السندات والصكوك الإسلامية وأسباب الانخفاض
أوضحت تقارير صادرة من المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية أن المصارف الإسلامية تواجه انخفاضا في إصدار السندات والصكوك الإسلامية خلال الربع الثاني من عام 2009 وبنسبة 35 في المئة مقارنةً بالأعوام السابقة، هذا في الوقت الذي تشير فيه تقارير أخرى إلى أن المصارف الإسلامية تدير محافظ وموجودات بنحو 500 مليار دولار.
ويشكل هذا الانخفاض في أسواق السندات والصكوك الإسلامية ظاهرة غير طبيعية وأعتقد أن هذا الانخفاض يرجع إلى أسباب عديدة أبرزها تداعيات الأزمة المالية العالمية وارتفاع تكاليف الإقراض والخسائر الكبيرة التي أصابت كثيرا من المستثمرين بسبب انخفاض أسعار النفط والموجودات المالية والأصول العقارية وأزمة السيولة العالمية والضغط الذي تواجهه معظم أسواق السندات والصكوك الإسلامية من انخفاض كما هو الحال مع السندات التقليدية للبنوك التجارية.
إلا أن السبب الرئيسي هو الضائقة المالية والائتمانية العالمية التي دفعت كثيرا من المستثمرين إلى الابتعاد عن الاستثمار في السندات والصكوك مما شكل تراجعاً كبيراً في إصدار هذه السندات والصكوك الإسلامية في العام الحالي 2009، كما أن عدم الالتزام الشرعي لعديد من إصدارات السندات والصكوك الإسلامية أسهم في تخفيض الطلب عليها حيث إن جوهر التمويل الإسلامي يـقتضي أن تكون المعاملات المالية مدعومة بأصول حقيقية وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية, لذا يجب على الجميع البحث وكشف العيوب والثغرات والتعامل معها بما يضمن عدم استغلال اسم الصكوك وشرعيتها لطرح منتجات غير متوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية، إلى جانب أن عدم التنظيم المالي والمصرفي داخل بعض الدول الإسلامية التي تعمل فيها مصارف إسلامية أصبح عائقاً أمام نموها حيث إن هناك تكلفة مرتفعة تترتب على إصدار هذه السندات والصكوك الإسلامية مقارنة بإصدار السندات التقليدية في النظام المصرفي التقليدي، كما أن هناك سببا رئيسيا آخر يتمثل في انخفاض الإيرادات النفطية وتدني أسعار النفط مما يشكل عائقاً في طريق إصدار مزيد من السندات والصكوك الإسلامية، كما أن تدهور المحافظ الإسلامية وثقة المستثمرين في بعض المصارف أدى إلى صعوبة جمع الأموال.
ويعتبر الركود في القطاع العقاري في بعض دول مجلس التعاون الخليجي والعالم الإسلامي مؤثراً في تعثر إصدار بعض السندات والصكوك الإسلامية، وللتغلب على هذه العقبات يجب التنسيق بين الجهات المصرفية الإسلامية والتنظيمية والتشريعية من خلال مصارفها وبنوكها المركزية في جميع أنحاء البلاد الإسلامية والبلاد الأخرى الراغبة في التعامل بالمصرفية الإسلامية والاستفادة من التطورات المصرفية العالمية في إصدار السندات والصكوك الإسلامية في ظل الأزمة العالمية التي تعصف بالأسواق المالية العالمية وتقديم العون لهم للخروج من الأزمة بأيسر وأفضل الطرق والعمل على تقديم أفضل المنتجات والخدمات والابتكارات المصرفية الإسلامية للعالم أجمع على الوجه المطلوب، حيث كان هذا هو الهدف الحقيقي من مؤتمر( لندن للصكوك الإسلامية 2009)، لذا يتعين على جميع علماء وفقهاء وخبراء المصرفية الإسلامية والجهات المنظمة والتشريعية أن يبادروا بشكل جماعي بوضع الحلول واللوائح التنظيمية لإصدار السندات والصكوك الإسلامية وإلا فإن آخرين سوف يقومون بهذه المهمة نيابة عنهم، كما ينبغي الإسراع بإنشاء وتأسيس سوق إسلامية موحدة للسندات والصكوك الإسلامية وتهيئة البيئة التشريعية والتنظيمية لاستيعاب نشاطات هذه السندات والصكوك الإسلامية وإيجاد آليــة واضحة للإصدار والإدراج في البورصات المحلية والعالمية عن طريق إنشاء قسم خاص للسندات والصكوك الإسلامية في هيئة الأوراق المالية في كل أسواق البلاد الإسلامية ليتولى تنظيم عملية الإصدار والإدراج والعمل على تفعيل الجوانب المتعلقة بهذا القطاع كافة خصوصاً فيما يتعلق برفع الوعي لدى المتعاملين بالسندات والصكوك الإسلامية من مصدرين ومتداولين.
ولعل دخول السندات والصكوك الإسلامية أسواق الأوراق المالية لبعض الدول الإسلامية يشكل منعطفاً جديداً في مسيرة تطويرها كما حصل في السوق السعودية مؤخراً بإطلاق التداول الإلكتروني المباشر للسندات والصكوك الاسلامية التي نتمنى أن تكون سوقاً متميزاً للسندات والصكوك الإسلامية وبعيداً عن الأعمال الربوية أمام المجتمع المحلي والعالمي، وأن تحذو الدول الإسلامية الأخرى حذوها للعمل على نمو أسواق السندات والصكوك الإسلامية في المنطقة وتفعيل آليات التعاون والتنسيق بينها لتلعب دوراً مهماً في استقرار العمل المصرفي الإسلامي، كما يجب العمل على تكوين كيانات مصرفية إسلامية عملاقة قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية ومواجهة التحديات المستقبلية الصعبة, والسعي إلى إيجاد سوق إسلامية حرة للعالم الإسـلامي تنافس أسواق البنوك التقليدية، حيث إن تطوير هذا القطاع المصرفي لا يزال بحاجة إلى جهود مخلصة من كافة علماء وفقهاء وخبراء المسلمين في سبيل استحداث أدوات ومنتجات مصرفية وتمويلية إسلامية حديثة، ووضع الحلول واللوائح المنظمة لإصدار هذه السندات والصكوك الإسلامية لخدمة المجتمع الإسلامي وكل من يهتم بالفكر المالي الإسلامي لما يتميز به من عدالة ومساهمة واضحة في تحقيق التنمية الدائمة والمتوازنة، والله الموفق.
*مستشار مالي
عضو جمعية الاقتصاد السعودية