مصلحة الزكاة والدخل وتعاملاتها مع الفتاوى الشرعية
الزكاة ركن من أركان الإسلام الخمسة وتكمن أهميتها في تقوية الأواصر والتلاحم في المجتمع وتطهير النفوس من البخل، وهي من أعلى درجات التكافل الاجتماعي، وهي عبادة مالية، وهي أيضا سبب لنيل رحمة الله.
وقد سبق لمجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الـ 18 المنعقدة خلال الفترة من 24 إلى 28 جمادى الآخرة 1428هـ أن أشار إلى حاجة الأمة الإسلامية إلى تنظيم الزكاة على قاعدة مؤسسية جمعاً وتحصيلاً بشكل معاصر منضبط و متوافق مع الأحكام الشرعية، وأنه يوصي بحثّ الأفراد على دفع زكواتهم إلى الهيئات التي تنشأ بتراخيص من الدول ضماناً لوصولها إلى مستحقيها وتفعيلاً لدورها دينياً واجتماعياً واقتصاديا، وأن يتم وضع معايير شرعية ومحاسبية لأوعية الزكاة.
وقد عنيت الزكاة بالاهتمام وأنشأت الدول هيئات ومصالح لجباية الزكاة، ولدينا في السعودية مصلحة الزكاة والدخل وهي الجهة المخولة رسمياً بجباية فريضة زكاة عروض التجارة من المؤسسات والشركات (المكلفين) وتسعى المصلحة إلى تطوير أنظمتها وآليات العمل فيها من خلال تطبيق أنظمة الربط الذاتي والاعتماد بشكل أكبر على الحاسب الآلي في جميع التعاملات التي تقوم بها المصلحة، ومن دون شك فقد أدى هذا إلى تطور متابعة المصلحة للمكلفين عند جباية الزكاة الشرعية منهم. ومن وجهة نظري المتواضعة فإنه للوصول إلى نتائج أفضل يجب أن يتم التعامل بين المصلحة والمكلفين على أساس مفهوم المنفعة المشتركة، وهذا يتحقق إذا ما تم التعامل في ضوء أنظمة ومعايير واضحة و موحدة ومعلومة للجميع، وكذلك شفافية تامة بين المصلحة والمكلفين.
فالمصلحة يجب أن تعامل المكلفين على أساس أن قيامها بجباية أموال الزكاة الشرعية منهم هو واجب ديني وليس دنيويا، فهم يدفعونها ابتغاء مرضاة الله تعالى، والرقيب الأول عليهم هو المولى سبحانه وتعالى قبل المصلحة، ونفس هذا المفهوم بالنسبة للمكلفين، فالزكاة ركن من أركان الإسلام يتعين على المسلم إخراجها تطهيراً للمال وتزكية للنفس ويعلم المكلف أن أي محاولة للإخفاء أو للتهرب منها قد يقوم بها بغرض تقليص حجم الزكاة التي يتعين عليه دفعها للمصلحة فإنه يكون قد أوقع نفسه في محظور شرعي، وهذا الأمر تتساوى فيه المصلحة مع المكلف وبالتالي فإنها إذا حصلت زكاة من المكلف من دون وجه حق ورضا منه فإنها أيضاً تكون قد أوقعت نفسها في محظور شرعي.
ومن هنا تأتي أهمية أن تلتزم المصلحة بتطبيق الفتاوى الشرعية الصادرة عن الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بشأن الزكاة الشرعية بشكل محايد بمعنى أن المصلحة يجب ألا تكون انتقائية في تطبيق الفتاوى الشرعية بحيث تقوم بتطبيق الفتاوى التي يكون في تطبيقها زيادة في الوعاء الزكوي، وفي الجانب الآخر لا تقوم المصلحة بتطبيق الفتاوى التي تؤدي إلى تخفيض الوعاء الزكوي للمكلف، وهذا يظهر جلياً في تعامل المصلحة مع بعض الفتاوى الصادرة خلال السنوات القليلة الماضية، فعند صدور الفتوى الشرعية رقم 22665 وتاريخ 15/4/1424هـ وما تضمنه الرأي الشرعي بإضافة القروض إلى الوعاء الزكوي فقد حرصت المصلحة على تطبيق هذه الفتوى بشكل فوري وأثر رجعي على الحالات غير المنتهية، وزادت المصلحة في نطاق التطبيق وتوسعت ففسرت بأن الفتوى تنطبق أيضاً على الأرصدة الدائنة الأخرى التي يحول عليها الحول، علماً بأن الفتوى كانت فقط بخصوص القروض!
وعلى النقيض تماماً فقد أصدرت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء الفتوى رقم 22644 وتاريخ 9/3/1424هـ والتي جاء فيها أن من حق صاحب المنشأة أن يحسب لنفسه راتباً شهرياً أو بدل مواصلات أو بدل سكن على أساس مراعاة أن يكون في حدود ما يتقاضاه نظراؤه في المنشآت المماثلة، وعلى الرغم من أن هذه الفتوى قد وردت في مجلة الزكاة والدخل التي تصدر عن المصلحة ضمن عددها رقم (2) وتاريخ المحرم 1426هـ إلا أن المصلحة ترفض قبول أي رواتب لصاحب المنشأة! والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا هذه الانتقائية في التعامل مع الفتاوى الشرعية المتعلقة بفريضة الزكاة ؟