ذكاء الثروة وإخلاق السياسة.. كتبا قصة التفوق السعودي

ذكاء الثروة وإخلاق السياسة.. كتبا قصة التفوق السعودي
ذكاء الثروة وإخلاق السياسة.. كتبا قصة التفوق السعودي
ذكاء الثروة وإخلاق السياسة.. كتبا قصة التفوق السعودي
ذكاء الثروة وإخلاق السياسة.. كتبا قصة التفوق السعودي
ذكاء الثروة وإخلاق السياسة.. كتبا قصة التفوق السعودي
ذكاء الثروة وإخلاق السياسة.. كتبا قصة التفوق السعودي

تعتبر المكانة الكبيرة التي تحتلها المملكة اليوم إقليميًّا ودوليًّا؛ نتاجًا طبيعيًّا للمنهج الذي سارت عليه الدولة السعودية منذ توحيدها على يد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود- رحمه الله، وبقدر ما شكَّل التأسيس حدثًا استثنائيًّا في التاريخ العربي المعاصر؛ بقدر ما أصبحت المملكة دولة استثنائية، استطاعت في فترةٍ وجيزةٍ أن تبني مجدها، متسلحةً بمفردات العصر، ومحافظةً على هويتها العربية والإسلامية. وكان اكتشافُ النفط في الأراضي السعودية نقطة تحولٍ كبيرةٍ، وفتحًا اقتصاديًّا عظيمًا، جاء في وقتٍ كانت فيه موارد البلاد محدودة، وقد أحسنت القيادة السعودية استثمار عائداته، بشكل أدى إلى تنامي قوتها الاقتصادية، تلك القوة التي وجهتها القيادة لخدمة المصالح العليا للبلاد، ودعم القضايا العربية والإسلامية، الأمر الذي أعطى للمملكة ثقلاً دوليًّا كبيرًا، وجعلها بمثابة «حائط صد» ضد كل ما يمس العرب والمسلمين. ولم تكن السياسة الاقتصادية للمملكة سياسةً عشوائية؛ وإنما كانت مدروسة، ومتميزة، عملت على تحقيق أهدافٍ محددةٍ، فمنذ البداية رسمت القيادةُ سياسةً نفطيةً كفلت لها الاستفادة الكبرى من الثروات بما يساعدها على تحقيق طموحاتها، وفي هذا الصدد قامت الحكومة السعودية باتخاذ تدابير جادة لإدارة النفط والإشراف عليه، وشجعت الشباب السعودي بتعليمه وتدريبه للدخول في هذا القطاع الحيوي من أجل المشاركة في النهوض بثروته، كما بذلت جهودًا جبارةً على الصعيدين العربي والدولي، للوقوف في وجه الشركات النفطية العالمية التي انتهجت سياسة خفض الأسعار، وأضرَّت بمصالح الدول المنتجة. وقد نجحت المملكة في توجيه منظمة أوبك منذ تأسيسها في عام1960 م؛ نحو العمل على استقرارالسوق العالمية، حتى استطاعت المنظمة الحفاظ على الإنتاج، وتثبيت الأسعار، ومواجهة التحديات والضغوط الدولية التي تعرضت لها من جانب الدول الكبرى المستهلكة، كما أدت السياسة النفطية التي انتهجتها المملكة إلى تغيرٍ في ميزان القوى لصالح الدول المنتجة، فأصبحت الأخيرة تسيطر على الجانب الأكبر من ثروتها النفطية الوطنية، وأصبح للنفط دور فاعل ومؤثر على المسرح الدولي سياسيًّا واقتصاديًّا، وقد أجادت المملكة توظيفه على الصعيدين، وهو ما تجلى في السبعينيات عندما استخدمته كسلاحٍ سياسيٍّ واقتصاديٍّ في ردع الدول المنحازة لإسرائيل من جهة؛ والاستفادة منه كوسيلة ضغط لاستعادة الحقوق العربية المسلوبة من جهةٍ أخرى.
#2#
## التوازن والشمولية
اتخذت الثروة السعودية مسارات داخلية، وخارجية، كان لكلٍّ منها أهدافٌ محددةٌ رسمتها القيادة بدقةٍ، فعلى المستوى الداخلي تم ضخُّ الأموال اللازمة لعملية التنمية الواسعة التي أطلقتها القيادة السعودية في البلاد، والتي كانت من نتائجها انزواء الطابع التقليدي للمجتمع السعودي، وبروز شرائح اجتماعية جديدة، واختفاء الاعتبارات القبلية إلى حدٍّ كبيرٍ، فاكتسب التعليم والمهارات الفنية دورًا مهمًّا في عملية الحراك الاجتماعي، وبذلك شكل الإنسان السعودي محورًا لخطط التنمية وهدفًا لها. وقد اتسمت المسيرة التنموية السعودية بالتوازن والشمولية، مما أدى إلى تحقيق قفزات هائلة ونهضة حضارية غير مسبوقة، فتم تنفيذ العديد من المشروعات العملاقة في مجال البنى التحتية والتجهيزات الأساسية من طرق وموانئ ومطارات، والعديد من المرافق والخدمات الأخرى، وتضاعف حجم الإنفاق على خطط التنمية المتتالية مع ازدياد الدخل القومي.

وقد كان من ذكاء الثروة السعودية أنها لم تتوجه إلى الداخل بهدف إقامة مجتمع رفاه، وإنما توجهت إلى عقلية المواطن السعودي، فعملت على تغيير مفاهيمه وتوسيع مداركه بما يتناسب وروح العصر، وجاء ذلك من خلال التوسع الكبير في التعليم بمختلف مراحله، وإدخال المناهج المتطورة، وإرسال البعثات التعليمية إلى الخارج، وإقامة المعاهد المتخصصة في أحدث التقنيات التي تتطلبها الثورة المعلوماتية، وبما يخدم مخططات سعودة الوظائف.

وتجلى ذكاء القيادة السعودية في اتجاهها للبحث عن مصادر أخرى للدخل، وعدم الاعتماد على النفط كمصدرٍ وحيدٍ، وقد حققت المملكة نجاحًا كبيرًا في بناء قاعدة اقتصادية من خلال تعزيز قدراتها الإنتاجية في قطاعات أخرى، فتضاعف الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي أكثر من أربع مرات، وارتفعت نسبة إسهامات القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، كما ارتفع إسهام القطاع الصناعي، وأصبحت صادرات المملكة من المنتجات الصناعية خاصةً البتروكيماويات تُسوَّق في أكثر من 139 دولة، علاوة على تحقيق المزيد من الاكتفاء الذاتي في العديد من السلع الصناعية التي كانت تُستورد من الخارج، وبالنسبة للتجارة فقد تحولت من تجارةٍ موسميةٍ محدودةٍ إلى تجارةٍ تقوم على منهجٍ وأسسٍ اقتصاديةٍ ثابتةٍ.

ولعل الأداء الاقتصادي القوي الذي حققته المملكة في العام الماضي 2008 - رغم المناخ العالمي المعاكس- أكبرُ دليلٍ على نجاحها في بناء اقتصادٍ قويٍّ ذي أسسٍ ثابتةٍ، مما يعكس تميز سياساتها الاقتصادية وإصلاحاتها الهيكلية التي عززت قدرة الاقتصاد على الصمود في مواجهة الأزمات.
#3#
## نقلة نوعية
كان من مظاهر تميز وذكاء رأس المال السعودي أيضًا المبادرة بالدخول في مجالات لم تكن معروفة في المنطقة، فكانت المملكة من أوائل الدول العربية التي استثمرت في مجالات الإعلام، والرياضة، والإنترنت، والاتصالات، وقد ساعدت السياسات السعودية القطاع الخاص على القيام بدور كبيرٍ في عملية التنمية، وتوجهت الاستثمارات الحكومية والخاصة إلى مجالات حيوية مثل الزراعة واستصلاح الأراضي والسياحة، ولم تقتصر هذه الاستثمارات على الداخل فقط؛ وإنما على الخارج أيضًا، من خلال تأسيس شركات مشتركة تتولى تمويل تلك المشروعات وتنفيذها، وقد أدى المنهج الاقتصادي الذي سارت عليه الحكومة السعودية إلى إيجاد شركات قوية تساوى الكثير منها مع الشركات العالمية من حيث مستوى التنافسية.

وقد جسد تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله مقاليد الحكم في البلاد نقلةً نوعيةً، حلَّقت بالمملكة إلى آفاق أرحب بعد الإصلاحات الاقتصادية الهائلة التي أجراها، فضلاً عن انضمام المملكة إلى «منظمة التجارة العالمية»، ففي عام 2005 م كانت المملكة تحتل المركز (67) في مجال التنافس العالمي على جذب الاستثمارات الأجنبية، وأصبحت اليوم تحتل المركز الثالث عشر من بين 183 دولة، وقد لخص خادم الحرمين الشريفين فلسفته في النهضة الاقتصادية؛ بقوله: «إننا لا نستطيع أن نبقى جامدين والعالم من حولنا يتغير، ومن هنا سوف نستمر بإذن الله في عملية التطوير وتعميق الحوار الوطني، وتحرير الاقتصاد، ومحاربة الفساد، والقضاء على الروتين، ورفع كفاءة العمل الحكومي».

