بارقة أمل في مفاوضات التجارة الحرة بين دول الخليج وأوروبا
لاحت في الأفق بارقة أمل في استئناف المحادثات بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي من جديد بشأن مفاوضات التجارة الحرة بين الطرفين، بعد أن دخل هذا المشروع مرحلة من الغموض الذي بات يلف مصيره. حيث أكد مسؤول أوروبي وجود بوادر إيجابية من رئاسة الاتحاد الأوروبى حاليا من شأنها ضخ الحياة في هذه المفاوضات وكسر الجمود من قبلها، دون أن يعطي أية تفاصيل حولها.
والمعلوم أن الجانب الخليجي علق مفاوضات التجارة الحرة نهاية العام الماضي 2008 نظرا لتمسك الجانب الأوروبي بمطالب سياسية تعتقد دول المجلس أنها لا ترتبط بالاتفاقية، إلى جانب أن لديهم في الوقت ذاته مخاوف من قوة قطاع البتروكيماويات الخليجي والسعي إلى وضع الحماية بكل الطرق أمامها، وهو ما أسهم في تعطيل محادثات التجارة.
أمام ذلك، أكد عبد الرحمن العطية الأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي، أن المشاورات مع الاتحاد الأوروبي متواصلة بشأن وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق التجارة الحرة، مضيفا أن دول المجلس ترغب في إيجاد حلول للقضايا التي لا تزال معلقة، نظراً لأن المفاوضات مستمرة منذ أكثر من 20 عاما.
وأردف العطية في هذا الصدد «نحن نعول على دور دولة صديقة مثل إيطاليا من أجل إبرام الاتفاقات وإزالة العقبات كافة»، مشيراً إلى الاجتماع الذي سيعقد في الرياض في شباط (فبراير) المقبل بين ممثلي الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي الذي من المأمول أن يخرج بنتائج إيجابية وحاسمة حيال اتفاق للتجارة الحرة بين الطرفين. وجاء تصريح العطية عقب افتتاحه فعاليات «أيام مجلس التعاون الخليجي في إيطاليا» أمس الأول التي تهدف إلى تعزيز الحوار الثقافي والاقتصادي والإعلامي بين دول مجلس التعاون وإيطاليا بوجه خاص والاتحاد الأوروبي بشكل عام.
وفي السياق ذاته، اتفق فرانكو فراتيني وزير الخارجية الإيطالي مع العطية على أن التعاون القائم بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي غير كاف إلى الآن، وأن هناك عديدا من القضايا العالقة ـ على حد قوله.
ودعا رئيس الدبلوماسية الإيطالية إلى أن تعطي أوروبا دفعة قوية لاستئناف المفاوضات مع دول مجلس التعاون الخليجي، مضيفا أنه «يجب علينا التغلب على الشكوك وإنجاز الاتفاقيات». وقال إن إيطاليا تبحث دائما عن نماذج إقليمية متكاملة والنموذج الخليجي مهم - على حد قوله.
#2#
وحول اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج المزمع إبرامها، أكد الوزير الإيطالي أن هناك بوادر إيجابية من رئاسة الاتحاد الأوروبى حاليا في هذا الشأن، مشيرا في الوقت ذاته إلى الحاجة لإيجاد السبل الكفيلة باعطاء دفعة سياسية للاتحاد المتوسطي وتقريبه من دول مجلس التعاون الخليجي من خلال إعطاء الأخير، على سبيل المثال، صفة مراقب - حسب تعبيره. وواجهت محادثات التجارة مع الاتحاد الأوروبي صعوبات عندما حول الاتحاد اهتمامه في السنوات الأخيرة إلى المطالبة باصلاحات سياسية في دول الخليج قبل أن يمكن إبرام اتفاق. وكانت هناك أيضا مخاوف الاتحاد الأوروبي من قوة قطاع البتروكيماويات الخليجي، حيث تفرض دول الاتحاد ضرائب كبيرة على واردات الأسمدة وسائر منتجات البتروكيماويات الخليجية، وهو ما يعرقل تدفقات التجارة من دول مجلس التعاون.
وكانت دول الخليج قد جددت أخيرا التمسك بموقفها القاضي بتعليق مفاوضات التجارة الحرة مع الأوروبيين ما لم يقدموا مرونة كافية قبل اتخاذ أي قرار باستئنافها، ومعالجة حقيقية للعقبات التي تعترض اتفاقية التبادل الحر المطروحة بين الطرفين. بحيث تستأنف المفاوضات على أرض صلبة وبجدول زمني محدد يضمن عدم تكرار سيناريو المرحلة الماضية التي استمرت نحو 20 عاما. وقالت لـ «الاقتصادية» مصادر مطلعة في حينه، إن الفترة الماضية شهدت عودة الاتصالات والدعوات الأوروبية على مستويات مختلفة في محاولة لضخ الحياة في المفاوضات وكسر الجمود من قبلها دون أن يظهر أي تغيير من جانبها من شأنه أن يسهم بشكل مباشر في موضوع تعليق المفاوضات، خاصة في موضوعين محل خلاف بين التكتلين، حيث يتمسك الجانب الأوروبي بمطالب سياسية تعتقد دول الخليج أنها لا ترتبط بالاتفاقية ولا تمت بأي صلة للتجارة الدولية أو التجارة الحرة، وموضوع رسوم الصادرات. حيث يصر الأوروبيون على وجوب أن تكون اتفاقية التجارة الحرة تكاملية وليس فقط تبادل للبضائع والخدمات بحيث تشمل المجالات التجارية، السياسية، الاجتماعية، البيئية، إضافة إلى الجوانب الإنسانية، على أن يمنح أي طرف الحق في تعليق الاتفاقية ووقف تنفيذها جزئياً أو كلياً في حال إخلال الطرف الآخر بإلتزاماته الاقتصادية أو السياسية في الاتفاقية، كما يصر الأوروبيون على تضمين الاتفاقية نصاً يقضي بعدم أحقية أي دولة في وضع رسوم على صادراتها إلا وفق قيود محددة تمثلت - وفق المقترح الأوروبي – على ألا تتجاوز مدة فرض الرسوم ثلاث إلى أربع سنوات، وألا يتجاوز حجم السلع التي تفرض عليها رسوم الصادرات ما نسبته 3 في المائة من إجمالي حجم التجارة المتبادلة. وهو ما ردت عليه دول مجلس التعاون بإصرارها على الإبقاء على حقها الذي منحته إياها قواعد منظمة التجارة العالمية في فرض رسوم على الصادرات عند الحاجة إليها، باعتبار أن أحد أهداف هذه الرسوم حماية الموارد الطبيعية التي يشكل تصديرها الجزء الأكبر من تجارة دول مجلس التعاون، مما يتطلب إعطاءها الحق في فرض رسوم تنظم تصديرها متى ما استجدت ظروف تتطلب مثل هذا الإجراء.
وفي ظل هذه التطورات، دفع تراخي ومماطلة الاتحاد الأوروبي في إتمام اتفاقية التجارة الحرة دول مجلس التعاون الخليجي إلى البحث عن مجموعات وتكتلات الاقتصادية أخرى خصوصا مع دول شرق آسيا. وفي الوقت الذي تشهد مفاوضات الخليجيين مع تكتلات شرق آسيا تقدما حثيثا في شأن التجارة الحرة، وصف مسؤولون خليجيون التجارة مع الاتحاد الأوروبي بأنها أصبحت ثانوية حاليا، ولم تعد تحظى بحماس دول المجلس كما كان في السابق.
وتسير المفاوضات الخليجية مع عدد من المجموعات الاقتصادية بشكل مستمر، حيث من المتوقع أن تبرم دول الخليج اتفاقات تجارة مع الصين وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا بداية العام المقبل، فيما وقعت دول مجلس التعاون أخيرا اتفاقية التجارة الحرة مع سنغافورة، وكذلك مع رابطة التجارة الحرة الأوربية «إفتا» EFTA التي تضم كلا من سويسرا والنرويج وآيسلاند وإمارة ليختنشتاين.