8 تريليون دولار حجم صناديق الثروة السيادية عام 2015
ارتفعت قيمة صناديق الثروة السيادية بعد الأزمة الاقتصادية العالمية المتعلقة بأزمة الائتمان على الرغم من أنها موجودة على مدى عقود من الزمان، فهي بالتعريف صناديق تمتلكها الدول وتتكون من أصول إذ يمكن لهذه الصناديق إدارة فوائض الدولة للاستثمار لتحقيق أهداف بعيدة المدى. وبالرغم من وجودها على مر العقود، إلا أنها زادت بعد عام 2000 بشكل دراماتيكي، وأول صندوق من هذا النوع رأى النور هو سلطة الاستثمار الكويتية التي أسست عام 1953. وكما يظهر التقرير الذي نشرته الخدمات المالية الدولية في لندن (IFSL) فإن قيمتها هي في تصاعد في السوق المالي الكوني في السنوات القادمة بسبب تدفق النقد من الفائض التجاري واستمرار تصدير المنتوجات وارتفاع أسعار النفط .
الراهن، إن حجم الموجودات المقدر المتاح للإدارة من قبل صناديق الثروة السيادية في العالم قد ارتفع بنسبة 18 في المئة ووصل إلى ما يقارب من 3.9 تريليون دولار أمريكي، فالخسائر التي تحملتها هذه الصناديق جراء استثماراتها قد عوضت وأكثر بواسطة استمرار تدفق النقد، وعلاوة على ذلك هناك ما يقارب من 5.5 تريليون دولار أمريكي موجودة الآن في آليات استثمارية سيادية أخرى مثل أموال احتياط التقاعد وصناديق للتنمية.
غير أن نسبة الـنمو البالغة 18 في المئة في صناديق الثروة السيادية في السنوات الثلاث الأخيرة ستتعرض للتناقص في السنوات القليلة القادمة. والسبب في ذلك يعود للتباطؤ المنتظر والتراجع الذي طرأ مؤخرا على أسعار المنتوجات والنفط على وجه الخصوص، كما ساهمت أيضا الأزمة الاقتصادية العالمية في تراجع نسبة احتياط التبادلات الأجنبية المتراكمة في الدول الآسيوية. ومع هذا الوضع إلا أن الـ IFSL تتوقع أن تضاعف صناديق الثروة السيادية ثروتها لتبلغ 8 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2015. ومع ذلك فإن التوقعات بشأن حجم هذا السوق هي مختلفة نظراً للتعريفات المختلفة لماهية صناديق الثروة السيادية وكذلك الكشف المحدود وغياب الشفافية للكثير من هذه الصناديق. غير أن هناك 24 مبدأ نشرت في أكتوبر من العام 2008 أفسحت لمزيد من الشفافية في هذا السوق.
يشار إلى أن لندن هي مركز في غاية الأهمية في سوق صناديق الثروة السيادية إذ تدار الكثير من هذه الصناديق من هناك من لندن، فصناعة الخدمات المالية في المملكة المتحدة ترحب بالاستثمارات لهذه الصناديق على أساس أن في المملكة المتحدة إطار تنافسي وأمني وطني ومنتظم والذي بدوره يضمن أن جميع الاستثمارات الأجنبية سواء من صناديق الثروة السيادية أم غيرها تستجيب لمعايير مناسبة. فالمملكة المتحدة هي ملتزمة بأن تبقى سوقاً تنافسية ومفتوحة للاستثمار الدولي.
لكن ما هي المصادر المالية لصناديق الثروة السيادية؟ تعتبر هذه الصناديق إحدى القنوات الرئيسية التي توظف فيها الدول موجوداتها المالية، ويأتي تمويل صناديق الثروة السيادية من مصادر متنوعة والتي يمكن تجميعها. فيأتي التمويل في العادة كنتيجة للفائض في الحساب الجاري الذي يأتي من صادرات النفط وسلع ومنتوجات أخرى أو المواد المصنعة، ومن الفائض في الميزان التجاري، ومن الفوائض المالية والتوفر العام وعوائد الخصخصة واحتياطات التقاعد.
ويمكن تقسيم صناديق الثروة السيادية إلى عدد من الفئات الرئيسية: أموال البضائع والمنتوجات والتي تأتي بشكل رئيسي من عوائد النفط وعوائد لا تأتي من السلع وإنما من أموال المتقاعدين أو من احتياطي العملات الأجنبية. ويقدر التقرير أن حوالي ثلثي موجودات صناديق الثروة السيادية لعام 2008 ناتج عن أموال المنتوجات والسلع (Commodity SWFs) مع أن الأموال غير الآتية من المنتوجات (Non-Commodity SWFs) قد نمت بشكل متسارع في العقد الماضي.
وهناك ما يقارب من 45 في المئة من تمويل هذه الصناديق قد أتى من الدول الغنية بالنفط في الشرق الأوسط مع نهاية عام 2008، وجاء بعد ذلك آسيا إذ ساهمت بثلث ولكنها أموال ناتجة عن تراكم احتياط العملات الأجنبية. أما بقية التمويل فتساهم فيه أوروبا مع سيطرة واضحة للنرويج .
وأكبر تمويل يأتي من مجلس استثمار أبوظبي إذ يساهم بمبلغ يصل إلى 875 مليار دولار، ثم ساما (SAMA) (433 مليار دولار)، ثم شركة استثمار حكومة سنغافورة وبلغ 330 مليار دولار، وتعد سنغافورة الأنشط في مجال الحصول على شركات وحصص أقلية في السنوات الأخيرة تليها دولة الإمارات العربية المتحدة. لكن هناك أيضا نوع آخر من صناديق الاستثمار وهي تختلف نوعاً ما عن صناديق الثروة السيادية لكنها تتشارك معها في الكثير من الميزات، وهي في المحصلة وسائط استثمار سيادية مثل أموال احتياط التقاعد العام، أموال الاستثمار الحكومية، أموال التنمية الحكومية، وأيضا بعض المؤسسات أو الشركات أو الهيئات التابعة للحكومة. ويقدر التقرير أن الموجودات التي تمتلكها هذه الوسائط ما عدا صناديق الثروة السيادية تناقصت بمعدل 10 في المئة في عام 2008 لتصل إلى 5.5 تريليون دولار. والتراجع هو ناتج عن التراجع في قيمة موجودات التقاعد بسبب تراجع قيمة الاستثمارات كأسهم رأس مال وتراجع أسعار السلع والمنتوجات.
وعودة إلى صناديق الثروة السيادية التي تعتمد في مصادرها على المنتوجات أو المصادر الطبيعية، فالكثير من مصدري النفط أسسوا صناديق من هذا القبيل وذلك لاستثمار الفائض من عائدات النفط في الأسواق المالية العالمية، وهنا يتم الحديث عن الدول النفطية في الشرق الأوسط، والنرويج وروسيا ونيجيريا وفنزويلا وإندونيسيا. ويشير التقرير في تقديراته إلى أن هناك أكثر من 60 في المئة من مبلغ الـ 5 تريليون دولار في يد الحكومات مع نهاية عام 2008 كما يبين التقرير أن حوالي أربعة أخماس من الأموال التي تسيطر عليها الحكومات هي في صناديق الثروة السيادية.
تركز صناديق الثروة السيادية التي تعتمد في موجوداتها على الإنتاج والنفط على الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الداخلي ضد مخاطر تذبذب أسعار المنتوجات والنفط وكذلك لتقديم قناة دخل للأجيال القادمة في حال حدوث تراجع في عوائد التصدير من النفط والمنتوجات الأخرى لمدى بعيد.
وقد تصاعفت الموجودات الآتية من تصدير المنتوجات والنفط خلال العقد الأخير لتصل إلى أكثر من 2.5 تريليون مع نهاية عام 2008، فقد تناقصت حصة عوائد السلع والإنتاج من مجمل موجودات صناديق الثروة السيادية في العقد الأخير من 87 في المئة إلى 65 في المئة وذلك بسبب النمو السريع لصناديق الثروة السيادية من البلدان الآسيوية والناتج بالدرجة الأولى من احتياطي النقد الأجنبي، ولكن يتوقع التقرير أن عائدات صناديق الثروة السيادية سيزداد من الإنتاج لأكثر من 3.5 تريليون دولار بحلول عام 2015، وهذا يعتمد وبشكل كبير على مستقبل أسعار النفط والسلع الأخرى، إن أكبر مصدر للتمويل في السنوات القادمة هو من دول فيها احتياطات كبيرة من النفظ مثل المملكة العربية السعودية وكندا وإيران.
أما صناديق الثروة السيادية التي لا تعتمد على عوائد النفط والسلع فهي تمول من نقل أصول مباشرة من احتياطي النقد الأجنبي وأحياناً من فائض موازنة الحكومة وعوائد الخصخصة. فبعد أن زاد احتياطي النقد الأجنبي في بعض البلدان بشكل كبير توصلت الحكومات إلى سياسة نقدية تقول إن احتياطها من العملات الأجنبية هو عال وأكثر من الاحتياجات المباشرة. وبلغ احتياط النقد الأجنبي الرسمي إلى 7.4 تريليون دولار مع نهاية عام 2008 وذهب خمس هذا الرقم إلى صناديق الثروة السيادية، وهذا الحجم من النقد يحتل حصة متزايدة من صناديق النقد السيادية العالمية ومساهمتها التي بلغت 35 في المئة مع نهاية عام 2007 يمكن لها أن تواصل زيادتها إلى النصف بحلول عام 2015.