وقد عبرت صحيفة «إنترناشونال هيرالد تربيون» عن هذه النقلة النوعية بقولها: «تتوجه المملكة العربية السعودية نحو مستقبلٍ مشرقٍ تحت قيادة الملك عبد الله المحبوب شعبيًّا، بذهنيته الإصلاحية التي أدت إلى المزيد من النجاحات، مثل ارتفاع مداخيل المملكة لأرقامٍ غير مسبوقة، وازدهار ?? القطاع الخاص، ودخول منظمة التجارة العالمية»، ووصفت الصحيفة المملكة بأنها القائد الطبيعي للعالم الإسلامي، باعتبارها مهدًا للإسلام وللحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ولما لها من ثقلٍ دوليٍّ.
#4#
## طابع إنساني
اكتسبت الثروة السعودية طابعًا إنسانيًّا، فتوجهت إلى مساعدة الفقراء والمحتاجين وركزت بشكلٍ كبيرٍ على فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، فأقامت العديد من مراكز التأهيل، وزودتها بأحدث الأساليب التي من شأنها مساعدة هذه الفئة على التواصل مع المجتمع، كما أنشئت العديد من الجمعيات والصناديق الخيرية التي تقدم خدماتها إلى الأيتام والأرامل والمسنين وإلى كل محتاج، ومن خلال صناديق الاقتراض التي أنشأتها حكومة المملكة لتوفير السيولة النقدية للمواطنين؛ تم تمويل العديد من المشروعات الصناعية، والزراعية، ومنح قروض الاستثمارات العامة وقروض بنك التسليف السعودي للمواطنين، وقد بلغت قروض هذه الصناديق أرقامًا هائلة، ساهمت في دفع تنمية موارد المواطنين الخاصة.

وكان الالتصاق بالمواطنين والسهر على راحتهم وعلاج مشكلاتهم نهجًا سارت عليه القيادة السعودية منذ عهد الملك المؤسس- رحمه الله، وقد أدى ذلك إلى التفاف الشعب السعودي حول قيادته التي اعتبرت خدمة المواطن أساس الحكم وجوهر شرعيته، بينما عبر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله عن ذلك بقوله: «ليعلم كل مواطن كريمٍ على أرض هذا الوطن الغالي بأنني حملت أمانتي التاريخية تجاهكم، واضعًا نصب عينيَّ همومكم وتطلعاتكم وآمالكم، فعزمت- متوكلاً على الله- في كل أمرٍ فيه مصلحة ديني ثم وطني وأهلي. مجتهدًا في كل ما من شأنه خدمتكم..».

ووسط كل ذلك لم تنس القيادة السعودية واجبها الإسلامي، فأولت بناء المساجد عنايةً كبيرةً، وأطلقت مشروعات عملاقة لتوسيع الحرمين الشريفين ليواكب الأعداد المتزايدة من الحجاج، وقامت بتذليل العقبات التي تعترضهم، وقد بدأ هذا الاهتمام منذ عهد الملك عبد العزيز- رحمه الله- الذي بدأ بترميم وإصلاح جدران وأعمدة وصحن المسجد الحرام، ثم سار على نهجه جميع أبنائه، وبالإضافة إلى ذلك أولت القيادة طباعة المصحف الشريف عنايةً كبيرةً، وأطلقت مسابقات حفظ القرآن، واهتمت برجال الدين، وأنزلتهم منزلتهم اللائقة.
#5#
## سفير فوق العادة
وعلى المستوى الخارجي مثَّلت الثروة السعودية خيرَ سفيرٍ للمملكة في الخارج، فعكست بذلك القيم والمثل التي اكتست بها السياسة الخارجية للمملكة، والتي كانت- وما زالت - في مقدمة دول العالم من حيث حجم إنفاقها على المساعدات الخارجية، فقد بلغت المساعدات التي قدمتها المملكة للدول النامية ما نسبته 5.45 في المائة من المتوسط السنوي لإجمالي الناتج الوطني، وهي نسبة تفوق بكثير نسبة ما تقدمه أكبر الدول الصناعية من مساعدات خارجية، كما تفوق النسبة التي حددتها الأمم المتحدة للدول المانحة، وهي أقل من 1 في المائة.

وطوال مسيرتها أخذت المملكة على عاتقها إغاثة المتضررين من الكوارث الطبيعية، والحروب الأهلية، خاصة تلك التي أصابت بعض الدول العربية والإسلامية، وقامت المملكة بتوفير هذا الدعم عبر هيئات متخصصة، أنشئت لهذا الغرض، أهمها: «هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية»، و»الندوة العالمية للشباب الإسلامي»، و»مؤسسة الحرمين الشريفين»، و»الهيئة السعودية لجمع التبرعات». وقد شملت المساعدات التي قدمتها المملكة أكثر من خمسين دولة حول العالم، بالإضافة إلى تبرعاتها للهيئات الدولية والإقليمية العاملة في مجالات الإغاثة والتنمية الإنسانية، وفي مقدمتها «برنامج الأغذية العالمي»، الذي أكد مديره التنفيذي السابق جيمس موريس أن المملكة من الدول المانحة المهمة التي عززت عمليات البرنامج في مختلف أرجاء العالم.

وقد حظيت فلسطين بنصيب الأسد من المساعدات التي قدمتها المملكة طوال مسيرتها، فخلال القمة الاقتصادية العربية الأخيرة التي عقدت في الكويت مطلع العام الحالي؛ أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله التبرع بمليار دولار لإعادة إعمار غزة التي دمرتها آلة الحرب الإسرائيلية، وهذا المبلغ يعادل نصف تكاليف عملية إعادة الأعمار، كما قدمت المملكة مساعدات ضخمة إلى لبنان، ومنها الهبة التي قدمتها المملكة، وبلغت قيمتها 550 مليون دولار، من أجل مساعدة لبنان على معالجة آثار العدوان الإسرائيلي الذي تعرضت له عام 2006، واستكمال عددٍ من مشاريعها الإنمائية، وكان دافعُ المملكة من وراء هذا الدعم ذا طابعين، الأول إنساني يعكس رغبتها في مساعدة المتضررين، وإزالة ما لحق بهم من أذًى، ومساعدتهم على استكمال حياتهم بشكل طبيعي، أما الطابع الثاني فهو قومي يعكس إحساس المملكة بواجباتها تجاه الأشقاء، ومسؤوليتها كدولة عربية وإسلامية كبرى.

وإلى جانب المساعدات الإنسانية توجهت الثروة السعودية إلى العديد من الدول العربية والإسلامية في شكل استثمارات ومشروعات عملاقة، ساهمت في دفع عجلة التنمية في هذه الدول، وتوظيف الآلاف من شبابها، فعلى سبيل المثال احتلت الاستثمارات السعودية المرتبة الأولى في قائمة الاستثمارات العربية في السودان بـ 314 مشروعًا، بلغت قيمتها حتى العام الماضي 4.3 مليار دولار، منها 212 مشروعًا خدميًّا، و107 مشاريع في القطاع الصناعي، و22 مشروعًا زراعياً؛ حسب وزارة الاستثمار السودانية.

وفي مصر قفزت الاستثمارات السعودية لتتصدر الاستثمارات العربية، ووصلت حتى العام الماضي إلى 2.16 مليار دولار، توزعت على مختلف الأنشطة الاقتصادية، كانت في مقدمتها الأنشطة الصناعية، وفي اليمن فاق حجم الاستثمارات السعودية المليار دولار، توزعت على 32 مشروعًا حتى العام الماضي، وتجاوز إجمالي الاستثمارات السعودية في لبنان الـ 20 مليار دولار، شملت مجالات عديدة، ولاسيما قطاعي السياحة والعقارات، وامتدت الاستثمارات السعودية إلى مختلف دول العالم، وفي مختلف الأنشطة الاقتصادية.
#6#
## دبلوماسية أخلاقية
تزامنت القوة الاقتصادية التي حققتها المملكة مع سياسة نشطة تحركت بفاعلية على مختلف المستويات، وفي كل الاتجاهات، وكان أداء المملكة في المحافل الدولية مستندًا إلى أرقى القواعد الأخلاقية، التي تحترم الآخر، وتشجع على الحوار، وقد ساعدت هذه السياسة على بناء علاقات صداقة وطيدة مع معظم دول العالم، مما أدى إلى بناء شراكات اقتصادية عززت من مكانة البلاد في الاقتصاد الدولي، فأصبحت قبلة للمؤتمرات الاقتصادية الدولية.

ويمكن القول إن صعود المملكة جاء نتيجةً لنجاحها في تحقيق التكامل بين السياسة والاقتصاد من ناحية؛ والمحافظة على استمرارية عملهما بنشاط وفاعلية من ناحية أخرى، وهي المعادلة الصعبة التي أجادت القيادة تطبيقها بذكاءٍ وفاعلية.

الأكثر قراءة