قصة «تاميفلو» أو القنبلة الدوائية عالمية النجاح!؟
حين يستضيف مسؤولون على مستوى رفيع في شركة روشه السويسرية، إيجازاً للصحافيين في بازل، فإن موضوعهم المختار سيكون غير معتاد لدى شركة الأدوية هذه التي تركز على علم الأورام، وعلى الأدوية التي تصفها المستشفيات ضمن نطاق ضيق.
سيناقش وليام بيرنز رئيس إدارة تصنيع الأدوية، بدلاً من ذلك دواء تاميفلو، هذا المضاد للفيروسات الذي تحول إلى ''قنبلة'' غير متوقعة، حيث ينتظر أن تصل مبيعاته خلال هذا العام إلى ملياري فرنك سويسري (1.9 مليار دولار أمريكي، أو 1.3 مليار يورو، أو 1.1 مليار جنيه استرليني)، وبذلك أصبح رابع أكبر منتج لدى شركة روشه من حيث المبيعات.
وبالنسبة لدواء كان لا يزال مولوداً حديثاً حين جرى إطلاقه في عام 1999، فإنه يمثل حالة دراسية في كيفية التوصل إلى نجاح تجاري.
على الرغم من أن الإنفلونزا الموسمية قد نظر إليها منذ فترة طويلة على أساس أنها تهديد جزئي بسيط، رغم أنها تقتل ما يصل إلى 500 ألف شخصاً حول العالم سنوياً، فإن اليابان هي البلد الوحيد الكبير الذي تبنى استخدام دواء تاميفلو، على نطاق واسع، لعلاجها.
ما تغير بالنسبة إلى الحكومات الأخرى هو المخاوف المتزايدة من حدوث وباء. وأثار فايروس إنفلونزا الطيورH5N1 الذي قتل ملايين الحيوانات، وعشرات الناس، في عام 2003، مخاوف أن من المحتمل تكرار الإنفلونزا الإسبانية التي ظهرت في عام 1918.تعرض السياسيون إلى ضغوط لتجنب حالات الفشل السابقة، بخصوص الاستعداد والاستجابة للحالات الطارئة مثل إعصار كاترينا في عام 2005، وموجة الحرارة في فرنسا في عام 2003 التي قتلت الآلاف، أو مرض الأقدام والأفواه في المملكة المتحدة.أصبح دواء تاميفلو جانباً رئيسياً من الرد على تلك الحالات.
#2#
أولاً، لبّى هذا الدواء حاجة إكلينيكية. وعلى الرغم من أنه لا يصل إلى درجة العلاج الكامل، إلا أن الدراسات الإكلينيكية تظهر أن بإمكانه تخفيض حدة وفترة العدوى، ولا سيما إذا تم تناوله خلال يومين من بداية ظهور الأعراض.
الأمر الثاني هو أنه كانت له ميزة على بدائله، حيث إن سلالات الإنفلونزا بما فيها H5N1، مقاومة للأدوية القديمة المضادة للفيروسات. ولا يوجد في الفئة ذاتها غير علاج واحد هو ريلنزا الذي تنتجه شركة جلاسكوسميثكلاين، الذي تم إطلاقه قبيل إطلاق تاميفلو، ولكن لا بد من استنشاق ريلنزا، الأمر الذي يصعّب على المرضى تناوله، مقارنة بتاميفلو الذي يأتي في صورة كبسولات يتم ابتلاعها.
الأمر الثالث هو أن تاميفلو سد ثغرة نفسية. ونظراً لعدم وجود لقاح للوقاية ضد الإنفلونزا إلى ما بعد ظهور شكل متنوع من الفيروس الوبائي، فإن تخزين هذا الدواء سمح للساسة وصانعي السياسة، بأن يظهروا أنهم كانوا يقومون بشيء ما على سبيل الاستعداد.الأكثر من ذلك هو أنه علامة تجارية، حيث إنه أنشط وأخف من اسمه الخاص بالوصفة الطبية، أي سيلتامافير، كما أنه أكثر سهولة من حيث الارتباط باسم الفيروس الذي يعالجه، متفوقاً بهذا الارتباط على ريلنزا. وساعد كل ذلك على تحسين صورته العامة. وقد تفوقت أسئلة البحث عن تاميفلو في محرك بحث جوجل في عام 2005، لفترة قصيرة، على الأسئلة الخاصة بفياجرا، وتكرر ذلك مرة أخرى في هذا العام.
الأمر الرابع هو أن شركة روشه استطاعت دعم، ونشر دراسات خاصة بالمستويات المختلفة من مخزونات هذا الدواء المشتراة من قبل الحكومات المختلفة، الأمر الذي أدى إلى إضافة ضغوط على المتلكئين لشراء المزيد منه.
أما الأمر الخامس فهو أن الشركة وسعت فروعها، ودعمت المبيعات إلى الأطباء الخاصين، والشركات المتخوفة من أن الإمدادات من خلال أنظمة الصحة الوطنية، يمكن ألاّ تكون كافية لتلبية الطلب. ومولت الشركة أبحاثاً حول ما إذا كان بالإمكان استخدام هذا الدواء مع أدوية أخرى، وكذلك فيما يتعلق بالجرعات الأعلى، وتناول الدواء لفترات طويلة، الأمر الذي زاد من الفعالية، والمبيعات.
باعت شركة روشه أشكالاً سائبة من مكونات هذا الدواء إلى الحكومات، الأمر الذي أطال فترة الصلاحية، بما يتجاوز حتى السنوات السبع، التي سمح بها المنظمون. كما أنها تقترح في الوقت الراهن وسائل لإعادة المعالجة، وإعادة الاستخدام مقابل ثمن لذلك.
أخيراً، حاولت شركة روشه تخفيف الانتقاد بأنها بينما تحقق الأرباح من الدول الأغنى، فإن البلدان الأفقر لا يمكنها تحمل تكاليف هذا العلاج. وقدمت تبرعات لمنظمة الصحة العالمية، كما أنها باعت الدواء إلى الدول النامية بأسعار أقل.
ليس لدى الجميع انطباعات إيجابية، حيث إن شركات الأدوية العامة التي انتهت فترة حماية إنتاجها تدعي أن الخصم الذي قدمته شركة روشه، أخرج تلك الشركات من الأسواق. ويشكك بعض الأطباء بفعالية تاميفلو، كما أنهم يتخوفون من آثاره الجانبية.أدى توسع سوقها الكبير بالنسبة لهذا الدواء إلى تحفيز منافسيها ليسارعوا إلى البحث الخاص، على الأقل، بدواءين مضادين للفيروسات قيد الاختبار، إضافة إلى أن شركة جلاكسوسميثكلاين أدخلت تحسينات على دواء ريلنزا.قد تنتهي فترة حماية إنتاج تاميفلو حين يحل الوباء التالي، كما أن فعاليته يمكن أن تقل، وسيواجه منافسة أكبر.
غير أن المخاوف، واستراتيجية التسويق الذكية، ساعدت على تجاوزه الكبير لتوقعات شركة روشه.