الصكوك أداة تمويل إسلامية للاستثمار في البنى التحتية
يبرز دور التمويل الإسلامي بصورة واضحة في ظل ما تعانيه الأسواق الإسلامية والدولية من نقص في الائتمان التقليدي. ويرى الخبراء أن الحاجة باتت ملحة لتوسيع قاعدة رأس المال للتمويل والحد من الاعتماد على رأس المال المحلي. كما أن الضرورة تحتم الدخول في طريقة جديدة لممارسة الأعمال التجارية التقليدية والمصرفية الإسلامية.
مشاريع البنية التحتية
وفي هذا الإطار تشهد الدوحة في الثالث من نوفمبر المقبل فعاليات مؤتمر العالم الإسلامي للبنية التحتية المالية. ويهدف هذا المؤتمر إلى تعزيز إمكانية تمويل المشاريع الإسلامية.
ومن الملفات المهمة في هذا الصدد تغيير المشهد المتعلق بتمويل المشاريع مثل القروض قصيرة المدى، وعدم الاعتماد في تمويل المشروع الواحد على مصدر بعينه بل العمل على تنوع مصادر التمويل. وهذا التطور يعتبر بادرة أمل لتوسيع دائرة فرص تمويل المشاريع الإسلامية. ومن المنتظر أن يناقش المؤتمر أيضاً ملف التحديات في توحيد الهياكل القانونية لتمويل المشاريع بما يتوافق مع أحكام الشريعة إضافة إلى مناقشة إدارة المخاطر في المشاريع والتمويل الإسلامي. هذا إلى جانب الدور المتوقع للأسواق الناشئة ودور المؤسسات في الابتكار.
وتأتي مناقشة تلك المحاور التي يعرضها المؤتمر في ظل حالة التدهور التي يعاني منها الاقتصاد العالمي بحسب تصريحات يوسف حسين كمال وزير الاقتصاد والمالية ورئيس مركز قطر المالي. وأضاف أن البنية التحتية المالية قد مهدت الطريق لكبار المسؤولين التنفيذيين الذين يمثلون هذا القطاع إلى اتساع دائرة المناقشات بعد مشاركة المصرفيين والمستثمرين والممولين. وتزيد تلك المشاركات من تعزيز الدور الذي يمكن لتمويل المشاريع الإسلامية أن تلعب البنية التحتية الضخمة في تلبية احتياجات الاستثمار حيث تعتبر دعامة أساسية من أجل تنشيط النمو.
ويأمل المنظمون أن ينجح المؤتمر في دعم الطفرة المقبلة في تمويل المشاريع الكبرى في المنطقة. ويهتم المؤتمر بمناقشة تأثير زيادة عدد البنوك الإسلامية والمؤسسات المالية القادرة على تمويل مشاريع البنى التحتية. يأتي هذا في الوقت الذي نجحت فيه بعض المؤسسات المالية بالفعل في استنباط أدوات مالية متماشية مع الشريعة.
يأتي انعقاد المؤتمر في الوقت الذي طالب فيه خبراء اقتصاديون بإصدار صكوك وسندات خزينة متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية وذلك لتمويل مشاريع البنية التحتية في دول مجلس التعاون الخليجي والتي يقدر حجم الاستثمار فيها بنحو 900 مليار دولار. فيما طرح البعض إمكانية استخدام هذه الصكوك في تمويل العجز في ميزانيات دول الخليج الذي يتراوح بين 50- 75 مليار دولار وهو ما اعتبروه لا يتعارض مع أحكام الشريعة باعتبار أن العجز ناجم عن استثمارات في أصول. ومن جانبه أكد د. ناصر السعيدي ـ رئيس الشئون الاقتصادية في سلطة مركز دبي المالي العالمي- أن المرحلة القادمة تستلزم الإسراع في بناء سوق دين خليجية نشطة ترتكز على إصدار الصكوك الإسلامية بهدف استخدامها من قبل الحكومات والمؤسسات في تمويل مشاريع البنية التحتية وتمويل العجز الحاصل في ميزانياتها نتيجة تراجع أسعار النفط. ودعا السعيدي للاستفادة من المرونة التي أثبتها النظام المالي الإسلامي ونبّه إلى ضرورة قيام الحكومات بمعالجة الأزمة المالية عن طريق استخدام أدوات التمويل وخاصة الصكوك باعتبارها جزءا لا يتجزأ من النظام المالي العام. ودعا الحكومات والهيئات التنظيمية لاقتناص الفرصة التاريخية السانحة لدمج النظام المالي الإسلامي في آليات التمويل المصرفي الرئيسية.
المشاريع الصغيرة
وثمة مجال آخر وهو تمويل المشاريع الصغيرة، يرى الخبراء ضرورة أن يكون للبنوك الإسلامية حضور فعلي فيه ضمن صيغ التمويل الإسلامية المعتمدة.
ويعتبر التمويل الإسلامي من الحلول الناجعة في هذا المجال حيث إن العقبة الكبرى التي تواجه أصحاب المشاريع الصغيرة هي عدم وجود الضمانات الكافية التي يجب تقديمها للبنوك التقليدية للحصول على قروض فضلاً عن نظام الفائدة التي يرهق أصحاب تلك المشاريع والذين يكونون غالباً من المهنيين.
وترجع أهمية التمويل الإسلامي إلى أنه يضمن العدالة بين طرفي المعاملة بدلاً من نظام الإقراض بفوائد الذي يحصل المقرض منه على حقه من مبلغ القرض والفوائد بينما يظل حق المقترض محتملاً قد يحصل عليه أو لا. كما أن أساليب التمويل الإسلامي تضمن استخدام التمويل المتاح في مشاريع حقيقية وهو ما يؤدي بالتالي لتحقيق فوائد كبيرة للمجتمع. ويرى الخبراء أنه لابد من البحث في مختلف صيغ التمويل الإسلامي وكيفية تطبيقها على الراغبين في تأسيس مشاريع صغيرة مختلفة.
وهناك عدد من الصيغ التي يمكن من خلالها تمويل المشاريع الصغيرة مثل عقد المرابحة وعقد السلم وعقد البيع الآجل والاستصناع والإجارة.
كما أن هناك صيغاً أخرى تحتاج إلى تطوير وهي تفيد غير القادرين على التعامل مع مؤسسات التمويل الرسمية أو غير الرسمية مثل القرض الحسن.
ويؤكد عبد الحميد البعلي -أستاذ الاقتصاد الإسلامي- عى أهمية التمويل الإسلامي للمشروع الصغير مشيراً إلى قدرة الاقتصاد الإسلامي على الإصلاح الحقيقي عبر أربع ركائز هي: تحفيز الإنتاج، وتشجيع الادخار، وترشيد الاستهلاك، والمدة الزمنية الكافية. وتلك الركائز تؤدي حال تطبيقها إلى تحقيق تنمية قاعدية لكل من المشروعات والأشخاص، وذلك بما يتلاءم مع منهجية الإسلام في الاقتصاد والتي تقوم على تصحيح وظيفة النقود، وتنوع وتعدد قاعدة الملكية، والزكاة ودورها الاقتصادي والاجتماعي، وتعظيم العنصر البشري وتدريبه، وأن الحلال والحرام أصل المكاسب والإنفاق.
أما عن التحديات التي تواجه تمويل البنوك الإسلامية للمشاريع الصغيرة فيلخصها د. عبد الرحمن يسري ـ أستاذ الاقتصاد الإسلامي- في أن شروط التمويل الإسلامي للمشاريع الصغيرة تقترب من شروط البنوك الربوية وذلك إما بسبب قيود البنوك المركزية أو عدم الرغبة في استحداث أساليب تمويل جديدة. يضاف إلى هذا عدم تعاون البنوك الإسلامية مع بعضها البعض لمواجهة مشاكل تمويل الصناعات الصغيرة. خاصة في مجال تطوير الممارسات العملية والأخذ بأفضل الأساليب في دراسة جدوى المشروعات الصغيرة وتنظيم تنفيذ عمليات تمويلها بأقل التكاليف. وانخفاض الوعي المصرفي والتسويقي لدى أصحاب المشروعات الصغيرة، بالإضافة إلى غياب دراسات الجدوى الجيدة التي تحدد مدى إمكانية نجاح هذا المشروع من عدمه.
ويطرح الخبراء توصيات لتحقيق تمويل البنوك الإسلامية للمشاريع الصغيرة ومنها عمل دليل شرعي لتمويل المنشآت الصغيرة، وتحديد معايير لاختيار هذه المنشآت، فضلا عن وجود نظام للمتابعة والمراقبة، وتحديد جهة موثوق بها لإعداد دراسات الجدوى لكافة المنشآت الصغيرة، ووضع تأمين تعاوني إسلامي على عمليات التمويل. ودعم البرامج الحكومية في الدول الإسلامية التي تستهدف تنمية الصناعات الصغيرة بالمشاركة بنسبة في تمويل هذه البرامج.
وكذلك الإشراف على إنشاء صندوق لتنمية الصناعات الصغيرة في البلدان الإسلامية بتمويل مشترك من حكومات هذه البلدان والبنوك الإسلامية فيها، بالإضافة إلى الشركات والأفراد الراغبين، ويمكن أن يتم التمويل عن طريق إصدار صكوك إسلامية.
التمويل الإسكاني
وهناك مجال آخر وهو التمويل الإسكاني الإسلامي. ويشدد يوسف طلال ديلورنزو - مدير الشريعة الرئيسي في شركة الشريعة لرأس المال المساهمة- على أن التمويل الإسلامي لقطاع الإسكان يوفر حلولاً جديدة في هذا الاقتصاد. ويضرب مثالاً بالنموذج الأمريكي الذي ينشط فيه التمويل الإسكاني الموافق للشريعة في أربعين ولاية. ويوضح أن شركات التمويل الإسكاني الإسلامي تعد أكثر استعداداً لإعادة هيكلة التمويل بدلاً من مصادرة المنزل وطرحه للبيع. وتفيد مؤسسات التمويل الإسكاني الإسلامية الكبرى على سبيل المثال أن التقاعس عن تسديد الدفعات الشهرية يمثل أقل من نصف نسبة الحالات في قروض الرهن التقليدية.
ويؤكد ديلورنزو أن الوقت قد حان لأن يأخذ التمويل الإسلامي بزمام المبادرة في قطاع الإسكان مقدماً المخرج الآمن من الأزمة العالمية