أمننا.. متابعة مقدرة وعقوبات هينة

كان الله في عون رجال أمننا الأشاوس ومن خلفهم وزارة الداخلية بقيادة رجل الأمن الأول صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز ونائبه ومساعده وبقية القيادات الأمنية المختلفة، كان الله في عونهم وهم يتعقبون كل «الخوارج» عن الملة والدين الصحيح الممارسين للقتل والتفجير باسم جهاد حولوه لإرهاب، وكذلك كل الخارجين على القانون العابثين بأمننا من سراق امتهنوا السرقة وتكوين عصاباتها، ومهربين وكل من تسول له نفسه الأمارة بالسوء الإضرار بمجتمعنا وأمنه واطمئنانه، فالعبء على أمننا وعليهم ثقيل والجهد كبير والمخاطر التي يتعرضون لها مكلفة، ومع هذا يستمرون يلاحقون ويدهمون ويقبضون على من تقع عليه أيديهم، ويخرجون كل من تخفى في جحره من الأشرار الذين امتهنوا الإضرار بأمن مجتمعنا وحياة أفراده الآمنة المستقرة، ولعل ما تنشره الصحف بشكل دائم ومستمر من قبضهم على عصابة سرقة، أو دهمهم لوكر متخلفين يمارسون فيه كل أنواع الرذيلة، ومطاردة مهربين يسعون لدس السم في بلادنا، ومرتكبي جرائم قتل شنيعة غريبة على طبيعة مجتمعنا وتركيبته الدينية والاجتماعية، واستعادة أطفال تم خطفهم من قبل خادمات مريضات أو مستهترات في زمن قياسي، ويكمل هذا الجهد الأمني لمكافحة الجريمة بكل أشكالها ما تقوم به هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بثوبها وفكرها الجديد من أعمال جليلة وهي تحارب الرذيلة في مجتمعنا وتسعى لتنظيفه من شوائبه المنحلة من مواطنين زين لهم الشيطان المتع المحرمة أو مقيمين تمادوا في غيهم وإفسادهم لمجتمعنا. هذه الجهود الأمنية المتواصلة ومساندة رجال الحسبة لهم، لهي خير شاهد على هذا الجهد الأمني الخارق لهم قواهم الله وشد فيه من أزرهم من ناحية، ولكنه من ناحية أخرى هو مؤشر مقلق لكون هذه الجرائم والمخالفات الأمنية باتت ظاهرة وحالات متكررة، وما تنشره الصحف وما تتناقله مواقع إلكترونية من مسلسل حوادث سرقة وتزوير وارتكاب جرائم أخلاقية وتجاوزات بات خطيراً ومقلقا فعلا، ومؤشرا له دلالته علينا فحصه ودراسته، فمع كل هذا الجهد والمتابعة الأمنية، وما يعلن عنه من نتائج، إلا أن الملاحظة المقلقة هي في أن الجريمة بكل أنواعها مستمرة، وأن من يقبض عليهم ويعلن عنهم لا يمثلون رادعا ولا ما نعا لغيرهم، فكم أعلن القبض على عصابة سرقة، أو وكر دعارة، أو مخالفي إقامة إلى غير ذلك مما بات من الأخبار الدائمة والعادية في صحفنا، دون أن تتقلص وتقل، وهذا يعني أن هناك خللا أو ثغرة هي المسؤولة عن عدم تناقص كثير من الجرائم، وتمادي مرتكبيها وعدم اتعاظهم بمن يقبض عليهم موازاة مع كل هذه الجهود الأمنية.
الخلل في تصوري يكمن في العقوبات والتبعات والتي لا تتناسب مع الجهد الأمني الكبير الذي تقوم به أجهزتنا الأمنية كافة، فمن يمارسون مثل هذه الجرائم لا يشعرون بما سوف يدفعونه من ثمن مكلف نظير عبثهم بأمن واستقرار ومصالح المجتمع، وأعيد هنا ما أوردته «الاقتصادية» في عددها ليوم الأحد الموافق (19/10) تحت عنوان «قراصنة التأشيرات» وكيف تعرض مقاول لاستقدام عمالة أجنبية باسم مؤسسته دون علم منه بالتزوير، وداخ السبع دوخات دون أن يجد حلا وحماية من ذلك التعدي عليه، وأيضا أذكر بواقعة غريبة نشرتها الصحف قبل أكثر عن عام من القبض في الرياض على سائق أجرة من الوافدين وهو يمارس القوادة، وكانت المفاجأة أن السائق ذاته كان قد سبق أن قبض عليه بالفعل نفسه وطبقت في حقه عقوبة سجن لمدة محددة ثم أفرج عنه بتعهد منه بعدم العودة لهذا الجرم، وبالطبع لم يلتزم، وغير ذلك من الوقائع التي تدل على أن نظام العقوبات ليس بتلك الصرامة والتكلفة بما يمثل رادعاً قويا، ويعكس ذلك أًن الجرائم تتكرر وتتعدد مصادرها ومرتكبوها.
الشاهد من ذلك كله هو المقارنة بين الجهد الكبير الذي تبذله الأجهزة الأمنية في تعقب الجريمة ومرتكبيها، وبين نظام عقوبات يبدو أنه غير صارم في التشريع والتطبيق، وهنا تكمن الفجوة المسببة لتمادي كثيرين وعدم شعورهم بشدة العقوبة التي سوف يتعرضون لها في هذه الحالات، وهو ما يعني ضرورة مراجعة نظام العقوبات وتشديد كثير منها خاصة فيها يتعلق ببعض الجرائم الأشد خطورة، وحيث إن كثيراً من هذه الجرائم يرتكبها وافدون، فإنه لا بد من التشدد مع من يدانون وأن تكون أقل عقوبة هي إلغاء إقامته وتسفيره من البلد ومنعه من العودة إليه، وهنا أقترح على مقام وزارة الداخلية لضبط المقيم ودفعه للحرص على عدم خرق القوانين والأنظمة، أن يسن نظام بتسفير كل مقيم تسجل في حقه ثلاث مخالفات ابتداءً من المخالفة المرورية، ما عدا الجرائم الأمنية والأخلاقية والتي يشدد في عقوبة مرتكبيها.
وموازاة مع الدعوة لتشديد عقوبات الجريمة وتغليظها، لا بد لنا من دراسة ومعرفة الظروف التي تدفع المقيم والمواطن إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم، وأهمها على الإطلاق بطالة المواطن وتسيب الوافد، وهي مشكلة لا حاجة إلى شرحها لكون الجميع يعرف ويدرك نتائجها السلبية والضارة، وأن معالجتها جزء أساسي من محاربة الجريمة بكل ألوانها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي