التطوير ومعايير الجودة في الدوائر الحكومية (جامعة الملك سعود نموذجا)

جامعة الملك سعود وبقيادة مديرها الناجح الأستاذ الدكتور عبد الله العثمان لها مبادرات سباقة في التطوير ودعم الابتكار والكراسي البحثية وقيادة الجامعات في تبني المحفزات المادية الأخيرة لأعضاء هيئة التدريس.
ومن أهم مبادراتها الجديدة في عالم تطوير الأجهزة والمؤسسات البيروقراطية والتعليمية العامة هو توجهها نحو دعم أركان الجودة وتحفيز جهود التطوير بإنشاء وكالة جديدة للجامعة متخصصة لتطوير معايير الجودة وتطبيقها ودعم وسائل وأدوات التطوير العلمي. وكانت الجامعة موفقة في اختيار قائد فذ في هذا المجال وهو أحد أبنائها الدكتور حمد آل الشيخ الذي عرفته أستاذا بارزا في قسم الاقتصاد وخارجه، فكان مثالا في جهوده العلمية والبحثية والتعاونية مع جهات مختلفة، كما كان عضوا فاعلا في اجتماعات اللجان ومجالس الأقسام وكنت أراه في أخلاقه وقدراته القيادية مؤهلا لقيادة قطاعات مهمة أولها هذا القطاع الحيوي للجودة والتطوير في الجامعة الأم جامعة الملك سعود.
ولعل هذه المبادرة لجامعة الملك سعود تحتذي خطاها الجامعات الأخرى والمؤسسات والأجهزة التعليمية المختلفة، بل وقطاعات الحكومة المتشعبة لتقديم الخدمات المدنية والعسكرية والأمنية.. فميزانيات مختلف القطاعات الحكومية تعلن بأرقام وبيانات تعبر عما حباه الله هذا الوطن من خيرات وموارد مالية لا تحلم بها كثير من الدول الأخرى.. ولكن هذه الموارد المالية والمصروفات والنفقات الضخمة على مختلف القطاعات لا بد لها من رقابة نوعية، إضافة إلى الرقابة الكمية.. وتتمثل هذه الرقابة النوعية في تطوير وتطبيق ونشر معايير الجودة لكل قطاع وكل إدارة وكل مؤسسة تتبع حكومتنا الموفقة في مختلف المجالات التعليمية والإعلامية وإدارات الخدمات المختلفة.
والأجهزة الحكومية المختلفة في ظل عملها بعيدا عن مؤشرات جهاز السوق التي تعكس علامات على درجات نجاحها (كما هو في القطاع الخاص) هي أحوج ما يكون لأن تطور معايير جودة وتطبيقها ونشرها لمختلف إداراتها لغرض قياس درجة كفاءة ونجاح كل جهاز في الاستفادة مما ينفق عليه مقارنة بأداء الأجهزة والمؤسسات الحكومية الأخرى. ودون ذلك فلن يكون هنالك تطور إداري ملموس ولا تحسن معتبر في أداء الخدمات ولا تقويم واضح أمام كبار المسؤولين وصغارهم، وبالتالي فليس هناك محاسبة قد يتم من خلالها المكافأة المعنوية والمادية لمختلف الإدارات الحكومية ومديريها ومسؤوليها وموظفي مختلف أقسامها وشعبها.
ديوان المراقبة والهيئة العليا للتطوير والإصلاح الإداري ووزارة التخطيط ومصلحة الإحصاءات العامة هي من بين الجهات الحكومية التي يناط بها تطوير معايير الجودة وتطبيقها ونشرها بالتعاون مع الكفاءات العلمية والخبرات الموجودة في الجامعات السعودية وبالاستعانة بتجارب الدول الأخرى المتقدمة في هذا المجال.
لا تزال المخرجات الخدمية لمختلف المؤسسات الحكومية التعليمية وغير التعليمية تقاس فقط بكمها وليس بكيفها.. فالجامعات ومختلف المؤسسات التعليمية تهتم فقط بأعداد الخريجين وربما أعداد الأبحاث والدراسات التي تنشرها وأعداد الندوات والكتيبات والكتب والفعاليات التي تقدمها. وتكاد تكون بعيدة عن أي معيار نوعي أو كيفي لمستوى وكفاءة وجودة المخرجات التعليمية والعلمية وقل مثل ذلك أو أكثر عن مختلف الأجهزة والمؤسسات الحكومية غير التعليمية الأخرى دون تسمية لمختلف أنشطتها.
هنالك أسئلة مهمة لتطوير الجودة منها:
ما مستويات الجودة الحالية؟ هل مستوى أي جودة تعليمية أو غير تعليمية هي في مستوى A أو++A أو +C أو++D أو أقل أو أكثر من ذلك؟ لا أحد يعلم ذلك قبل أن توجد لدينا الأجهزة المهتمة بتطوير وتطبيق ونشر معايير الجودة مع القيادات الكفوءة التي توجهها. وبعد تشخيص ومقياس مستويات الجودة تأتي عوامل تطوير الجودة وتحفيز مجالات التطوير.
على سبيل المثال ما قدمته الدولة أخيرا من مكافآت مادية لأعضاء هيئة تدريس الجامعات هو بذل مشكور معطاء، لكننا نلاحظ بوضوح أنه يركز على القياس الكمي لا النوعي ولا يكاد يعطي اعتبارات الجودة اهتماما، فمنها مكافآت مقابل الوصول إلى سقف الساعات ومكافآت مقابل انخفاض عدد السعوديين في التخصص أو القسم الأكاديمي وحوافز مادية للنشر المحلي أو الدولي.. نعم هناك تشجيع، لكنه محدود باعتبار النوعية والجودة، إذ يمكن أن يدخل في ذلك الحصول على مكافآت وحوافز وبراءة الاختراع.. وما تحتاج إليه الجامعات وغيرها من القطاعات التعليمية وغير التعليمية هو مزيد من الحوافز غير المادية، فماذا مثلا عن مكافآت للأقسام التي تقيم ندوات أو ورش عمل أو حلقات بحث مشتركة أو تستضيف رجال أعمال أو رواد فكر سعوديين وغير سعوديين؟ وماذا عن الأساتذة المخلصين الذين يستفيد منهم الطلاب ويقوموهم (وهنالك استبيانات توزع على الطلاب ولكن ليس لها مردود أو يجاوب) على إنهم من أفضل الأساتذة مقابل أساتذة يتأذى منهم أكثر الطلبة؟ ماذا عن رؤساء الأقسام الذين نريد أن نحفزهم ليصبحوا قادة لأقسامهم العلمية لا مجرد كراسي يتشرفون بها؟
أظن أن على وكالة جامعة الملك سعود لشؤون التطوير والجودة أن تضرب مثالا رائعا للجامعات والمؤسسات التعليمة وغير التعليمية الأخرى، في كيفية تطوير مقاييس الجودة وتطبيقها ونشرها، لتبث روح العلم وروح الثقافة وروح المهنية والعطاء والإنجاز بالجودة العالية داخل أفنية الجامعة ومختلف كلياتها وأقسامها عبر مختلف أطروحات قياس الجودة والتطوير التي قد تتبناها الجامعة لتحقيق النهضة العلمية، ومن ثم قيادة الجودة والتطوير في كل أرجاء الدولة والمجتمع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي