الخميس, 1 مايو 2025 | 3 ذو القَعْدةِ 1446


انكشاف إيراني خطير وتضليل نووي غير مسبوق

ضربتان موجعتان وجهتا للدبلوماسية الإيرانية، التي تسعى جاهدة لبناء تحالفات دولية وإقليمية لدرء أثر ضغط المجتمع الدولي عليها بشأن البرنامج النووي الإيراني الذي إن كتب له الاستمرار فإن ذلك سيأذن بسباق تسلح محموم في المنطقة وما يترتب على ذلك من عدم استقرار وربما حروب لا حاجة لأحد بها.
فالضربة الأولى هي الكشف عن موقع جديد لتخصيب اليورانيوم بالقرب من مدينة قم الإيرانية، أما الأخرى فتتمثل بانتصار باراك أوباما في مجلس الأمن والتصويت على قرار يجعل من الصعب جدا على أي دولة لديها برنامج نووي سلمي أن تحول ذلك البرنامج إلى عسكري. وما من شك في أن اكتشاف المجتمع الدولي بأن لإيران منشأة نووية سرية لتخصيب اليورانيوم سيحمل عواصم القرار الدولي على اعتبار أن إيران تمارس خداعا وتضليلا استراتيجيين لن يشفع لطهران في قادم الأيام عندما يحزم المجتمع الدولي أمره في التعامل بقسوة مع إيران، التي لا يبدو أنها في وضع يسمح لها بالمناورة. والأدهى أن فرص نجاح العمل الدبلوماسي بين إيران والمجتمع الدولي في تراجع، وفي هذا السياق نشرت مجلة “تايم” الأميركية تقريرا في عددها الأخير تقول فيه إن هذا الاكتشاف يعوق فرص إحراز تقدم خلال المحادثات المُقرر انعقادها بين إيران ومجموعة الخمس زائدا واحد (الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا)، وقال مسؤول في الأمم المتحدة على دراية بمحاولة رصد الوكالة الدولية للأنشطة النووية الإيرانية إن الوكالة تشتبه منذ فترة في أن إيران لديها منشأة ثانية غير مُعلن عنها لتخصيب اليورانيوم. وكان أوباما قد شدد في كلمة ألقاها خلال افتتاح أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الأربعاء على ضرورة انصياع إيران وكوريا الشمالية للقرارات الدولية، مشيرا إلى أنهما ستتحملان عواقب ومسؤوليات قراراتهما بهذا الصدد. وحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” ليوم السبت، فإن الرئيس أوباما حمل إيران مسؤولية الاستمرار في تجاهل موقف المجتمع الدولي من الموضوع النووي، ففي لقاء قمة دول العشرين قال أوباما: “الكشف عن الموقع منح واشنطن أداة جديدة لتوحيد المجتمع الدولي في ذهابه إلى لقاء مباشر مع المسؤولين الإيرانيين الخميس القادم في جنيف”. والواضح أن واشنطن تتمتع بتأييد قوي من باريس ولندن وقد توسط أوباما رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون والرئيس الفرنس نيكولاي ساركوزي في مؤتمر صحفي هاجم بشدة ما يوصف الآن بالتضليل النووي الإيراني. ويتوقع بعض المحللين في واشنطن أن معارضة الصين وروسيا لعقوبات أكثر قساوة على إيران ستضعف في ضوء الاكتشاف الجديد بأن لإيران منشأة بالقرب من قم لتخصيب اليورانيوم. وبالفعل قال الرئيس الروسي ديمتري ميدفيد إن بلاده ستكون أكثر انقتاحا بعد الآن بشأن فكرة تشديد العقوبات على إيران.
الولايات المتحدة تصعد من حملتها على إيران، إذ أصدر الرئيس أوباما يوم السبت في خطابه الإذاعي الأسبوعي تحذيرا لإيران مطالبا إياها بأن تبرهن على حسن نواياها، معتبرا أن الكشف عن الموقع الجديد واستمرار المراوغة الإيرانية ما هو إلا استهتار وبمثابة العبث في نظام حظر الانتشار الدولي.
الجميع يترقب الحوار مع إيران، الذي من المقرر أن يبدأ في غضون أيام (الأول من شهر أكتوبر)، وبهذا الصدد كتب مايكل جاكوبسون على موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ما يفيد أن واشنطن وبالتعاون مع عواصم أوروبية بدأت التحضير لسيناريو ما بعد الفشل في المحادثات التي لم تجر بعد، ويشار هنا إلى أن حزمة من العقوبات التي من الممكن أن تفرض على طهران.
الولايات المتحدة تسعى بكل ما أوتيت من قوة دبلوماسية إلى بلورة إجماع دولي للتعامل الجدي هذه المرة مع برنامج إيران النووي، وقد ترأس الرئيس أوباما بنفسه مجلس الأمن بالأمم المتحدة، إذ صدر قرار يوم الخميس الماضي يتعلق بحظر انتشار السلاح النووي والحد منه، وهو بذلك يوجه ضربة صارمة لجهود إيران الرامية للحصول على تكنولوجيا، وإمكانية تصنيع السلاح النووي.
المعضلة الإيرانية الآن تتركز حول قضيتين: أولا، بعد الكشف عن الموقع السري بات من الصعب جدا أن يكون النظام الإيراني موضع ثقة، وهذا الأمر سيضعف إيران ويؤدي إلى حالة، ولنستعمل تعابير العلاقات الدولية، من الانكشاف الاستراتيجي الذي كان بالإمكان تجنبه. أما القضية الأخرى فهي وللأسف انتصار الرواية الإسرائيلية نوعا ما على الرواية الإيرانية، فقد كان موقف إسرائيل ومنذ البداية أنه لا طائل من الحوار مع النظام الإيراني لأنه نظام سيستمر في التضليل وهو ما حدث.
خليجيا، الكشف عن الموقع السري يثير قلقا مشروعا، فدول الخليج العربي تريد الحفاظ على الوضع الراهن ولا يوجد لها مصالح مباشرة في اللعب والعبث في موازين القوى السائدة، لكن في حال استمرار إيران في محاولاتها المستميتة لتغيير موازين القوى فإن الدولة الوحيدة خليجيا، المؤهلة لموازنة أي دور إيراني ينتج عن اختلال موازين القوى هي المملكة العربية السعودية.
وتدرك النخب السعودية أن إيران تشكل مصدر تهديد حقيقي على أمن الخليج، لكنها في الوقت ذاته لا ترى أن التهديد الإيراني معزول عن تهديد آخر ناتج عن عدم التوصل إلى حل سلمي يضمن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. وفي سياق التحليل ترى السعودية أن إيران توظف الصراع العربي - الإسرائيلي والتعنت الإسرائيلي لإحراج الدول العربية التي ترى في السلام المخرج للجميع، بمعنى أن تأييد إيران لحماس وحزب الله وتيار ما يسمى محور الممانعة يصب في صلب استراتيجية إيران لامتلاك الأوراق الكثيرة للتفاوض فيها مع الغرب على المشروع النووي، لذلك من المحتمل أن ترفع إيران من وتيرة الهجوم اللفظي على الكيان الإسرائيلي لعلها تحرج حامل الميزان في الخليج وهو السعودية. على أنه من الصعب القول إن إيران ستتمكن من المزايدات على دول عربية مهمة تبدي قلقها من محاولات إيران الحصول على هيمنة في منطقة الخليج أو الحصول على اعتراف دولي (سيناريو الصفقة) بأنه لها دور إقليمي مهم يأتي على حساب دول خليجية تلعب دورا بارزا على نطاق السياسة الدولية. فالسعودية على سبيل المثال تقف سدا منيعا أمام محاولات إسرائيلية وأميركية لجر العرب للتطبيع مع إسرائيل ويبقى موقف السعودية ثابتا وواضحا وهو ما نطق به الأمير تركي الفيصل في مقال له نشر قبل أيام في صحيفة “نيويورك تايمز”، الذي اشترط انسحاب إسرائيل كاملا من الأراضي العربية المحتلة قبل التطبيع، بمعنى أن استمرار إيران في توظيف الورقة الفلسطينية والصراع مع إسرائيل للحصول على مكانة إقليمية لم يجد نفعا لأن الدول العربية بقيادة السعودية عصية على ابتزاز إيراني من هذا النوع.
باختصار وكما كتب غلين كيسلر في “واشنطن بوست” يوم السبت، فإن الكشف عن الخداع والتضيلي الإيرانيين قد يؤثر في المقاربة الأميركية التي قد تبتعد عن الحوار وتقترب أكثر من حشد وبناء تحالف دولي في إطار رؤية الرئيس أوباما في نبذ الأحادية وإيجاد شركات للمساهمة في تحقيق الأمن والرخاء وهو المبدأ الثاني الذي ورد في خطابه في الأمم المتحدة. وبهذا المعنى فإن الخاسر الوحيد من جراء التطورات الأخيرة هو النظام الإيراني.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي