مدارس الخالدية تعيد طلابها قبل50 عاما في أمسية الحنين
على الرغم من مضي أكثر من 50 سنة على تخرجهم من مدرسة الخالدية الابتدائية في الرياض، إلا أن هذه السنين الطويلة لم تنسهم زملاءهم ومعلميهم في تلك المدرسة، ولم ينسوا تلك الأيام الجميلة التي قضوها في فصولها وساحتها، فوضعوا لهم لقاء سنويا يجمعهم بزملائهم ومعلميهم.
فالحنين للماضي والذكريات السعيدة التي مروا بها في مدرستهم الخالدية في حي المرقب، جعلتهم يحاولون أن يستعيدوا عبق الماضي وبساطته ولو بعد مرور هذه العقود الخمسة، فأطفال الأمس هم الآن الآباء والأجداد.
كانت فكرة وضع لقاء سنوي لطلاب مدرسة «الخالدية» أشبه «بالمعجزة»، لصعوبة تجميع أكثر من 250 زميلا في المرحلة الابتدائية قبل أكثر من 50 سنة في مكان واحد، نظرا لبعد الفترة الزمنية، والتوسع الجغرافي، وحصر أسماء الطلاب في تلك الفترة، ورغم هذه العقبات التي صادفت المنظمين، إلا أنهم استطاعوا التغلب عليها بهمتهم العالية، ونيتهم الصادقة، والرغبة الملحة للقائهم بزملائهم، واستطاعوا أن يضعوا لقاء سنويا يجمعهم بزملائهم السابقين.
ففي كل سنة يجتمع أكثر من 250 طالبا من طلاب مدرسة «الخالدية» قبل أكثر من 50 سنة بزملائهم ومعلميهم ومديرهم، ويتبادلون الذكريات والأحاديث عن تلك الحقبة من الزمن، في احتفال بهيج وبسيط، بساطة تلك السنين الماضية.
#2#
«الاقتصادية» تواجدت في اللقاء السادس لهم الذي أقيم الخميس الماضي، ورصدت العديد من المواقف التي تدل على الألفة والتسامح والمحبة التي كان عليها ذلك الجيل، فطلاب الأمس هم الآباء اليوم، فمنهم المسؤول في الدولة، والقاضي، والمعلم، والتاجر، والفنان، وجدنا تقدير جميع الحاضرين لمديرهم حيث يقبلون رأسه ويده، احتراما وتقديرا له، نظير جهوده معهم في السابق، كثير من الحاضرين اصطحب أبناءه لهذه المناسبة.
وعبر عدد من الحضور عن سعادتهم بهذا اللقاء الذي يجمعهم بزملائهم في الماضي وبمديرهم الذي يكنون له كل التقدير والمحبة، وأن هذا اللقاء لم يسبقهم به أحد من المدارس.
يقول لـ»الاقتصادية» سعد بن عبد الله الدلقان مدير مدرسة الخالدية في الرياض قبل أكثر من 50 سنة «الحمد لله الذي أمد بعمري وأبقاني حتى هذه اللحظة لكي أرى أبنائي ممن درسوا وتعلموا في مدرسة الخالدية، يتولون أعلى المناصب في الدولة، ويخدمون بلدهم، وحقيقة حينما رأيتهم، بعد سنين مضت أحسست أنني عدت لتلك الأيام الجميلة، فاللقاء بهم واحترامهم وتقديرهم لي، جعلني أتيقن أن تعليمنا لهم لم يذهب سدى».
وأضاف الدلقان الذي تجاوز عمره 85 عاما «حريص جدا على حضور هذا اللقاء السنوي، ولم أتغيب منذ انطلاقته قبل ستة أعوام، وأن هذا اللقاء لدليل صفاء تلك الأيام وحلاوتها، ورغم مضي هذه السنين، إلا أنهم حرصوا على اللقاء ببعضهم وتبادل الذكريات، فهم أوفياء لبعضهم».
وعن وضع مقارنة بين التعليم في السابق وفي الوقت الحالي ذكر الدلقان الذي يعتبر المدير الثالث لمدرسة «الخالدية» أنه ورغم تطور التعليم في الوقت الحالي، إلا أن هناك مميزات كانت تتميز بها تلك الفترة، من احترام للمعلمين وتقديرهم من قبل الطلاب وأولياء أمورهم، فهيبة التعليم كانت في ذلك الزمان أقوى، مشيرا إلى أن ثقة أولياء الأمور بهم كانت كبيرة، فدائما يرددون على مسمعنا «لكم اللحم ولنا العظم»، وكذلك كان المعلمون في تلك الفترة يدفعهم الإخلاص إلى بذل الجهد في تعليم الطلاب، معتبرا المدرسة بيته وهمه الأول، فيحاول أن يكون لطالب المعلم والمربي والصديق والأب. وعن موقف لا يزال عالقاً في ذهنه قال «في أحد أيام الاختبارات وخلال تجولي في إحدى قاعات الاختبارات، تغيب أحد الطلاب في الصف السادس الابتدائي في ذلك اليوم، وهو من الطلبة المتفوقين دراسيا وخلقيا، فذهبت إلى منزله، بعد أن طلبت من أحد المعلمين إلهاء الطلاب، حيث وجدت أن الطالب وأسرته غلبهم النوم، فطلبت من الطالب الركوب معي وأحضرته للمدرسة، واجتاز الاختبار». ودعا الدلقان المعلمين ومديري المدارس إلى الإخلاص في العمل وأداء الأمانة، التي وضعتها الدولة وأولياء الأمور بين أيديهم من الطلاب، ومضاعفة الجهد في تعليمهم وتربيتهم، مطالبا أولياء الأمور بالتعاون مع المدرسة للحفاظ على أبنائهم.
من جهته، أكد اللواء المتقاعد هارون جعفر محمد آدم أحد طلاب ابتدائية الخالدية، أن هذا الاجتماع بهذا العدد الكبير من زملاء الدراسة في المرحلة الابتدائية قبل أكثر من 50 عاما يعتبر الأول من نوعه على مستوى المملكة، مشيرا إلى أن كثيرا من الزملاء لم يستطع أن يتعرف عليهم، لأن ملامحهم قد تغيرت، وأن هذا اللقاء أرجعنا إلى سنين مضت، حيث ما زلت أذكر أول اجتماع قبل ستة أعوام حينما التقينا، وذرفت الدموع حينما رأينا بعضنا، فالكثير منا قارب الستين، وأصبح أبا وجدا.
وشكر اللواء هارون كل من سعى في لم زملاء الماضي، معتبراً هذا اللقاء يدل على تماسك المجتمع في الماضي، وقربهم من بعضهم.