الرياض المقر الدائم لقمة مجموعة العشرين
بعد ثلاث قمم عقدتها مجموعة دول العشرين الأكثر تأثيرا في الخريطة الاقتصادية العالمية، وبعد اليقين المبين لحاجة العالم إلى تبني سياسات وإجراءات أكثر استدامة وأكثر شمولية للمحافظة على استقرار الاقتصاد العالمي، وبعد الحديث عن الرؤية النهائية لهذه القمة كلاعب رئيس في الاقتصاد العالمي، فإن مسألة العمل المؤسسي لهذه المنظومة أصبح ضرورة حتمية لاستمرار الجهود وتحسين الظروف لعودة الاقتصاد العالمي للنمو مرة أخرى، من خلال متابعة دقيقة لمخرجات اجتماعات قادة الدول الأعضاء وفق تمثيل دائم.
ولعل الأمثلة كثيرة على منظمات عالمية أو دولية intergovernmental organization IGO تلعب دورا في الاقتصاد العالمي إما على مستوى القطاعات وإما على مستوى التشريعات، هذه المنظمات لها إدارة أو أمانة عامة مستقلة منتخبة من قبل الدول الأعضاء أو الدول القوية، ويكون لها مكتب رئيس يحتضن موظفيها وأمانتها العامة أو غيرها من التشكيلات الإدارية التي تتابع عمل كل منظمة ويوجد في العالم اليوم عشرات أو مئات المنظمات على سبيل المثال فإن منظمة التجارة العالمية التي مقرها الرئيس في جنيف ويعمل فيها 629 موظفا (ليس بينهم أي سعودي مع الأسف)، واحتضان سويسرا هذا المقر هو بمثابة التكريم والتأكيد على مكانة سويسرا. صندوق النقد الدولي في العاصمة الأمريكية واشنطن بوجود 2400 موظف (بينهم سعوديون بلا عجب) .
غياب الهيكلة الإدارية عن قمة مجموعة العشرين قد يجعل من هذه القمة منظمة غير رسمية تتبع تغيرات اقتصادية محددة وفق مصالح فئات معينة (على الرغم من الاختلاف على دورها في حفظ حقوق الدول النامية)، كذلك فإن التاريخ يذكر كيف بدأت القمة بأربع وانتهت اليوم إلى 20 وهذا تحد آخر على تحديد مستقبلها، حيث إن هذه الزيادة حكمها بشكل كبير حاجة الدول المتقدمة إلى دعم الدول الناشئة، وفي رأيي أن هذه الحاجة قد تكون مرحلية لمعالجة الخلل الاقتصادي المالي العالمي الحالي. لذلك فإن تثبيت هذه المنظمة بمطالب من الأعضاء الجدد سيكون اختبارا مهما لنوايا الدول الأربع أو السبع الكبرى، فالتاريخ حافل بتجارب التعاون المرحلي وفق أهداف محددة من الطرف الأقوى.
لذلك فإني أرى ألا تمر هذه الفرصة من دون تثبيت اسم المملكة بشكل رسمي كلاعب سياسي واقتصادي مهم في الخريطة العالمية، فالفرصة تأتي مرة واحدة فقط، هذا بغض النظر عما قد يكون لهذه المنظمة من رؤية استراتيجية مستقبلية آخذة في عين الاعتبار المنظمات الدولية الأخرى، وإن كنت أرى أن الرؤية الاستراتيجية لمجموعه قمة العشرين واضحة من خلال الاجتماعات السابقة والأهداف التي دعت إلى تكوينها، وهي المحافظة على استقرار النظام المالي والاقتصادي العالمي وتجنب حدوث الأزمات الاقتصادية في المستقبل.
وفي رأيي أن قيام المملكة بقيادة تحالف مع الدول النامية المشاركة في مجموعة العشرين على أساس ضرورة تكوين هيكل تنظيمي لهذه المنشأة البكر قد يعطي المملكة ميزة إضافية لاحتضان المقر، وهذا بلا شك سيحقق أهدافا متعددة على رأسها تثبيت المملكة كدولة فاعلة في النظام الاقتصادي العالمي، وكذلك سيجعلها دائما محط أنظار العالم الاقتصادي، بخلاف الفوائد الأخرى على مستوى العلاقات الدولية والتأثير السياسي كونها أصبحت من أصحاب المصالح والنفوذ كونها تحتضن أمانة مجموعة الـ 20 دولة الأكثر تأثيرا في مستوى العالم سياسيا من حيث وجود الدول الكبرى، وكذلك اقتصاديا كون تلك الدول تمثل 85 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي وتمثل 80 في المائة من حجم التجارة العالمية وتمثل أكثر من ثلثي عدد سكان العالم.