كما تجدر الإشارة إلى أن حصة الدول الآسيوية في احتياط النقد الأجنبي قد زادت بشكل كبير في السنوات الماضية، فحصة البنوك المركزية الآسيوية كانت تقريباً ثلث احتياط العملة الأجنبية، ولكنها مع نهاية عام 2007 بلغت حصتها أكثر من 60 في المئة، وبالفعل تضاعف احتياط النقد الأجنبي في الدول الآسيوية من عام 2003 إلى عام 2008. كما أن هناك عددا من الدول التي تميزت بفائض في ميزان المدفوعات، وهنا نشير إلى أن الصين وفي عام 2008 زادت من احتياط النقد الأجنبي لتصل إلى أكثر من 2 تريليون وهو ثلث الاحتياط العالمي، ويليها اليابان 14 في المئة وروسيا 5 في المئة .
إدارة واستثمار صناديق الثروة السيادية
في العادة تكون هذه الصناديق كيانات مستقلة في عملياتها، إذ يكون فيها إدارة مهنية عالية المستوى، وهي في الغالب تميل إلى التسامح مع المخاطر العالية واستثمارات طويلة المدى أكثر من مؤسسات الاستثمار التقليدية. ويفيد تقرير (IFSL) أن أكبر صناديق الثروة السيادية تعمل بشكل مشابه لفكرة صناديق التحوط Hedge Funds أو حتى صناديق الاستثمار في الملكية الخاصة Private Equity Firms ولكن بدرجات مختلفة من الشفافية فيما يتعلق بالموجودات والاستراتيجيات.
تدار بعض الصناديق من قبل الحكومة أو من قبل موظفين سابقين في الحكومة أو من قبل أعضاء من العائلات الحاكمة، غير أن دور مديري الاستثمار الخارجي في عملية إدارة صناديق الثروة السيادية قد زاد في السنوات الأخيرة. كما تفيد مجلة الاستثمارات والتقاعد في تقرير لها بأن حوالي 45 في المئة من الأصول تدار من قبل مديرين خارجيين، على أن مثل هذا النمط قد يتراجع في السنوات القادمة نظرا لأن الكثير من صناديق الثروة السيادية تزيد من طاقمها الاستثماري وتطور ممثلين محليين.
ويفيد التقرير أن نمو استراتيجيات الاستثمار لصناديق الثروة السيادية في السنوات الأخيرة من شأنه أن حوّل الحكومة لمجموعة استثمار دولية، غير أن هذه الصناديق تختلف فيما بينها وبشكل كبير في طريقة تخصيص الأصول واستراتيجيات التعامل مع المخاطر مما يعكس أهدافها والقيود المختلفة. والدارج أن هذه الصناديق تتبنى مقاربات بعيدة المدى في الاستثمار، والحقيقة أن الكشف عن استراتيجية إدارة الاستثمار تختلف من صندوق لآخر ولكنها وبشكل عام محدودة.
في السنوات الأخيرة، كان هناك تغير تدريجي من استراتيجية الاستثمار السلبي إلى النشط، وقد تطلب ذلك أن يأخد الصندوق السيطرة المباشرة على الشركات من خلال الدمج والامتلاك أو الحصول على أصول وأسهم أقلية، ومثل هذا النوع من الاستثمار وصل إلى مجموع بلغ 187 مليار دولار في الفترة من عام 1995 إلى عام 2008. وهذا إلى حد كبير ناتج عن ضخ رأس المال الذي طلبته بعض البنوك بسبب أزمة الائتمان والتي بدأت من عام 2007. وبالفعل عانت بعض الصناديق من خسارات في بعض هذا الاستثمارات.
ومؤخرا، العديد من صناديق الثروة السيادية في بعض الدول المنتجة للنفط غيرت من تركيزها واهتمامها من أسواق المال الغربية إلى الأسواق المحلية، وقام عدد من الدول الشرق أوسطية باستثمارات في البنوك المحلية وقامت صناديق الثروة السيادية باستثمارات في أسواق البورصة المحلية من أجل ضخ مزيد من السيولة للمساعدة في انعاش اقتصادياتهم المحلية.
الصناديق التي تعتمد في أصولها على النفط أو السلع لها مقاربة بعيدة المدى في قرارات الاستثمار وتفضل الأصول وحقوق الملكية والاستثمارات البديلة، وهناك أربعة أخماس من صناديق الدول المصدرة للنفط تقوم باستثمارات خارجية. وتحتل الاستثمارات بالأسهم (الاستثمار الرأسمالي) ما يقارب نصف حجم الاستثمار في الخارج. كما أن السندات الحكومية تزيد من حصتها في وقت أصبحت فيه صناديق الثروة السيادية أكثر تحفظاً في تجنب المخاطر بعد الخسائر في بعض من استثماراتها الرأسمالية أو في الأسهم في الخارج في السنة الأخيرة. كما أن هذه الصناديق تستثمر في سوق العقارات لأن مردوديتها بعيدة المدى تتناسب مع أهداف الاستثمار بعيدة المدى، والولايات المتحدة هي محطة أكثر من نصف هذه الاستثمارات وتليها أوروبا كثاني أكبر محطة بحصيلة 20 في المئة تقريباً من الاستثمارات.
أما صناديق الثروة السيادية التي لا تعتمد على النفط أو السلع، فإن البنوك المركزية في هذه الدول هي المصدر الرئيس للسيولة، وهي تميل إلى الاستثمار في الأصول في الولايات المتحدة وتحديداً في المستندات. وتشير الأرقام حول تركيبة العملة من احتياط النقد الأجنبي بأن الدولار الأمريكي يحتل ثلثي هذا الاحتياط، ولكن هذه النسبة تراجعت بعض الشيء في السنوات الأخيرة بعد أن قامت بعض البنوك المركزية بنقل جزء من أصولها إلى عملات أخرى مثل عملة اليورو.
في الختام يفيد التقرير أن صناديق الثروة السيادية يجلب منافع شتى للأسواق المالية العالمية لأنه يزيد من السيولة ويزيد تخصيص الموارد المالية. غير أن بعض الحكومات كانت قد عبرت عن تحفظات كثيرة على عمل صناديق الثروة السيادية بسبب محدودية الشفافية في عمل بعض من هذه الصناديق. كما عبر البعض عن تحفظات أو لنقل قلقاً عن تعدد أهداف هذه الصناديق مما جعل من الصعوبة بمكان تقييم نشاطات الصناديق وأثرها على الأسواق الرأسمالية العالمية. وأكثر من ذلك هناك أيضا قلق من قبل بعض الحكومات التي ترى أن الصناديق يمكن أن تقوم بالاستثمار لضمان السيطرة على بعض الأعمال ذات الأهمية الاستراتيجية أو أن تقوم بالاستثمار لتسيطر على قطاع لأهداف سياسية وليست تجارية أو ربحية، ما يعني أن الدولة التي تمتلك الصندوق يمكن لها تعزيز أهدافها السياسية ومصالح بلدها الوطنية.
ما ذكر في الفقرة السابقة هو بعض من مصادر القلق لعمل صناديق الثروة الوطنية وهو أمر يقلق حتى حكومات الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة التي يوجد فيها أكثر من 20 صندوقاً سيادياً حسبما ورد في جريدة "الشرق الأوسط" في عددها الصادر في الثاني عشر من شهر إبريل للعام الحالي. فمن الاقتراحات التي تقدمت بها الولايات المتحدة هو منع الصناديق السيادية من التصويت في استثماراتها، كما أن هناك من يرى أنه يجب أن يكون هناك تركيزا على الاستثناء الذي تنعم به الصناديق السيادية في الضرائب في أمريكا، ويوجد هناك من يقترح تقوية مراجعات الأمن الوطني لهذه الاستثمارات.
مصادر القلق التي وردت في التقرير وجدت من يسمع لها، فمنظمة العمل الدولية لمجموعة صناديق الثروة السيادية والتي تأسست في شهر آيار عام 2008 (مع صندوق النقد الدولي مزودا المساعدة في السكرتارية) وضعت المنظمة بشكل علني أربعة وعشرين مبدأ تطوعياً وهي ما سميت "المبادئ والممارسات المقبولة بشكل عام لصناديق الثروة السيادية". وقامت أيضا بتأسيس لجنة تشكيل للبحث في إيجاد هيئة دولية دائمة لصناديق الثروة السيادية. وفي الوقت ذاته نشرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية دليلاً لسياسة الدول التي تتلقى استثمارت هذه الصناديق إزاء الصناديق السيادية. فالدول المتلقية للاستثمارات عليها أن تجتهد في تجنب الحماية وعليها أن تتبنى أطر استثمار شفافة ونزيهة .