جامعة الملك عبد الله تضبط الاقتصاد السعودي على «الموجة الثالثة»
تحولات متسارعة شهدها العالم في السنوات الأخيرة، في ظل طفرة تقنية هائلة أسست لعصر جديد، أصوله الذكاء، الإبداع، والمعلومات، وهو عصر الاقتصاد المعرفي، الذي اعتبره المفكر الأمريكي الفن توفلر ''الموجة الثالثة'' من الموجات التي مر بها تاريخ الحضارة البشرية بعد موجتي الزراعة والتصنيع، فالمعرفة اليوم أصبحت محرك الإنتاج والنمو الاقتصادي، وأصبح مبدأ التركيز على المعلومات والتكنولوجيا كعامل من العوامل الأساسية في الاقتصاد من الأمور المسلم بها.
وتستأثر اقتصادات المعرفة بما نسبته 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتنمو بمعدل 10 في المائة سنويا، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة، وصار للذكاء المتجسد في برامج الكمبيوتر، والتكنولوجيا عبر نطاق واسع من المنتجات، أهمية تفوق أهمية رأس المال، أو المواد، أو العمالة، فنسبة 50 في المائة من نمو الإنتاجية في ''الاتحاد الأوروبي'' هو نتيجة مباشرة لاستخدام وإنتاج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بل وفي بعض الدول تشكل المعرفة العلمية والتكنولوجية نحو 80 في المائة من اقتصادها.
أما في العالم العربي فالوضع مختلف، فالفجوة ما زالت كبيرة والتعاطي مع الثورة المعلوماتية ما زال ضعيفا، ويكفي معرفة أن نصيب العرب من إجمالي مستخدمي الإنترنت 0.5 في المائة، في الوقت الذي تبلغ فيه نسبة العرب إلى إجمالي عدد سكان العالم 5 في المائة تقريبا، ويمكن القول إن استفادة العرب من الفرص التي سيتيحها اقتصاد المعرفة يتوقف على مدى التحرك من أجل تفعيل دور المؤسسات التعليمية والتكنولوجية لتأدية وظيفتها في توليد ونقل ونشر واستشارة المعرفة.
وفي تقرير صادر عن وحدة الخدمات الصحفية في العربية لنظم المعلومات والاتصالات، فإن السعودية تعد من أوائل الدول العربية التي أدركت أهمية التطور العلمي، فانطلقت بخطوات متسارعة نحو تأسيس مجتمع المعرفة، من خلال العمل على تطوير الإنسان السعودي، وجعله محورا أساسيا لعملية التنمية، فكان إصلاح وتحديث المنظومة التعليمية الركيزة الأساسية التي قامت عليها السياسة الإصلاحية التي انتهجها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز منذ توليه مقاليد الحكم، فشهد التعليم، ولا سيما الجامعي، نقلة نوعية، وطفرة هائلة بعد فترة طويلة من الجمود لم يزد فيها عدد الجامعات على ثماني جامعات فقط، ولم يزد الإنفاق على البحث العلمي على 0.25 في المائة من إجمالي الناتج المحلي السعودي، أما في السنوات الأخيرة فقد تأسست أكثر من مائة جامعة وكلية جديدة تم تمويلها بموازنة ضخمة، كما تم رفع ميزانية البحث العلمي، وإنشاء عديد من المراكز العلمية المتخصصة في أحدث التقنيات.
#2#
## إدراك مبكر
وبحسب تقرير وحدة الخدمات الصحفية في العربية لنظم المعلومات والاتصالات، فإن خطة إصلاح التعليم العالي جاءت في إطار الجهود الحثيثة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين من أجل تنمية الاقتصاد السعودي و''سعودة'' شركات المملكة لمعالجة نسب البطالة المرتفعة، وركزت معظم هذه الإصلاحات على مجالات العلوم والتكنولوجيات المتطورة، ومجالات أخرى ذات إنتاجية عالية، لذلك صممت معظم البرامج الجديدة لتتناسب مع احتياجات سوق العمل، فقد أولت السياسة التعليمية مواءمة المخرجات الجامعية مع احتياجات السوق أهمية كبيرة، حيث اقتصر افتتاح الجامعات والكليات والأقسام الجديدة على التخصصات المطلوبة في سوق العمل مثل التخصصات الطبية، والهندسية، وعلوم الحاسب الآلي، والمعلومات، والعلوم الطبيعية، وتم التعامل مع قضية الجودة من بعدين مهمين، أولهما رفع الكفاءة الداخلية للجامعات عن طريق ضمان جودة مدخلات التعليم الجامعي، وذلك من خلال إنشاء المركز الوطني للقياس والتقويم، والذي أسهم رغم قصر المدة التي مرّت على إنشائه في تطوير معايير القبول في الجامعات المختلفة، وساعد على تحسين مدخلاتها، أما البُعد الثاني فهو رفع الكفاءة الخارجية للجامعات عن طريق ضبط المخرجات والتحقق من جودتها، من خلال إنشاء الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي.
## دعم وتشجيع البحث العلمي
واستهدفت السياسة التعليمية تحقيق متطلبات خطة التنمية الثامنة للمملكة، والتي ركزت على دعم وتشجيع البحث العلمي والتطور التقني لتعزيز كفاءة الاقتصاد الوطني، والتوجه نحو ''اقتصاد المعرفة'' من خلال مشروع مبادرة مراكز التميز البحث، والذي يهدف إلى تشجيع الجامعات على الاهتمام بنشاط البحث العلمي والتطوير، من خلال دعم توجهات بحثية قائمة أصلا وحديثة النشأة في الجامعات السعودية، وفي تخصصات ومجالات متعددة بهدف إبراز نقاط القوة ومجالات التميز فيها ورعايتها وبلورتها في مراكز أكاديمية بحثية، لتصبح في مصاف الصدارة على المستوى الوطني والإقليمي.
#4#
## 8 مراكز بحثية بـ 491 مليون ريال
كما تم إنشاء ثمانية مراكز بحثية في عدد من الجامعات بتكلفة بلغت 491 مليون ريال، وخلال العامين الماضيين بدأ العمل في مشروع إنشاء مقار للجمعيات العلمية في جامعات المملكة بلغ عددها نحو 94 جمعية في مختلف التخصصات، حيث يتم إجراء تقويم لكل جامعة من حيث عدد الجمعيات العلمية، وهو مشروع ضخم يهدف إلى القضاء على الصعوبات المالية التي تواجه الجمعيات لتقوم بدورها العلمي والبحثي على أكمل وجه، كما يهدف المشروع إلى تنمية الفكر العلمي في مجال التخصص والعمل على تطويره وتنشيطه، وتيسير تبادل الإنتاج العلمي والأفكار العلمية في مجال اهتمامات الجمعية بين الهيئات والمؤسسات المعنية داخل المملكة وخارجها.
ويعد مشروع المركز الوطني للتعليم الإلكتروني والتعليم عن بُعد، أحد المشاريع التي تخدم في المقام الأول تطوير منظومة التعليم الجامعي في المملكة، فالمشروع جاء ليعالج المشكلات المتعلقة بالاستيعاب وجودة ما يقدم في القاعات التدريسية، وقد تم اعتماد مبلغ 95 مليون ريال كجز من المرحلة الأولى حتى يستطيع المركز القيام بواجباته على أكمل وجه.
ويهدف المركز إلى دعم نشر تطبيقات التعليم الإلكتروني و''التعليم عن بُعد'' في مؤسسات التعليم الجامعي السعودية بما يتوافق مع معايير الجودة والإسهام في توسيع الطاقة الاستيعابية في مؤسسات التعليم الجامعي من خلال تطبيقات التعلم الإلكتروني والتعليم عن بُعد، ونشر الوعي التقني وتعميم ثقافة التعلم الإلكتروني والإسهام في بناء مجتمع معلوماتي.
#3#
## قدرات هائلة
وقد أولى خادم الحرمين الشريفين علم النانو تكنولوجي ''التقنيات المتناهية في الصغر'' أهمية كبيرة، وذلك انطلاقا من حقيقة أن من سيحظى بهذه التقنيات سيتحكم في الاقتصاد العالمي خلال هذا القرن، ومن ثم جاءت ''مبادرة النانو'' التي أطلقها خادم الحرمين في عام 2007 كخطوة عربية واعية ومهمة للاهتمام بهذا العلم الحديث والواعد، وقد تمثلت المبادرة في تبرع الملك عبد الله من ''حسابه الشخصي'' بمبلغ 12 مليون ريال لدعم تقنيات النانو، وكذلك إنشاء المركز الوطني لبحوث تقنيات النانو في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، ما يؤكد حرصه على مواكبة المستجدات العالمية في كل العلوم والمعارف الحديثة، والرغبة في استثمار تقنيات ''النانو'' لخدمة وتلبية احتياجات ومتطلبات التنمية الحالية والمستقبلية في المملكة في مختلف المجالات.
## ''النانو تكنولوجي'' والثورة الصناعية المقبل
ويرى الخبراء أن المبتكرات التقنية التي يبشر بها علم ''النانو تكنولوجي'' ستؤثر في جميع مجالات الحياة خلال القرن الحالي بطريقة تفوق بكثير جميع التغيرات التي حدثت خلال القرون الماضية، حيث يؤكد العلماء العاملون في هذا المجال، بأن هذه التقنية سوف تحدث ثورة صناعية، وأن استخدامها في المستقبل سيتجاوز الكمبيوتر، بل سيغير هيكل الصناعات الحالية بشكل جذري، لأنها تعد بتطبيقات هائلة في مجالات: الفيزياء، البيولوجيا، الكيمياء، الكمبيوتر، الطب، والفضاء، وصناعة أجهزة النانو كمبيوتر ''كمبيوتر فائق الصغر'' ذات القدرات الهائلة، وأجهزة طبية نانوية بالغة الدقة لرصد وعلاج الأمراض الخطيرة مثل السرطان، إضافة إلى صناعة سيارات وطائرات بحجم النحلة أو حبة الأرز، وكذلك في صناعة مصاعد فضائية تصل الأرض بالفضاء الخارجي، وغير ذلك من آلات وأجهزة الأحلام في المستقبل.
#5#
## صناعة المستقبل
جاء إنشاء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية تتويجا للقفزات الهائلة التي شهدها التعليم العالي في المملكة خلال السنوات الثلاث الماضية، وشملت جميع الجوانب سواء من ناحية الكم أو الكيف، والجامعة الجديدة هي الأكبر من نوعها في المنطقة ومن شأنها دفع المسيرة العلمية إلى الأمام ـ ليس في المملكة فحسب ـ وإنما في المنطقة بأكملها، وقد وصفتها صحيفة ''لوفيجارو'' الفرنسية بأنها ''مؤسسة لصناعة المستقبل''، فيما وصفها خادم الحرمين الشريفين بأنها ''منارة من منارات المعرفة، وجسر من جسور التواصل بين الشعوب والحضارات''.
والجامعة الجديدة أقيمت على مساحة 36 مليون متر مربع في بلدة ثول على الساحل الغربي للبلاد، وكان خادم الحرمين الشريفين قد وضع حجر الأساس لها في 21 تشرين الأول (أكتوبر) عام 2007.
## استقطاب العلماء المتميزين عالميا
ومن أهم استراتيجيات الجامعة الجديدة توفير البيئة المحفزة والجاذبة لاستقطاب العلماء المتميزين من مختلف أنحاء المملكة والعالم، واستقطاب ورعاية الطلبة المبدعين والموهوبين في مجالات الصناعات القائمة على المعرفة، وتطوير البرامج والدراسات العليا في المجالات المرتبطة بأحدث التقنيات التي تخدم التنمية والاقتصاد الوطني، والإسهام في تنمية المعرفة في مجالات التقنية الحديثة على المستوى العالمي، وتنمية روح الإبداع والتحدي بين الموهوبين، ورعاية الأفكار الإبداعية والاختراعات وترجمتها إلى مشاريع اقتصادية، وتحقيق مشاركة فاعلة ومستدامة مع القطاع الأهلي، وتنمية التركيز على مجالات محدودة واتباع أسلوب التدرج في تطوير الجامعة وتنميتها.
## دعم الصناعات الوطنية والقطاع الأهلي
وتتضمن الأهداف العامة للجامعة: دعم الصناعات الوطنية، والقائمة، والقطاع الأهلي، وكذلك دعم وإنشاء صناعات جديدة تقوم على المعرفة، وتفعيل منظومة الإبداع، والقدرة على توليد الأفكار، وتحويل الابتكارات والاختراعات إلى قيمة اقتصادية مضافة، والإسهام الإيجابي في التعامل مع المؤسسات البحثية، ودعم الاقتصاد الوطني وزيادة الناتج الإجمالي، والإسهام في تحول المملكة إلى مجتمع صانع للمعرفة.
وتشمل المجالات المستهدفة من إنشاء الجامعة تقنية ''النانو''، والتقنية الحيوية، وتقنية المعلومات والاتصالات وتقنية تحلية المياه وترشيدها، ويجعل صندوق الجامعة الذي تبلغ قيمته عشرة مليارات دولار من هذه الجامعة سادس أغنى جامعة في العالم والجامعة العربية الأغنى على الإطلاق، وتضم الجامعة بين مستشاريها مسؤولين رفيعي المستوى في جامعة كورنيل و جامعة إمبيريال كوليدج في لندن والأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم.
وتسعى هذه الجامعة أيضا إلى جذب طلاب الدراسات العليا عبر إرسال 250 طالبا في مرحلة البكالوريوس سنويا للدراسة في الخارج مقابل التزامهم بالعودة إلى الجامعة لمتابعة دراساتهم العليا، حيث تعتبر الجامعة الجديدة مشروعا واعدا للحرية الأكاديمية وتفاعل الثقافات والأديان، وقاعدة انطلاق نحو تكنولوجيا ''النانو'' والتنمية الشاملة.
## نحو مجتمع المعرفة
تمتلك جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية حاسوبا عملاقا من المتوقع أن يجذب الباحثين والعلماء العاملين في مجالات متعددة وفي مقدمتها علوم ''الحوسبة''، وتصل سرعة هذا الحاسوب إلى 222 تيرافلوب، وهو المقياس الذي يعادل ''تريليون'' عملية حسابية في الثانية الواحدة، وهذا ما يجعله سادس أكبر حاسوب في العالم، وهو يمثل حجر الأساس في الاقتصاد المؤسس على المعرفة، فهو سيكون قادرا على محاكاة بيئة البحر الأحمر، ومحاكاة حقول النفط بأبعادها الثلاثية.
وستوفر الجامعة الجديدة إلى جانب علوم الحاسبات، أبحاثا في مجالات العلوم الحيوية، والهندسة الحيوية، والهندسة، والرياضيات التطبيقية، ومن المتوقع أن تمثل الجامعة الجديدة نقطة جذب للباحثين من أنحاء العالم، وأحد هؤلاء هو ديفيد كييز رئيس قسم الهندسة وعلوم الحاسب والرياضيات، والذي انتقل إلى الجامعة السعودية من جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة.
## ماجستير ودكتوراه في 11 تخصصا
وتقدم الجامعة مقررات دراسية لدرجات الماجستير والدكتوراه في 11 مجالا في مجالات الدراسة، وهي: الرياضيات التطبيقية وعلوم الحاسوب، العلوم البيولوجية، الهندسة الكيميائية والبيولوجية، العلوم الكيميائية، علوم الحاسوب، علوم وهندسة الأرض، الهندسة الكهربائية، العلوم والهندسة البيئية، العلوم والهندسة البحرية، علوم وهندسة المواد، والهندسة الميكانيكية.
## شراكة مع جامعات عالمية
ومن أجل تدعيم موقعها لتكون من أكثر المراكز العلمية جذبا وتميزا في العالم، أقامت الجامعة شراكة مع جامعة كاليفورنيا الأمريكية لتطوير وإجراء بحوث مشتركة في مجال التصوير والواقع الافتراضي ومرافق التدريب، وهذه الشراكة تجعل من حرم جامعة الملك عبدالله موقعا لأكثر مرافق التصوير تقدما في العالم.
وسوف يتيح مركز بحوث النمذجة الهندسية والتصوير العلمي للباحثين تحويل البيانات المجردة إلى صورة مرئية كاملة ثلاثية الأبعاد تعزز البحوث في مجموعة واسعة من التخصصات العلمية والتكنولوجية.
وبموجب هذه الاتفاقية، ومدتها أربعة أعوام، سيقوم معهد كاليفورنيا للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات (كاليت ـ 2) وهو أحد أقسام جامعة كاليفورنيا بتقديم الخبرة الفنية والبحوث المشتركة في مجال التصوير والواقع الافتراضي وأدوات التعاون لدعم خطة جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية الطموحة لتوفير أحدث التقنيات من أجل استخدامها في أحدث أنواع البحث العلمي.
ويرى الخبراء أن هذه الشراكة ستكون حافزا للباحثين لإجراء بحوث علمية رائدة ومبتكرة تؤدي إلى اكتشافات واختراعات تسهم في تلبية الاحتياجات الملحة للعلوم والتكنولوجيا، وفي تحويل البلاد إلى مركز علمي، ومجتمع يقوم على المعرفة.
وحدة الخدمات الصحفية في العربية لنظم المعلومات والاتصالات
www.arabiainform.com