علينا أن نأخذ دروساً في «إدارة الجشع»
لا يتوانى محمد الشعار الأمين العام لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، في أن يلوم وسائل الإعلام، بشكل جزئي، على الفوضى التي أحدثتها إبان الأزمة الحالية. فهو يعتقد أن إعلام اليوم يختلف عن إعلام الثلاثينيات، وعنه في السبعينيات، وحتى عن الإعلام أثناء فترة انهيار البورصة في عام 1987م. ولا يتردد في وصف دوره بـ"الفظيع" نظرا لتجرئه على رواية قصص ما كان يجب أن تروى، الأمر الذي أسهم في غرس عامل الخوف في النفوس، وهذا ما انعكس على سلوك الناس الاقتصادي فيما يتعلق بالاستثمار والادخار والإنفاق والاستهلاك.
إلا أن محمد أزهري كامل، المدير التنفيذي لبنك التمويل الآسيوي AFB، يرى ضرورة أن يتحمل عامل " الجشع" تبعات الأزمة المالية. حيث يرى أول مسئول ماليزي يترأس مصرفا خليجيا, أهمية تلقي المصارف الإسلامية دروسا خاصة في "إدارة الجشع".
* كيف يمكن لصناعة المال الإسلامية الخروج من تبعات أزمة الانقباض الائتماني؟
- لقد تأثر الجميع بأزمة الانقباض الائتماني سواء كان مصرفا تقليديا أو إسلاميا أو حتى يهوديا, لكن يبقى السؤال هو كيف يمكن لنا أن نخرج منها؟ إن ذلك يعتمد على عامل الثقة " الذي يعدّ أهم الخصائص التي تتمتع بها المالية الإسلامية، فنحن لا نريد أن نتكلم عن الماضي. فقد تعلمنا الدرس. وبشكل عام فقد حدثت الأزمة بسبب الجشع والطمع.
* تطرق عديد من المحللين لعامل "الجشع" المتفشي بين كبار المصرفيين، كيف ننظر إلى ذلك المفهوم من منظور عامل السيولة؟
- على صناعة المال الإسلامية ولا سيما من منظور عامل السيولة، أن تأخذ دروسا في كيفية " إدارة الجشع " بشكل شامل . وكان لابد لهذه المادة (إدارة الجشع) أن تدرس في جامعة هارفارد للأعمال. فمع نهاية اليوم، كان عامل "الجشع" السبب الرئيسي لوقوع الأزمة.
* يعاب على المنتجات الغربية المعقدة شراؤها الدين والمتاجرة به، وعليه لا يتم تقديم قيمة مضافة للاقتصاد العالمي. ما تعليقك على ذلك، مع العلم أن الاستثمارات في المالية الإسلامية دائما ما تكون مدعومة بأصول حقيقية؟
- إن ما أعظ به هنا هو تلك الظاهرة الجديدة والنظام الجديد المتمثل في القيمة الإنسانية لـ" المالية الإسلامية" والذي يتضح في الدور المحوري الذي بإمكان صناعة المال الإسلامية لعبه و الذي يتبلور في تقديم التمويل للمشاريع التي تسهم في دفع عجلة التنمية للأمة. ومن المهم فعل ذلك لكي تحل " البركة" على الأمة.
* هناك عديد من مديري المحافظ و الصناديق أخذوا يضاربون في أموال عملائهم، الأمر الذي أسهم في تفاقم خسائرهم في أوج الأزمة. فما وجهة نظركم حول ذلك؟
- لا توجد خطيئة دينية جراء المضاربة المالية في الأسواق ولو بشكل مفرط، شريطة أن يتم ذلك بأموالك وليس على حساب أموال الآخرين. وعليه فيجب أن تتحلى " بالمسئولية الاجتماعية" عندما تضارب بأموال الآخرين.
* هل من السهولة بمكان على مؤسسات المال جمع الأموال الاستثمارية التي بين الحدود, وماذا عن علاقات تلك الشركات مع أسواق الائتمان الدولية ؟
- معظم المستثمرين يفضلون أن يستثمروا في أسواق الائتمان المحلية التي هم متآلفون عليها, و لا يفضلون الاستثمار في الخارج. وعليه فمن الصعب جمع الأموال الاستثمارية التي بين الحدود. فالمستثمرون بدأوا يبدون اهتماما بعامل إدارة المخاطر بحيث إنهم أصبحوا يفضلون الاستثمار في شركاتهم التي يفهمونها بحيث إذا حصل شيء كان بإمكانهم التدخل وإصلاح الوضع.
* يقال إن بعض البنوك تقوم بالاستعانة بخدمات الفقهاء في اللحظة الأخيرة من هندسة المنتج المصرفي، فهل هذا صحيح ؟
- لقد غرسنا سياسة معينة داخل بنك التمويل الآسيوي وهي مرافقة فقيه مصرفي لكل مسئول ائتمان في المؤسسة عندما يريد الأخير التحدث عن هيكلة منتج. فهولاء الفقهاء يقدمون لنا النصيحة
والمشورة من فترة الحمل إلى الولادة. فنحن لا نريد تدخلهم في اللحظة الأخيرة عندما تتم هيكلة المنتج ثم يتضح بعد ذلك أنه غير مطابق للشريعة.
* هل فشل النظام التقليدي أم أن القائمين عليه هم الذين أسهموا في إفشاله؟
- الذين يقولون إن النظام التقليدي قد فشل لم يصيبوا كبد الحقيقة. لأن فشله غير مرتبط بالنظام في حد ذاته. فالنظام التقليدي لا يزال مرتبا ولكنه يحتضن جهات تنظيمية وممارسين يتصفون بالجشع وهم غير مخلصين في عملهم. فنرجو ألا تلقوا باللائمة على النظام التقليدي نفسه.
* ماذا تقول للذين يتفاخرون بانعزالية النظام الإسلامي بشكل كامل عن الأزمة؟
- أتمنى أن يتذكر الجميع أن النظام المصرفي الإسلامي لم يتم اختباره بعد, وأطالب القائمين على المؤسسات المالية الإسلامية أن تتحلى قلوبهم بالقيم الإسلامية لكي يضمنوا نجاح عمليات التمويل الإسلامية. إن كل ذلك لا يتعلق بمفهوم المنظومة المالية الإسلامية وحده ، بل إن هناك أمورا أخرى مثل الأخلاقيات, التوزيع المتساوي للثروة, والبركة وهي أمور أساسية من أجل أن نتحرك للأمام.