«سوق النقليات» تتنفس الصعداء بعد موجة انخفاض كبيرة
انتعشت سوق نقليات البضائع في العاصمة السعودية الرياض بعد أن عاشت مرحلة عصيبة خلال الأشهر الماضية، حيث هناك حراك في عملية نقل البضائع بين مدن المملكة، بعد أن اضطر بعض الناقلين إلى تخفيض الأجور والنقل بأسعار قليلة، بهدف عدم وقوف ناقلاتهم دونما عمل، فعلى مستوى الشاحنات المسطحة بدأت الركود مع نهاية عام 2008, حيث انخفضت نسبة الطلب على الشاحنات، وذلك بسبب عدم وجود الموارد بالنسبة إلى شركات المقاولات التي تأتي في المقام الأول استخداما للناقلات بين مدن المملكة، وتأتي هذه العودة مع نهاية العام الجاري.
«الاقتصادية» رصدت أبرز ما جاء في هذا الانتعاش، وكيف كانت الظروف خلال الأشهر الماضية التي شهدت مرحلة عصيبة لسوق النقليات. في البداية يقول ماجد العتيبي ـ مسؤول قسم الحركة والنقل في إحدى الشركات : «عادة ما تكون هناك أيام ركود في السنة، ولكن أن يمتد هذا الركود أكثر من ستة أشهر، فبالتالي فإن تأثيره كان على مستويات كبيرة، سواء في قطاع النقل للشركات أو الأفراد, إضافة إلى السائقين».
ويرى العتيبي أن أسباب هذا الركود تعود إلى تزايد أعداد الشركات المنافسة التي قدمت بقوة لسوق النقليات، بعد أن شهدت حراكا قويا مع بداية عام 2008 وتوقف هذا الحراك مع منتصف العام نفسه الذي بقي أثره في الشركات الصغيرة حتى الآن.
وأضاف: معدل الأرباح لجميع الشركات الناقلة انخفض بنسبة 40 في المائة عن الأعوام السابقة، إضافة إلى عدم وجود الرغبة الشرائية بالنسبة إلى شركات المقاولات, وذلك لتدهور الأوضاع الاقتصادية، وقلة مصادر الدخل بالنسبة إليها، وبالتالي فإن طلبات النقل انخفضت بشكل كبير، وبدأ العرض يكون أكثر من الطلب في كثير من الأحيان، على الرغم من وجود مشاريع حكومية في مدن المملكة كافة، مشيرا إلى أنه كان لإيقاف التصدير الخارجي لبعض المصانع التي تعتمد عليها المشاريع بشكل كبير أثره في حركة النقل الداخلية، فكان هناك كثير من الناقلات لها عقود خارج المملكة ولكن مع إيقاف التصدير للخارج عادت هذه الناقلات للسوق المحلية, وبالتالي زادت كمية الشاحنات وأصبحت أكثر من المطلوب, أي أن المعروض فاق المطلوب.
#2#
في الجانب الآخر يقول عبد الله العصيمي ـ صاحب شركة نقليات: «عودة الانتعاش إلى سوق النقليات تعود إلى فتح عدد من المشاريع الجديدة للسنة المالية الجديدة، التي أقر فيها عدد من المشاريع داخل المملكة، ويأتي هذا الانتعاش الجزئي الذي لم يصل إلى ما وصل إليه مع بداية العام الماضي والذي بلغت أسعار النقل فيه إلى مستوياتها الأعلى, فعلى سبيل المثال سعر نقل البضائع من الرياض إلى جدة وصل إلى 1500 ريال لحمولة 25 طنا، وانخفض مع نهاية العام الماضي ووصل إلى حده الأدنى الذي كان عليه قبل عشر سنوات وبلغ سعر النقل من الرياض إلى جدة 850 ريالا، وفي الوقت الحالي يراوح بين 1000 و1200 ريال لحمولة 25 طنا، وسعر العودة من جدة إلى الرياض يكون أقل وهو ما بين 900 و1100 ريال.
وأضاف: انخفاض تسعيرة النقل يعود إلى عدد الشركات الكبيرة الناقلة، كما أن بعض شركات المقاولات عمدت إلى شراء ناقلات خاصة بها وعدم الاحتياج إلى شركات النقل، وهذا ما أضعف حركة النقل داخل المملكة بشكل نسبي.
ويتحدث عبد المجيد العقيل ـ صاحب شركة نقليات ـ عن أبرز الصعوبات التي تواجه حركة النقل ويقول:»على الرغم من الانخفاض في أسعار النقليات نجد أن هناك ارتفاعا كبيرا في قطع غيار السيارات، وفي أجور الإصلاح، وعدم وجود تسعيرة ثابتة في سوق قطع الغيار، مع تعدد النوعيات لدى أغلبية قطع الغيار وضياع المستهلك بين الأصلي والتقليد، كذلك تواجه الشركات صعوبة في تنقل سياراتها داخل مدن المملكة، ففي بعض المدن التي تفتقد طرقا مخصصة للشاحنات ما يضطرها للوقوف ساعات طويلة في انتظار فتح الطرق الرئيسية داخل المدن تماما مثل ما يحدث في مدينة الرياض، وبالتالي فإن ذلك يتسبب في وقوف الشاحنة يوما كاملا بين انتظار فتح الطرق وإغلاق المصانع.
#3#
وأضاف: ربما إغلاق الطرق جعل ذلك منفذا للسائقين في طلب أجور إضافية نظرا لعملهم خارج أوقات العمل الرسمية، وهذا ما يضطر الناقل إلى أن يزيد في أجر النقل على الشركات.
في جانب آخر, يقول طارق المشعل مدير المشتريات في شركة مقاولات :»سوق النقل لا تعتمد على عقود طويلة الأجل وهذا بسبب عدم ثبات أسعار النقل في كثير من الشركات، وذلك لاعتمادها على ظروف حركة سوق النقليات بشكل كبير، فالأسعار الحالية ربما لا نجدها في الأشهر المقبلة، وهي تماما لم تكن عليه في أشهر ماضية، وهذا يحدث كثيرا من الإرباك في عملية العرض والطلب، فشركة المقاولات لديها طلبات من المصانع وعليها تلبية احتياجات المشاريع في وقت قصير لذا تضطر إلى القبول بالأسعار المفروضة عليها من قبل شركات النقل، كي تتلافى التأخير في تسليم المشاريع لأصحابها، لذا فإن كثيرا من شركات المقاولات عمدت إلى شراء ناقلات خاصة بها، لخفض مستوى الإنفاق على قطاع النقل وتوفير كثير من الجهد والوقت والمال.
وفي السياق ذاته يقول عبد الله المشاري ـ خبير في سوق النقليات ـ «تنقسم سوق النقليات إلى نقل مواد بناء، ونقل مواد بترولية، ونقل السيارات الخفيفة والثقيلة، فنقل مواد البناء عادة ما يشهد أكثر من حركة انتقالية على مستوى الأسعار, وهذا يعتمد على عدة عوامل، منها طلبات شركات المقاولات، وخطوط الإنتاج في المصانع، وتعرفة أسعار قطع الغيار، فسوق النقليات في الوقت الحالي تختلف اختلافا كبيرا عما كان عليه قبل عشر سنوات، وذلك لكثرة المشاريع الحكومية والخاصة داخل المملكة, التي بدورها أنعشت سوق النقل بشكل كبير.
وأضاف: سوق نقل المواد البترولية غالبا ما تكون أسعارها ثابتة وذلك طوال السنة، نظرا لارتباطها بعقود طويلة الأجل مع جهات كبيرة مثل شركة أرامكو السعودية وشركة الكهرباء، إلا أن لها فترة انتعاش عادة ما تكون في فصل الصيف، فتبدأ معه عقود بالباطن قصيرة الأجل ذات أسعار مرتفعة وذلك لتغطية العجز في المحطات المستهلكة للمواد البترولية، أما نقل السيارات فهو الآخر أسعاره ثابتة لفترة طويلة.
ويختتم المشاري حديثه: «سوق النقل داخل المملكة تحتاج إلى تعرفة أسعار ثابتة من قبل جهة متخصصة تكون رقابية في الوقت نفسه، وهذا من اختصاص وزارة المواصلات التي تعطي تصاريح النقل لهذه الشركات، وبالتالي فإن عملية الرقابة على أسعار النقل يجب أن تأتي بشكل دوري، لكيلا تحدث هناك تجاوزات تتضرر منها شركات النقل الصغيرة.