعتقد أن الفقهاء الخليجيين ''لا يرون'' ضرورة وجود ''سوق مال إسلامية''. حيث يقول: ''فهم على استعداد لأن تذهب الأموال إلى البنوك التقليدية وتدخل في تمويل أدوات الاستثمار المالية القائمة على الربا. من هذا الباب فإنني ألقي باللوم على الفقهاء في بلدان الخليج العربي''.
وعن دور الجهات التنظيمية في الخليج، يقول القحطاني: ''من المفروض أن تتجه الإيرادات الإسلامية التي تأتي من الأدوات أو التعاملات المتطابقة مع الشريعة إلى سوق إسلامية خاصة بها. ولكن المشكلة أن الأدوات التنظيمية التي تسمح بحدوث ذلك غير متوافرة في الخليج. وعليه، تذهب الإيرادات إلى السوق التقليدية''. ويتابع المصرفي الاستثماري: ''لا يوجد لدى الجهات التنظيمية في الخليج إدارة للشريعة مستقلة تقوم بفصل الأموال. إن مشكلتنا الكبرى في الصيرفة الإسلامية أن الأموال مخلوطة. فنحن نريد (فصل) هذه الأموال وجعلها تمر بدائرة استثمارات إسلامية بحته''. وحذر القحطاني ما وصفه بمشكلة ضيق الأفق الخاصة بكيفية توظيف تلك الأموال الإسلامية.