كيف توفر البنوك موظفين مبتكرين.. بدل «أسلمة» المنتجات التقليدية فقط؟
تزايد الطلب على المعاملات المالية الإسلامية في الأعوام الأخيرة، واشتد الطلب بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية، حيث كانت هذه المعاملات محل اهتمام الدول الحاضنة للرأسمالية، في المقابل ظهرت تساؤلات حول توافر الكوادر البشرية القادرة على التعامل مع الطلب المتنامي على المصرفية الإسلامية من جهة، وظهرت تساؤلات تتعلق بمؤهلات تلك الكوادر وتأسيسها وما إذا كان الموظفون المباشرون للمنتجات الإسلامية يستندون إلى خلفيات مالية وفقهية كافية لتسويق منتجات مصارفهم أم أن الأمر يقتصر على دورات محدودة ترتبط في العادة بالهيئات الشرعية في البنوك من جهة ثانية. سؤال يتمحور تحديدا حول ما إذا كان موظفو البنوك يبتكرون فعلا منتجات إسلامية أم أن دورهم يقتصر على "أسلمة" المنتجات التقليدية السائدة في البنوك التجارية.
يأتي طرح هذه التساؤلات في الوقت الذي يتوقع أن ترتفع فيه أصول المصرفية الإسلامية في دول مجلس التعاون الخليجي إلى نحو 1.5 تريليون دولار بحلول عام 2010 مقارنة بمبلغ يقدر بنحو 800 مليار دولار حاليا .
أفاد تقرير أصدره "جلوبل هاوس" – مقره البحرين – أن الأزمة المالية العالمية ربما تسهم في نمو هذه الصناعة، استنادا إلى أن المصرفية الإسلامية أثبتت قدرتها على مواجهة أي طارئ، فهي تعتمد على الوقائع والأرقام الحقيقية في أعمالها، فضلا عن أنها تحتمي بتعليمات الشريعة الإسلامية. ويضيف التقرير "نعتقد أن الصناعة تنمو نموا يمثل ظاهرة، مدعومة بتمويلها للأنشطة الاقتصادية المنتجة، ومساهمتها الفاعلة في تنمية المجتمعات". ونما القطاع المالي الإسلامي في الفترة من 2003 إلى 2008 بنسب تراوحت بين 15 و20 في المئة، لكن تبقى الإشكالية الكبرى في هذه الصناعة مرتبطة بالفقهاء المتخصصين في المعاملات المالية ثم الكوادر البشرية المؤهلة لتسويق هذه المنتجات.
وتؤكد دراسات حديثة وجود نقص كبير في الخبرات والكفاءات المؤهلة ضمن قطاع المصارف الإسلامية، الذي سيحتاج إلى نحو 30 ألف وظيفة جديدة في دول مجلس التعاون الخليجي خلال السبعة أعوام المقبلة، جلها يقع في السعودية.
وتشير بيانات صادرة من عدة جهات إلى أن النصف الأول من العام الجاري شهد بالفعل ارتفاعا في الطلب على وظائف المنتجات المالية المتوافقة مع الشريعة، وهو ارتفاع قابله انخفاض في الطلب على الوظائف المصرفية التقليدية.
"المصرفية الإسلامية" طرحت هذه التساؤلات على عدد من المختصين والمهتمين بالمعاملات الإسلامية في القطاع المالي السعودي، والتقرير لا يعدو عن كونه فتح باب للنقاش، فربما يكون حلقة أولى ضمن سلسة حلقات تفتحها مجلة "المصرفية" حول توافر الكوادر البشرية المؤهلة للمعاملات الإسلامية في القطاع البنكي المحلي.
هل هناك طلب فعلي على المختصين في المعاملات الإسلامية من قبل البنوك السعودية.. في هذا الجانب يجيب فهد القاسم الرئيس التنفيذي والشريك في شركة أموال المالية، بالقول إن هناك طلبا فعليا كبيرا من البنوك على المتخصصين في المصرفية بشكل عام، ولا شك في أن تخصص أي من هؤلاء في المصرفية الإسلامية يزيد من قيمتهم الوظيفية والمهنية. ويستدرك القاسم بالقول "إنه لا يخفى على ذوي العلاقة أن ما يقارب 50 في المئة فقط من البنوك هي التي تبحث عن المختصين في المصرفية الإسلامية، أما باقي البنوك فلا تمثل المصرفية الإسلامية شيئا يذكر لديهم وخاصة في مجالات التشغيل، كما أن كثيرا من أعمال البنوك قد لا تحتاج إلى متخصصين في المصرفية الإسلامية، وخاصة خدمات الحسابات الجارية وخدمات الفروع والإدارات الأخرى غير المصرفية".
ارتفاع الطلب على الوظائف %48
الدكتور عبد الرحمن الراشد العبد اللطيف مساعد ممثل المملكة لدى صندوق النقد سابقا والمختص في الاقتصاد الخليجي، يشير إلى أن انخفاض أسواق الأسهم الخليجية في النصف الأول من العام الجاري قلص الطلب على وظائف الاستثمار وإدارة المحافظ بنحو 48 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي وفق إحصاءات من جهات شبه رسمية، قابله ارتفاع في الطلب على والوظائف المتعلقة بالمنتجات الإسلامية بنفس النسبة تقريبا. ويضيف العبد اللطيف أن البنوك المحلية استشعرت الحاجة إلى مختصين في المصرفية الإسلامية وفتحت مجال التدريب في تلك القطاعات، وهناك جهات أخرى تقدم دورات مكثفة في برامج ترتبط بأنشطة المصرفية الإسلامية مثل المعهد المصرفي التابع لمؤسسة النقد العربي السعودي الذي يقدم دورات في التمويل الإسلامي والرقابة والمراجعة الشرعية، وهناك أيضا معهد الإمارات للدراسات المصرفية الذي بدأ منذ عام 2003 حيث أنشأ برامج لمواجهة الطلب على الكوادر في المصرفية الإسلامية إذ يمنح دبلوما متخصصا خلال 16 أسبوعا. وهناك أيضا مركز الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبد العزيز في جدة الذي يتيح للبنوك إلحاق بعض موظفيها بالمركز للحصول على دورات متخصصة، وكل هذه المراكز وغيرها – والحديث للعبد اللطيف – تستهدف تغطية الطلب المتزايد على المتخصصين في تشغيل المنتجات المالية الإسلامية.
الاعتماد على خبرات من خارج البنك
مايكل شاهين الرئيس العالمي لنشر الخدمات المصرفية الإسلامية لدى "كريديت سويس" تحدث من مقره في دبي، قائلا: من وجهة نظر تقنية، فإن أي مؤسسة مالية دولية تكون مهيأة ومجهزة للاستفادة من هندستها المالية التقليدية الموجودة ومن فريق تمويل الشركات لهيكلة حلول متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية. ثم يتم المصادقة على هذه الحلول والمنتجات من قبل شركة قانونية متخصصة خارجية وهيئة استشارات شرعية للحصول على فتوى نهائية (امتثال ديني) قبل إطلاق المنتج وتوزيعه. وهكذا تستطيع أن تلاحظ أن البنك يستخدم موارده الحالية بمساعدة خبرات خارجية، ويكمن السبب في عدم بناء فريق بالاعتماد على الموارد الداخلية في حجم التكاليف وأثرها الاقتصادي.
أحمد نصار مدير مركز الرصد والتواصل المالي الإسلامي ( المجلس العام للبنوك والمؤسسات الإسلامية) يرى أن هناك طلبا على الكوادر المتخصصة في المصرفية الإسلامية، لكن هذا الطلب له خصائص عدة أولاً أنه مشروط بإلمام في النواحي الشرعية مع إلمام في النواحي الفنية وهذا متطلب يحتاج إلى جدية في التحصيل العلمي واختيار وانتقاء الدورات المهمة والمتخصصة التي تلبي هذا الاحتياج. وقال نصار "إدراكا لأهمية هذا التخصص قام المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية بطرح شهادة يحتاج إليها كل مصرفي إسلامي للانطلاق في هذا المجال وفق معايير مهنية احترافية وهي شهادة المصرفي الإسلامي المعتمدCIB".
ابتكار أم "أسلمة" فقط؟
في الإطار ذاته, يقول سعد السيف (مختص في المعاملات الإسلامية): من خلال تجربتي في العمل المصرفي أستطيع القول إن هنالك طلباً فعلياً متزايداً على الكوادر المتخصصة في المصرفية الإسلامية وذلك لعدة أسباب، من أهمها استمرار نمو الطلب على المنتجات المصرفية الإسلامية بمختلف أنواعها من قبل عملاء البنوك سواء الأفراد منهم أو الشركات. ويصيف السيف أن هذا الطلب المتزايد للمنتجات أدى إلى زيادة الطلب على الكوادر المتخصصة في تطوير وإدارة هذه المنتجات، حيث أصبحت جودة هذه المنتجات، سواءٌ من جهة موافقتها للشريعة مع تقليل مخاطرها الائتمانية ما أمكن أو من جهة ملاءمتها لمتطلبات العملاء، مطلباً أساسياً ذا تأثير على مستوى المنافسة بين البنوك، وأصبحت بالتالي الحاجةُ للابتكار في هذه المنتجات ضرورية للغاية مما يستلزم وجود المتخصصين القادرين على القيام بهذه المسئولية.
الدكتور أحمد الحاج (مختص في المصرفية الإسلامية)، يؤكد وجود طلب على الكوادر المؤهلة في المنتجات المالية الإسلامية، لكنه يقول "هذا الطلب في تقديري عادة ما يخضع لاعتبارات غير تخصصية كون المعرفة الفنية لها الحظ الأعلى من في مقابل المعرفة الشرعية مع العلم أنها من المفروض ألا تقل عنها أهمية وهناك بعض المصارف الإسلامية أصلا لا تهتم بالمعرفة الشرعية كونها مقتصرة على قسم الرقابة الشرعية".
في الجانب، نفسه يعتقد محمد عبد الله القويز (محلل استثماري وشريك في شركة دراية المالية)، أن العالم المالي والاستثماري سريع التطور والتحديث. لكن حتى تاريخه ظلت الجهود في قطاع الخدمات المالية الإسلامية تنصب على "أسلمة" العقود التجارية (إذا صح التعبير، أي تحويل المنتجات الجديدة التي قد لا تتوافق مع تعليمات الشريعة إلى أخرى متوافقة شرعياً)، لذا فإن القطاع كان يتسم بصفة عامة بالتبعية للقطاع المالي العالمي، فيمكن القول بأنه يركز على (التطويع) بدلاً من (الابتكار). وفي هذا الصدد – يقول القويز - فالطلب الفعلي والملح هو للكوادر التي تقوم بـ (الابتكار) بدءاً من حاجات الأفراد والشركات، بدلاً من أن تكون نقطة البداية هي منتج تجاري ينبغي محاكاته أو مجاراته (وإن كان ذلك مطلوباً هو الآخر).
تشغيل منتجات يبلغ حجمها 600 مليار ريال
في واقع الطلب على المؤهلين، يقول أحمد الحديد (مصرفي سعودي): طرأت في الأعوام الأخيرة زيادة سريعة في الطلب على المنتجات المتوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية من جانب القطاع الخاص ( بما فيه الشركات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة الحجم ومن جانب المستثمرين الأفراد)، لتصل قيمة هذه المنتجات إلى نحو 600 مليار ريال.
ويضيف الحديد: هذا القطاع الضخم المتمثل في أنشطة البنوك زيادة في الطلب على علماء الدين البارزين وعلى الموظفين الذين لديهم خبرة في المنتجات الإسلامية. ويجزم الحديد بأن البنوك بدأت في الفترة الأخيرة تبحث عن موظفين لديهم معرفة بالمبدأ الذي تقوم عليه الصيرفة الإسلامية وعن موظفين مؤهلين تأهيلا جيدا في المنتجات التقليدية.
الدكتور حسين علي العطاس المختص في محاسبية المشتقات المالية، لديه وجهة نظر مختلفة حول واقع الطلب على الكوادر البشرية المختصة في المصرفية الإسلامية، حيث يقول "في واقع الأمر وحتى وقتنا الحالي في اعتقادي أنه لا يوجد حتى الآن بالمعني الحقيقي طلب على العناصر أو الكوادر البشرية والفنية المؤهلة والمتخصصة في مجال المصرفية الإسلامية".
ويعود ذلك لعديد إلى الأسباب من منظورنا الشخصي – كما يقول العطاس، والتي من أهمها, غياب العمل المصرفي الإسلامي بشكله ومفهومة الحقيقي، ومحدودية تواجده في النشاط الاقتصادي، وإذا ما وجد فهو موجود تحت مظلة وقيادة البنوك التجارية التقليدية المتعارف عليها في بيئة النشاط الاقتصادي الحالي، وبالتالي عدم انتشاره بالشكل المطلوب. فإذا ما نظرنا إلى المنتجات المصرفية الإسلامية الحالية التي يتم تسويقها، نجد أنها متواجدة في أقسام أو وحدات تعمل ضمن فروع بنكيه تجاريه تقليدية بشكلها الحالي والمتعارف عليه في بيئة النشاط الاقتصادي الحالية، وبالتالي خضوع هذه المعاملات المصرفية الإسلامية لكثير من الأنظمة واللوائح والتشريعات التي تحكم تعاملات البنوك التجارية التقليدية.
والعامل الثاني – والحديث للعطاس – هو محدودية وغياب الوعي والمعرفة الكافية عن الكثير من العملاء لمفاهيم ومصطلحات المعاملات المصرفية الإسلامية وعدم إلمامهم بها، وبالتالي عدم ثقتهم في هذه المعاملات التي تقدم تحت مسمى " المنتجات الإسلامية ". وهذا بالطبع يعود نتيجة وجودها أساسا كما سبق القول تحت مظلة وقيادة البنوك التقليدية في ظل الأنظمة والتشريعات التي تحكم تعاملات هذه البنوك التقليدية.
كذلك فإن عدم تقديم البنك التجاري التقليدي لكافة المنتجات الإسلامية بشقيها الائتمانية وغير الائتمانية التي يجب توافرها في المصرفية الإسلامية واقتصاره على بعض المنتجات التي قد تختلف في شكلها دون الاختلاف في مضمونها عن مضمون المنتجات التقليدية، وقد يعود ذلك إلى عرض البنك لمنتجاته التقليدية لتسويقها هي أيضا وعدم دخولها في منافسة مع المنتجات الإسلامية، من الأسباب التي تحد من قلة ومحدودية فرص طلب البنوك وتوظيفها للكوادر البشرية المؤهلة والمتخصصة في النشاط المصرفي الإسلامي.
كما أن عدم وجود مالية إسلامية يستطيع البنك من خلالها تقديم منتجاته وخدماته المالية للعمليات الائتمانية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية يحد بطبيعة الحال من فرص البنك في توفير الوظائف المتخصصة في مجال المصرفية الإسلامية.
وأخيرا أضف إلى ذلك أن التعاملات المالية والاقتصادية الحالية في النظام المصرفي على المستوى العالمي تتم وفق أنظمة ولوائح وتشريعات دولية للبنوك لا يستطيع أي بنك تجاوزها مما يقلل من فرص العمل المصرفي الإسلامي على التعاملات الدولية، وهذا بالطبع يقلل من فرص الطلب على العمل الوظيفي في البنوك التجارية للكوادر المتخصصة في مجال المصرفية الإسلامية.
ما المنتجات التي تواجه نقصا؟
ما المنتجات التي تواجه نقصا حقيقيا في المؤهلين للتعامل معها، وكيف توفر البنوك هذه الكوادر، هنا يقول فهد القاسم: أعتقد أن أهم التخصصات التي تزيد الحاجة إليها ضمن المصرفية الإسلامية تكمن في المتخصصين "فعلا" في إدارات الرقابة الشرعية، إضافة إلى المبدعين في استحداث أدوات مالية واستثمارية متوافقة مع الشريعة.
أما المنتجات التي تواجه نقصا في المتخصصين، فيعتقد الحاج أن كل المنتجات تواجه نقصا ومن الممكن توفير هذه الكوادر بعقد دورات متخصصة في مجالات المصرفية الإسلامية كلها تتضمن هذه الدورات التأهيل الشرعي والاقتصادي و المالي بالتوازي، لأن المعرفة المصرفية الإسلامية تتميز بالترابط القوي خاصة في الأحكام والضوابط والعلاقة بينهما في المنتجات المالية الإسلامية كلها.
لكن سعد السيف له وجهة نظر أخرى، فهو يقول كلما كانت المنتجات أكثر تعقيداً وذات خصائص متعددة كالصكوك وبدائل المشتقات مثلاً، كانت الندرة في المؤهلين أكثر، حيث إن المنتجات التي تستهدف الشركات والمؤسسات تواجه بشكل عام نقصاً في الكوادر وذلك لاشتمال هذه المنتجات على خصائص ومتطلبات تختلف تبعاً لاختلاف الشركة أو المشروع المراد تمويله وما يتبع ذلك من هيكلة المنتج بما يتناسب مع تلك المتطلبات. أما في ما يتعلق بتوفير البنوك لهذه الكوادر فهو في الواقع محدود وقائم على الاستعانة بخبرات أجنبية في الغالب أو خبرات متخصصة في المصرفية التقليدية.
المشتقات المالية المتوافقة مع الشريعة
محمد القويز يعتقد أن النقص الحقيقي يتركز في مجال المشتقات المالية التي يمكن بموجبها حصر مخاطر محددة مرتبطة باستثمار معين ومن ثم تداولها بين المستثمرين. ومن الأمثلة على هذه المشتقات في العالم التجاري (عقود الخيار، وعقود الآجال، عقود المقايضة) والتي لا تتوافق معظمها حالياً مع المعايير الشرعية. يضيف القويز: كما تظل هناك مجالات نقص في الخدمات المالية الأكثر اعتيادية (كبطاقات الائتمان، والقروض المتجددة، وحساب الجاري مدين، وغيرها).
أحمد الحديد يتطرق إلى هذا الجانب بقوله إن البنوك الإسلامية تعمل على استقطاب الموظفين الذين تتوافر لديهم خبرة طويلة في المنتجات التقليدية وذلك للعمل مع لجانها الشرعية بحثاً عن سبل جعل هذه المنتجات متوافقة مع الأحكام الشرعية. أما الهدف من ذلك فهو منافسة البنوك التقليدية وتقديم عديد من الحلول الإسلامية للمستثمرين.
من ناحية أخرى، زادت الحاجة إلى الموظفين الذين لديهم قدرة على إعداد العقود الإسلامية بطريقة مهنية، من هنا، ينبغي للجامعات والمؤسسات التعليمية المحلية أن تركز على المؤهلات التي تطلبها البنوك المحلية وعلى إمداد سوق العمل باحتياجاتها لدعم البنوك لكي لا تقوم بالتعاقد مع مزيد من الأجانب، كما يقول المصرفي أحمد الحديد.
بشأن المنتجات التي تواجه نقصا في الكوادر، يقول العطاس إن كافة المنتجات بشكل عام والتي تتوافق مع الشريعة الإسلامية ويجب على المصرفية الإسلامية تقديمها وتوفيرها غير متواجدة بشكل حقيقي وملموس في بيئة الواقع العملي سواء كانت تلك المنتجات لعمليات ائتمانية (كالمرابحة، والإجارة، والاستصناع، والسلم، والقرض الحسن، والمشاركة، والمضاربة)، أو لعمليات غير ائتمانية مثل: (الاعتمادات المستندية وخطابات الضمان وكذلك الحسابات الجارية)، وإن كانت العمليات الائتمانية كالمرابحة والإجارة هي أكثر المنتجات السائدة والتي تسيطر على نمط وتعاملات البنوك التي تقدم منتجات وخدمات تتوافق مع الشريعة الإسلامية. وقد يعود ذلك إلى سرعة تحقيقها للأرباح مع انخفاض المخاطر قياسا بالمنتجات والخدمات الأخرى للعمليات الائتمانية. أما بالنسبة إلى المنتجات والخدمات المصرفية الإسلامية الأخرى خاصة العمليات الائتمانية، فإن عدم وجود الانتشار الواسع كما سبق القول وغيرها من العوامل السابقة الأخرى تحد من وجودها مما يقلل من تعاملاتها وعدم توافر ووجود الخبرة المصرفية فيها، وإن كانت وبشكل عام المنتجات والخدمات التي يجب على المصرفية الإسلامية توفيرها لا تجد من يقدمها بالشكل الصحيح والمطلوب، وهذا يعود إلى قلة وندرة الكوادر البشرية المؤهلة التي تجمع بين التأهيل العلمي والخبرة المصرفية والمعرفة بأحكام الشرعية الإسلامية في هذا الشأن في نفس الوقت.
#2#
وحول الكيفية التي تستطيع من خلالها البنوك توفير الكوادر البشرية المتخصصة في العمل المصرفي الإسلامي، يعتقد العطاس أنه يجب أولا على البنوك استيعاب المتغيرات الأساسية للعمل المصرفي في ظل المتغيرات البيئية الحديثة من اعتبارات للمنافسة وتطور بيئة تكنولوجيا المال والأعمال، ومن ثم تطوعيها في خدمة المصرفية الإسلامية في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية. ويتم ذلك بوضع إطار عام يكون دستور ومرجعا أساسيا يحكم هذه المنتجات وتعاملاتها بشكل شرعي، ومن ثم تهيئة موظفي البنك القائمين على تقديم الخدمات البنكية الإسلامية لفهم هذا الإطار وكيفية تطبيقه في بيئة الواقع العملي من خلال التأهيل النظري لكافة المقومات التي تحكم عمل هذه المنتجات الإسلامية والتدريب والخبرة العملية، ويتطلب ذلك إجراء الدورات التدريبية للممارسين بشكل مكثف في مجال فهم وتطبيق الأحكام الشرعية الخاصة بتعاملات هذه المنتجات الإسلامية مع توفير كافة الإمكانيات المادية والفنية التي تساعدهم على تحقيق ذلك.
كيفية تدريب الموظفين
في سؤال حول كفاية تدريب عدد من الموظفين داخل البنوك من قبل الهيئات الشرعية على بعض المنتجات أم أن الأمر يحتاج إلى دراسة دقيقة لتحقيق أهداف البنك، يقول فهد القاسم أعتقد أنه من المهم أن تقوم البنوك أو المعهد المصرفي أو القطاع الخاص بتقديم التدريب الحقيقي العميق لمفهوم المصرفية الإسلامية، إضافة إلى التدريب على المنتجات القائمة. كما أن الأهم في وجهة نظري – الحديث للقاسم - أن يتم التدريب للموظفين على آليات الابتكار للمنتجات، إضافة إلى آليات التسويق الملائمة، وأعتقد أن هذا كله لا ينفي الدور الكبير لهيئات الرقابة الشرعية في تثقيف موظفي البنوك وتطويرهم في مجال المنتجات وغيرها.
من جانبه، يعتقد السيف أنه عندما كانت المنتجات الإسلامية معدودة وفي عدد محدود من البنوك، كان ذلك التدريب كافياً (يشير إلى التدريب بواسطة الهيئات الشرعية داخل البنوك). إلا أن النجاح المنقطع النظير للمصرفية الإسلامية في السنوات القليلة الماضية سواء من حيث تقديمها نموذجا مصرفيا متكاملا أو من حيث تنوع المنتجات وشموليتها لمختلف الاحتياجات، يستدعي إيجاد تخصص في المصرفية الإسلامية يمكن الملتحقين به من تطوير قدراتهم في هذا المجال و بالتالي إحداث النقلة النوعية للكوادر العاملة في مجال المصرفية الإسلامية. ويتابع السيف: هذا يستلزم أيضاً ضرورة إعطاء جميع الموظفين العاملين في المجالات التي تعني بتقديم المنتجات الشرعية التدريب اللازم ومن ثم الخضوع لاختبار إلزامي للتأكد من وجود الحد الأدنى من المعرفة بهذه الصناعة قبل تقديمها للعملاء.
محمد القويز له وجهة نظر أخرى في علاقة الهيئات الشرعية بالتدريب على المنتجات المالية الإسلامية داخل البنوك، فهو يقول في الوقت الحالي يتم النظر إلى الهيئات الشرعية على أنها جهات رقابية. والجهات الرقابية بطبعها تركز عي مراجعة المنتج أثناء تطويره وبعد الانتهاء منه للتأكد من مطابقته للمعايير الشرعية. أما الميزة والابتكار في تطوير المنتجات فهو في العادة لا يأتي من الجهة الرقابية، إنما من موظفي البنك المسؤولين عن تطوير المنتجات. لذا فالمؤسسات المالية تختلف في إبداعها ووتيرتها في ابتكار المنتجات.
وهنا يؤكد شاهين ضرورة تدريب الموارد البشرية على أيدي خبراء بهذه المنتجات من جهات إسلامية موثوقة، أو يحصل على شهادة تخصص وتأهيل ليكون قادراً على إدارة وتوزيع مثل هذه المنتجات، فتدريب الموظفين من جانب بعض الهيئات الشرعية هو أحد السبل، كما أن هناك مؤسسات تدريب خاصة تعد الموظف للحصول على شهادة التأهيل الإسلامي (IQC)، مثل رخصة هيئة الرقابة المالية. وتؤهل هذه الشهادة الموظف لتوزيع الخدمات والمنتجات المصرفية الإسلامية. يقول: هذا هو أفضل حل حتى الآن، ولكنه غير منتشر على نطاق واسع في القطاع المالي. وأعتقد أن هذه الشهادات ينبغي أن تكون شرطاً لازماً مطلوباً من قبل السلطات الرقابية.
حول كيفية التدريب، يشارك الدكتور أحمد الحاج بالقول: من الممكن عقد دورات متخصصة لموظفين بحسب رغباتهم لأننا في عصر التخصصية لكن أرى أنه لا بد من عقد دورات لأساسيات العمل المصرفي الإسلامي لكل منتسبي العمل المصرفي الإسلامي، ويجب أن يدرك صانعو سياسة التدريب في المصارف أنها يجب أن تخضع للمنطق الوظيفي في البنوك الإسلامية وأن يتم ربط الدورات كمتطلبات سابقة ولاحقة حتى نضمن الكفاءة في تحصيل المعرفة وتداولها في هذا المجال. الحاج يوصي بأن "تتم عملية تثقيف مركزة للأجيال القادمة لتقبل وتفهم فلسفة العمل المصرفي.
#3#
أحمد الحديد، يشير إلى أن يلحظ من خلال عمله في الوسط المالي زيادة الحاجة إلى الموظفين الذين لديهم قدرة على إعداد العقود الإسلامية بطريقة مهنية. من هنا، ينبغي للجامعات والمؤسسات التعليمية المحلية أن تركز على المؤهلات التي تطلبها البنوك المحلية وعلى إمداد سوق العمل باحتياجاتها لدعم البنوك لكيلا تقوم بالتعاقد مع مزيد من الأجانب.
توفير الطلب من خلال الجامعات
لتجاوز هذه الإشكالية وتوفير كوادر بشرية وطنية تتعامل مع المصرفية الإسلامية كما هو متوخى لقطاع يتوقع أن يحتل دورا كبيرا في النظام المالي العالمي، ما المفترض أن يتم، يقول فهد القاسم أرى أنه من الأهمية بمكان أن يكون العاملون في مجال المصرفية الإسلامية مؤمنين بها كمبدأ وطريقة، وليس التعامل معها كأداة تسويقية، وهذا للأسف ملحوظ لدى كثير من المسوقين للمنتجات في البنوك. ويعتقد القاسم أنه من المفترض أن تكون المملكة من الرواد في مجال تأهيل وتدريب وتعليم وتخريج الكوادر في مجال المصرفية الإسلامية، وبالتالي تصدر هذه الكوادر للعالم أجمع، وليس لـ 12 بنكاً سعودياً فقط، وذلك بحكم موقعها كدولة راعية للحرمين الشريفين وقبلة للمسلمين، خاصة أن هذا المجال ما زال في مراحله الأولى.
ولمعالجة النقص في الكوادر البشرية، يرى سعد السيف أن هذا النقص في الكوادر المتخصصة في هذه المرحلة المتقدمة من المصرفية الإسلامية يستوجب العمل على إيجاد برامج متخصصة تؤدي إلى تقديم الكفاءات المؤهلة والتي تجمع بين العلم في الجانب الشرعي أو ما يعرف بفقه المعاملات وكذلك الجانب المالي والاقتصادي، وذلك من خلال: إنشاء أقسام متخصصة في الجامعات السعودية لإعطاء درجة البكالوريوس في المصرفية الإسلامية، العمل على تكوين مجموعة من برامج الماجستير المخصصة لخريجي التخصصات المالية في فقه المعاملات وأيضاً برامج مالية تنفيذية مخصصة لخريجي التخصصات الشرعية، تنظيم دورات متخصصة في مواضيع محددة كالصكوك وغيرها تستهدف التنفيذيين في القطاع المالي.
في إطار المقترحات لمعالجة نقص الكوادر، يقول القويز إنه لا بد من التفرقة بين المنتجات المعتادة (التي استقر الحال عليها) وبين المنتجات الجديدة والمبتكرة. فمن الأفضل أن تتم مراجعة المنتجات المعتادة من قبل هيئة شرعية موحدة على مستوى القطاع المالي ووفق معايير ثابتة ومتفق عليها بين مختلف الجهات. والهدف من ذلك هو: تسريع دورة تطوير المنتجات (خصوصاً المنتجات المعتادة)، إضفاء قدر من الاستقرار والثبات على وجهة النظر الشرعية حيالها لكيلا يكون هناك مجال للمزايدات والبلبلة بين مؤسسة مالية وأخرى.
إعادة اختراع العجلة
ويؤكد القويز ضرورة أن تقوم الهيئات الشرعية وفريق تطوير المنتجات في كل مؤسسة مالية بتركيز وقتهم وجهودهم على تطوير المنتجات المبتكرة، بدلاً من مراجعة وتطوير المنتجات المعتادة من الصفر (من باب إعادة اختراع العجلة من جديد كل مرة ترغب مؤسسة مالية بإطلاق منتج شرعي معتاد).
أحمد نصار من جهته، يؤكد أن عملية التدريب على المنتجات المالية الإسلامية تحتاج إلى تنوع في الجهات والمدربين ومحتويات الدورات، لكن يجب أن تراعي هذه الدورات التقسيم المهني والوظيفي المطبق في البنوك، ويشدد أيضا على ضرورة الخروج من العشوائية في التدريب إلى المعيارية والمهنية الاحترافية مثل كل المعارف الأخرى من هنا فقط سوف نحصل على كوادر مؤهلة تأهيلا مناسبا.
