المجتمع السعودي بين الزكاة والضرائب

لتحقيق التطور والتقدم لأي مجتمع فلا بد له ولأي وحدة اقتصادية فردا كان أو حكومة أو دولة أن تكون لها رؤية واضحة واستراتيجية منتظمة وخطط وبرامج تخدم الرؤية والاستراتيجية. ومن دون ذلك فإن المجتمع وكذلك الوحدة (الفرد أو الدولة) تفقد جدواها النسبية في إدارة مواردها المختلفة، وقد تصبح فجوة الدخل (الإنتاج) بينها وبين الوحدات الأخرى الأكثر تقدما وكفاءة أشد اتساعا مع الزمن.
ونحن في المجتمع السعودي، كأي دولة نامية أخرى، نعاني أفرادا ومؤسسات وكمجتمع وكحكومة ضعف أو عدم وجود الرؤية والاستراتيجية والبرامج الواضحة المترابطة في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية كافة التي تخدم وتؤدي إلى دينامية أعمال منتجة وحيوية. نعم لدينا خطط خمسية على مستوى الحكومة، وكذلك ميزانيات وبرامج ومشاريع ضخمة، ولكن هنالك عدم وضوح في تمثيل الميزانيات والبرامج والخطط الخمسية للأهداف والاستراتيجيات والرؤى والجدية في التطبيق والتنفيذ للأهداف والخطط المكتوبة.
ولو ألقينا الضوء على الزكاة والضرائب التي تعتبر برامج ترتيب مالية لإعادة توزيع الدخل والثروة، بحيث يصبح المجتمع أكثر عدالة ورفاهية في المساواة بين أفراده فسنجد أن نظام الزكاة لم يحول حتى الآن إلى برامج عملية جادة وواقعية، أولا لتشمل جميع المستحق عليهم الزكاة، وثانيا لتستكمل تحصيل جميع أنواع الزكاة المفروضة، وثالثا لتوصل هذه الأموال الزكوية إلى مستحقيها بدلا من أن تصل متأخرة أو ضعيفة أو ربما غالبا تصل إلى من أصبحوا أغنياء أو غير مستحقين لها.
ونظام الزكاة متنوع ويعم معظم الثروات والدخول، بحيث تتكون منه ثروة هائلة يمكن أن تسد عوز الفقراء والمساكين وغيرهم من المستحقين، فلو قدرنا أن الناتج المحلي للمملكة هو تريليون ريال مثلا، وكانت الزكاة 2.5 في المائة واستثنينا 20 في المائة من الدخل غير المستحق عليه زكاة لوجدنا أن إجمالي إيراد الزكاة السنوي هو 20 مليار ريال من الناتج (الدخل).. وإذا حسبنا إجمالي الثروات المتوافرة في المملكة فربما نجد أنها قد تصل إلى 20 تريليون ريال (وذلك يتم حسابه باعتبار أن الدخل يتولد بحجم 5 في المائة من الثروة وكان دخل المملكة كما افترضنا 1 تريليون ريال) فإن الزكاة على الثروة إذا استثنينا الثروة غير الزكوية (20 في المائة مثلا) ستكون (16 تريليون x 2.5 في المائة) = (25 مليارx 16 =400 مليار)، فإذاً مقدار هائل من الزكاة حتى لو أعدنا التقدير بتخفيض الوعاء الزكوي سيبقى ما يكفي للفقراء والمساكين ومحدودي الدخل وغير القادرين على توفير احتياجاتهم الضرورية من السكن والسيارات وغيرها... ولكن ذلك كما قلنا يحتاج إلى الكثير من الدراسات والتخطيط والتنظيم لإخراج برامج فعالة ومؤثرة وجادة. وإذا لم تتطور برامج ولوائح الزكاة وأجهزتها ومؤسساتها فسنضطر كالعادة إلى استيراد أنظمة ولوائح وبرامج جاهزة من غيرنا لا تمثل فلسفة مجتمعنا ولا روحه ولا قيمه، وإنما تمثل فلسفة ورؤى وقيم مجتمعات أخرى وهو ما سيحدث إذا اضطررنا لتطبيق الضرائب وهو خيار مستورد جاهز ربما لا نحتاج (بحكم اتكاليتنا) إلى كبير من العناء لتطبيقه ربما تكييفه ليوائم مجتمعنا ولو بقدر شكلي ظاهري... ومع ذلك فنحن حتى الآن لم نصل إلى الاضطرار لأخذ أنظمة الضرائب في الدول الغربية التي تصل إلى 40 في المائة من الدخل ونسبة عالية من الثروات أيضا. والسبب في عدم الاضطرار هو أن الحكومة ظلت عقودا حتى الآن وهي تستفيد من تشغيل قطاع النفط، الذي ما زال يمثل ما يقرب من (30- 40- 50 في المائة) من الناتج المحلي.. ولكن مع مضي الزمن ونمو موارد القطاع الخاص والنمو السكاني وازدياد المتطلبات المعيشية للسكان، فلا بد من تطبيق نظام فعال لإعادة التوزيع للدخل والثروة، فإما أن نكون قد أعددنا وعملنا على تطوير برامج الزكاة بحيث تصبح شاملة وكفء وفعالة، وإما (كما هي العادة) أن ننتظر إلى آخر الوقت ثم نضطر إلى استيراد أنظمة الضرائب وبرامجها وربما على أقصى جهدنا نكيفها تكيفا بسيطا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي