مشاريع سكنية مهدّدة بالتعثر في ظل إحجام البنوك عن تمويل الشركات العقارية
توقع عدد من الاقتصاديين المتخصصين في التمويل، أن يؤدي امتناع البنوك عن تقديم تسهيلات تمويلية للمطورين العقاريين، إلى توقف عدد من المشاريع العقارية التي كانت تنوي شركات التطوير العقاري القيام بها. وأشاروا إلى أن قرار الممول البنكي بعدم تمويل المطورين العقاريين لم يراع معطيات السوق الحقيقية وتنامي الطلب على المنتجات السكنية. أوضحوا أن الفائدة السنوية للتمويل يتم احتسابها بطريقة المعدل الثابت وليس بالطريقة الأصح التناقص بالسداد، حيث يفترض على البنوك أن تمول المنتجات العقارية بتكلفة أقل لأن المجتمع غالبا لا يتقاضى فوائد من البنوك لاعتقاده بحرمة الفوائد البنكية. كما كشفوا عن عدد من الأسباب أدت إلى تدني نسبة تملك المواطنين لمساكن، منها: ارتفاع أسعار الأراضي، والبناء والمقاولات، وغياب كثير من البرامج التمويلية غير الربحية، مثل صندوق التنمية العقاري، وتحفيز إيجاد مؤسسات اجتماعية غير ربحية تهتم بتمويل شراء المساكن، وتحفيز الاستفادة من مدخرات عديد من الشركات والمؤسسات الحكومية في تمويل شراء المساكن للموظفين.
من جانب آخر، أكد الدكتور صلاح الشلهوب أستاذ التمويل الإسلامي في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، عدم تأثر السيولة المالية لدى البنوك والسوق المالية بالأزمة المالية العالمية، فالبنوك ما زالت لديها ملاءة جيدة للإقراض ولكن تحفظها في تمويل المشاريع العقارية يعود إلى القلق من احتمالية انخفاض السوق العقارية.
وبيّن أنه نتيجة للأزمة المالية العالمية، وتضخم أسعار العقار في السوق المحلي تخوفت البنوك من قدرة شركات التطوير العقاري على السداد، إضافة إلى أن عديدا من الممارسات أدت إلى تعثر كثير من المساهمات العقارية، واستخدام هذه التسهيلات في استثمارات أخرى غير غرض التطوير العقاري ما دفع إلى تحفظ كثير من البنوك عن إقراض عدد من شركات التطوير العقاري خشية التعثر في السداد.
وقال الدكتور الشلهوب: أمام البنوك والشركات والمؤسسات المالية التي تقدم أدوات تمويلية عدداً من الحلول المتوافقة مع الشريعة الإسلامية والتي تمارس على مستوى عريض، ومنها: المشاركة المتناقصة والإيجار المنتهي بالتمليك أو مع الوعد بالتمليك عن طريق المربحة وبيع التقسيط والاستصناع، والاستصناع الموازي، وعلى مستوى تمويل الشركات يمكن أن يضاف إليه السلم. وعن الخيارات التمويلية البديلة لشركات التطوير العقاري أضاف: لديها خيارات محدودة مثل الشراكة مع الأفراد بغرض الاستثمار في التطوير العقاري، وتسليم هذه الوحدات السكنية للأفراد، أو باستخدام أدوات مالية مثل الصكوك لتمويل مثل هذه المشاريع.
واعتبر الشلهوب مسألة حساب الفائدة مقارنة بالوضع العالمي مرتفعة نوعا ما، حيث يفترض من البنوك أن تقدم التمويل العقاري بتكلفة أقل لأن المجتمع غالبا لا يتقاضى فوائد من البنوك كالمعمول به في الدول الغربية، وذلك لإيمان المجتمع بحرمة الفائدة الربوية، أما بالنسبة لطريقة احتساب الفائدة السنوية، فهي تحسب بطريقة ما يسمى المعدل الثابت، وليس بالطريقة الأصح التي تتناقص بالسداد، وهو المعدل الذي يتناقص مع تناقص حجم التمويل بالسداد APR فمثلا 4 في المائة بالطريقة الشائعة لدى البنوك قد تصل إلى ما يقارب 6.5 في المائة. وأوضح أن نسبة الفائدة تتغير لأسباب منها زيادة احتمالات المخاطرة، والعرض والطلب، ومعدل الفائدة للبنوك المركزية.
وألمح إلى أنه يمكن تخفيض نسبة الفائدة بإيجاد بيئة تنافسية جيدة، وفتح مجالات التمويل لشركات أخرى، مثل شركات التطوير العقاري مع إعطاء ضمانات مماثلة للبنوك.
وأشار أستاذ التمويل في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، إلى مجموعة من العوامل أدت إلى تدني نسبة تملك المواطنين مساكن منها: قيمة الأرض أصبحت مماثلة لقيمة البناء نتيجة ارتفاع أسعار الأراضي، وارتفاع أسعار مواد البناء والمقاولات عن السابق، وغياب كثير من البرامج التمويلية غير الربحية مثل صندوق التنمية العقاري، وتحفيز إيجاد مؤسسات اجتماعية غير ربحية تهتم بعملية تمويل شراء المساكن، وتحفيز الاستفادة من مدخرات عديد من الشركات والمؤسسات الحكومية في تمويل شراء المساكن للموظفين.
وتوقع الدكتور صلاح الشلهوب نتيجة لاستمرار الزيادة في حجم الطلب أن تطرح البنوك منتجات تمويلية جديدة تتناسب مع الاحتياجات المتعددة للمواطنين، كما توقع أن يصاحب صدور المنظومة التمويلية دخول شركات متخصصة في التمويل العقاري، خصوصا أن المملكة دخلت منظمة التجارة العالمية، وتسعى إلى أن تكون من أفضل البيئات الاستثمارية في العالم، وقطاع العقار من أكثر الاستثمارات جذبا للمستثمرين في منطقة الخليج والمملكة تحديداً.
وتطرق إلى مجموعة من المعوقات يمر بها قطاع التمويل العقاري، منها: ارتفاع أسعار الأراضي السكنية والتجارية والحاجة إلى إعادة النظر وتطوير عملية تخطيط المدن بشكل حضاري وتكامل الخدمات بالشكل المطلوب والمناسب ووجود استثمار نموذجي في هذا القطاع وتوافر السيولة للمستثمرين والمستفيدين بالإضافة إلى التذبذب في أسعار المواد الأساسية للبناء
وفي الإطار ذاته أكد الدكتور علي بوخمسين المستشار الاقتصادي والباحث الأكاديمي في الشأن العقاري، أن قطاع التمويل العقاري يعاني كثيرا من المعوقات، وذلك بسبب طبيعة هذا القطاع الحيوي وبسبب اختلاف مسببات هذه المعوقات فهناك معوقات دينية عند بعض المسلمين ترى أن التمويل العقاري محرم متناسين أن الدين الإسلامي هو أغنى مصادر التشريع، ولديه حلول لا تحصى يمكننا الاستفادة منها عمليا، وهناك معوقات بسبب نقص التشريع حيث إن التشريعات القائمة لا تعالج هذا الموضوع بالشكل المناسب بما يشجع شركات التمويل العقاري من ممارسة دورها بالشكل المطلوب، إضافة إلى معوقات أخرى تتعلق بطبيعتنا الاجتماعية كشعب سعودي، ففي السابق كنا لا نؤمن بفاعلية حل التمويل، وأنه من الممكن الاستفادة منه بشراء منزل، فالوضع السائد سابقا هو الشراء النقدي، ولكن مع وجود خيارات تمويلية شرعية مناسبة سوف تتغير النظرة الاجتماعية وسيسعى الكثير من الشباب إلى الاستفادة من توافر مثل هذا الخيار.
وأضاف بوخمسين بدأت البنوك منذ الأزمة المالية العالمية تضييق الخناق كثيرا على التسهيلات الائتمانية التي تقدمها للمطورين العقاريين، وإن كان الوضع الآن أخف حدَة عما كان عليه قبل عدة أشهر. والبنوك التجارية عندما تحجم عن تقديم التمويل المطلوب لشركات التطوير العقاري، في المملكة تحديدا، هي تخالف المنطق السليم في اتخاذ القرار الاقتصادي الصحيح، لأن السوق العقارية السعودية أصبحت في وضع أقوى مما كانت عليه قبل الأزمة المالية، فالاقتصاد السعودي متين ولا يعتمد على التمويل المالي الخارجي، بل إنه استقطب أموالا كبيرة هربت من دول خليجية ومدن عالمية كانت بالأمس القريب ملاذاً آمناً لهذه الأموال، واليوم هي تعود لتدخل السوق السعودية في ظل تكبدها خسائر هائلة من جرّاء الاستثمار في الخارج. ولذلك عندما يقرر الممول البنكي عدم التمويل لهؤلاء المطورين العقاريين، فإنه قرار غير سليم من واقع معطيات السوق الحالية نتيجة وجود قوة طلب كبيرة ولا سيما في القطاع السكني وهناك سيولة عالية متوافرة، فلماذا الإحجام؟
وذكر المستشار الاقتصادي والباحث الأكاديمي في الشأن العقاري، أن هناك خيارات بديلة للمطورين العقاريين إما بحصولهم على تمويل من قبل مستثمرين لديهم سيولة أو بالمشاركة أو التمويل بمكسب معين متفق عليه، مشيراً إلى أن الصناديق والمحافظ العقارية محدودة للغاية ولا تتناسب مع حجم الطلب الموجود بالسوق العقارية.