مايكل شاهين، يلخص التحدي الكبير الذي يواجه الصناعة المصرفية الإسلامية في المستقبل في جانبين أساسيين: تطوير موارد بشرية متخصصة تحتاجها للاستثمار مستقبلاً. من المهم تحديد سوق مستهدفة كبيرة الحجم، بالتركيز على مستثمرين ومقترضين متوافقين مع الشريعة الإسلامية، وإنشاء قنوات توزيع مناسبة لتلبية احتياجات هذه السوق المستهدفة، والتحدي الآخر هو بناء نموذج توزيع أصول متكامل لتلبية متطلبات مخاطر المستثمر. نحن اليوم نفتقر إلى مثل فئات الأصول هذه، مثل الدخل الثابت (سندات).
يضيف شاهين: تعتبر الصكوك إجابة لمواجهة هذا التحدي، إلا أنها تفتقر إلى السيولة والحجم أو العمق. لقد سمحت السلطة السعودية الآن بكثير من الحكمة بإصدار وتداول الصكوك التي تتيح لها في المستقبل أن تنموا إلى حجم كبير. ومن فئات الأصول الأخرى التي لا تزال قليلة الانتشار الاستثمار البديل، مثل صناديق التحوط والاستحواذ على الامتيازات. ينهي المسؤول في "كريدت سويس" حديثه بالقول: لقد بدأت تقنيات التحوط المتوافقة مع الشريعة الإسلامية في الظهور ولكن علينا أن نتفق على مبادئ توجيهية عالمية وأن نتحلى ببعض المرونة لتتمكن من التحوط ضد مخاطر السوق، والحد من التقلبات والخسائر لحماية قيمة الأصول، والتقلبات في قيمة العملات والأوراق المالية.
هل تعتقدون أن تدريب بعض الموظفين من قبل الهيئات الشرعية على بعض المنتجات يكفي، أم أن الموظف يحتاج إلى تخصص دقيق لتحقيق أهداف بنكه في إدارة هذه المنتجات وتسوقيها؟ هنا يجيب العطاس بالقول: في واقع الأمر يحتاج الموظف إلى الاثنين معا. التدريب من قبل الجهات الشرعية المعتمدة لفهم الأحكام الشرعية لهذه المنتجات وكيفية إدارتها وتسويقها بشكل لا يتعارض من النظرة الشرعية خاصة في ظل التعدد في الآراء والأحكام الناشئة عن عديد من الاجتهادات الفقهية ، كما يحتاج أيضاً إلى التخصص العلمي الدقيق في مجال الخدمات المالية والمصرفية وبالتبعية الخبرة المهنية في مجال العمل المصرفي بشكل عام والمصرفية الإسلامية بشكل خاص إن وجدت في الموظف القائم بهذا العمل. إذ نحن بحاجة إلى التكامل والترابط بين التأهيل العلمي والتطبيق العملي والمعرفة الشرعية في مجال المصرفية الإسلامية للموظف الذي سيقوم بإدارة وتسويق الخدمات والمنتجات التي تتم وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية في مجال العمل المصرفي الإسلامي فكلما زادت الصلة بين هذه الجهات أمكن الوصول إلي الكفاءة وتحقيق الفعالية في مجال المصرفية القائمة على الشريعة الإسلامية، خاصة في ظل التحديات التي تواجه البنوك السعودية عند تطبيق القواعد والأحكام التي تحكم معاملات المصرفية الإسلامية من ظاهرة عولمة الأسواق المالية والبيئة المحيطة بها، وظهور المتغيرات التكنولوجية الحالية، وتطور صناعة الخدمات المصرفية التقليدية ومنتجاتها في ظل ما يعرف بمنتجات الهندسة المالية وسيطرتها على أسواق المال والأعمال، إضافة إلى أن صغر حجم رأسمال البنوك الإسلامية وعدم قدرتها على تمويل المشروعات الكبيرة، يعد من أكبر التحديات التي تواجه العمل المصرفي الإسلامي. وهذا لن يكون إلا بالعمل الجماعي وفتح مزيد من البنوك الإسلامية بشكل كامل لدعم المصرفية الإسلامية في ظل مرجعية إسلامية تشريعية واحدة وملزمة لكافة البنوك التي تقدم المنتجات والخدمات المصرفية الإسلامية .