الصكوك الإسلامية تنقذ الاقتصاد العالمي من أزماته

الصكوك الإسلامية تنقذ الاقتصاد العالمي من أزماته

كل المؤشرات تؤكد أن الصكوك الإسلامية تشهد مزيدا من الطلب العالمي وأن هذا الطلب دفع العديد من الدول إلى خطب ودها عبر استصدارها صكوكا متوافقة مع الشريعة الإسلامية كأداة تمويل على أساس المشاركة الاستثمارية، ومن المتوقع في ظل حالة الطلب تلك الناجمة عن التوسع والنمو المتسارع لمنظومة الاقتصاد الإسلامي أن تشهد صناعة الصكوك الإسلامية اهتماما عالميا وإقليميا باعتبارها أداة تنموية وبمشاركة شعبية تحول دون تحميل الميزانية العامة للدولة أي أعباء إضافية، وتضاعف الاهتمام العالمي بها على الخصوص بعد الأزمة المالية العالمية، ما يجعلها حصان طروادة لإنقاذ الاقتصاد العالمي من بعض أزماته المالية، ولعل مؤتمر الصكوك الإسلامية الذي سيعقد في دولة الكويت في ديسمبر 2009 من أبرز المؤتمرات في هذا الجانب، إضافة إلى مؤتمرات أخرى تعقد في لندن وماليزيا والسعودية.
لا يزال العالم يحاول الخروج بأقل الخسائر وبأسرع الطرق من إحدى أعنف الأزمات الاقتصادية العالمية، وبعد عام وأكثر على الأزمة لا يزال العالم غير مطمئن إلى أن الأمور تسير بالاتجاه الصحيح، ولا يزال عديد من البنوك والشركات يعلن إفلاسه، وأصبح من الصعب على الدول أن توفر السيولة اللازمة لضمان بقاء هذه الشركات والمؤسسات، وفي اللحظات التي شك فيها العالم بأنظمته الاقتصادية وأساليبه المالية حظي الاقتصاد الإسلامي بنصيب جدير بالاهتمام.
وعليه دفعت الأزمة الاقتصادية العالمية التي قد يعود لها المؤرخون يوما ما كإحدى اللحظات التي "غيرت مجرى التاريخ"، وكشفت عن السهولة والتسيب اللذين كان يتم بهما تنفيذ كثير من العمليات المصرفية، والتمويلية المختلفة التي تشكل تهديدا جديا اليوم للاقتصاد والسياسة والمجتمع, دفعت هذه الأزمة العالم إلى البحث عن طرق جديدة للنهوض من كبوته وإيجاد حلول بديلة ليس فقط للنهوض باقتصادها، بل وحماية موقعها السياسي على الخريطة العالمية.
من هنا حظيت المصرفية الإسلامية على الاهتمام الأكبر في الدراسات الاقتصادية الغربية في الآونة الأخيرة، وبناء على هذه الدراسات عدلت العديد من التشريعات في عديد من المؤسسات المصرفية الغربية بما لا يمنع من تبني أدوات وسياسات مالية إسلامية للحد من مخاطر هذه الأزمة وتجنب مسبباتها مرة أخرى. كما ظهرت مصطلحات اقتصادية إسلامية جديدة في قواميس البنوك والشركات العالمية كالصكوك والمشاركة والإجارة و التكافل التي استقطبت كثيرا من رؤوس الأموال الإسلامية إضافة إلى إثبات وجودها ونجاحها على الساحة العالمية. لذلك اتجهت الدول لأدوات مالية جديدة للتمويل؛ ومن هذه الأدوات الصكوك الإسلامية.
الصكوك الإسلامية هي أداة استثمارية إسلامية تكون على شكل وثيقة بقيمة مالية متساوية تمثل ملكية شائعة في رأس المال أو ديون أو أعيان تصدرها مؤسسة بأسماء من يكتتبون فيها مقابل دفع القيمة المحررة بها، وتستثمر حصيلة البيع سواء بنفسها، أو بدفعه إلى الغير للاستثمار نيابة عنها، وتعمل على ضمان تداوله، ويشارك المكتتبون في الصكوك في نتائج هذا الاستثمار حسب الشروط الخاصة بكل إصدار، وهناك أربعة عشر نوعاً مختلفاً من الصكوك، كما بينت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، إلا أن أكثر الأنماط شيوعاً هو ما يطلق عليه صكوك الإجارة، التي تقوم على معاملات تأجير إسلامية، ويمكن القول إن الصكوك الإسلامية تمثل بديلا للسندات التقليدية ليستفاد منها في تمويل الاستثمارات بصيغة تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية مع قابليتها للتداول، الأمر الذي دفع دول كفرنسا وبريطانيا وروسيا وأمريكا للتسريع في منح هذه الأدوات تشريعات كافية تمكن المصرفية الإسلامية من الاستثمار فيها، وبالرغم من أن الصك هو شهادة ائتمانية مثل أية شهادة ائتمانية أخرى الا أن ما يتميز به الصك الإسلامي، هو أنه ملكية شائعة في أصول أو منافع، وبالتالي فهي ملكية متوافقة مع القاعدة الاقتصادية الإسلامية التي تحرم الربا المتمثل في ضمان عوائد ثابتة بغض النظر عن الربح أو الخسارة. فالصكوك الإسلامية تعطي دخلا لمالكيها مقابل تجارة معينة أو تأجير لأصل أو غيره من أنواع الصكوك المتاحة، وهي عبارة عن أوراق (صكوك) تثبت حق ملكية في أصل معين، و(الصكوك) في الاقتصاد الإسلامي تقابلها (السندات المالية) في الاقتصاد التقليدي، ويتميز (الصك) بضرورة وجود الأصل مقارنة بـ (السندات التقليدية) التي قد تصدر بضمان المنشأة فقط، وعرفت هيئة المحاسبة والمراجعة للمصرفية الإسلامية (الصكوك الإسلامية) بأنها وثائق متساوية القيمة تمثل حصصاً شائعة في ملكية أو نشاط استثماري، وذلك بعد تحصيل قيمة (الصكوك) وقفل باب الاكتتاب واستخدامها فيما أصدرت من أجله، وقد وصل عددها إلى أربعة عشر نوعا.
ويمكن القول إن الصكوك من أدوات الاستثمار التي تم تطويرها لتكون بديلا عن أدوات الدين (السندات) ليستفاد منها في تمويل الاستثمارات بصيغة تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية مع قابليتها للتداول. لا يختلف الفقهاء كثيرا على هذا التعريف العام للصكوك الإسلامية بهذه الطريقة فهي البديل الشرعي عن التمويل من خلال السندات، كما وجد التورق بديلا للفائدة "الربوية" على حد تعبير المراجع الإسلامية.
وتلعب الصكوك الإسلامية، أدوارا متعددة وفاعلة في توفير وإدارة السيولة النقدية منها: تعبئة المدخرات، ضمان سهولة تدفق الأموال للاستثمارات، تطوير في تشكيلة الأدوات المالية الإسلامية، توسيع قاعدة سوق الأوراق المالية، اندماج اقتصاديات البلاد الإسلامية فيما بينها، وبينها وبين الخارج.
ظهرت الصكوك الإسلامية قبل عدة سنوات، وانتشرت في السنوات الخمس السابقة، وقد تطورت صناعة الصكوك الإسلامية بشكل متسارع ومثير للاهتمام. فقد توقع مركز دبي المالي العالمي أن تقفز قيمة الإصدارات إلى 100 بليون دولار في غضون خمس سنوات من 31 بليون دولار حاليا. وقال المركز إن معظم النمو سيقوده مصدرو النفط في الخليج العربي، وكذلك أعلن بنك دبي الإسلامي أخيرا عن إغلاق أكبر إصدار (للصكوك الإسلامية) في العالم مع زيادة القيمة الأساسية للإصدار من 2.8 بليون دولار إلى 3.5 بليوون دولار نتيجة للإقبال الكبير للمشاركة في الإصدار الذي طرح لصالح مؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة في دبي، حيث جمع الإصدار أكثر من 11 بليون دولار وذلك لأنه يتناسب مع تمويل القطاع النفطي وقطاع الإنشاءات اللذين باتا يشكلان تحديا في الخليج العربي، كما أن قطر تدرس اللجوء إلى سوق السندات الإسلامية لتمويل ما يصل إلى 60 بليون دولار من مشروعات الطاقة بحلول عام 2010، وتقول الكويت إنها تحتاج إلى استثمار 46 بليون دولار على الأقل في السنوات المقبلة لتطوير صناعة الطاقة.
وفي الأردن هنالك توجهات حكومية لإصدار صكوك إسلامية، حيث يتوقع أن تنتهي من إصدارها قبل نهاية العام الحالي. وبحسب ما أقره مساعد أمين عام وزارة المالية والناطق الرسمي باسم الوزارة عيسى صالح لجريدة «الغد», فإن فكرة إصدار هذه الصكوك تهدف الى"توفير أداة نقدية جديدة تحفز الإقبال على أدوات الحكومة النقدية التي تقتصر لغاية الآن على السندات وأذونات الخزينة".
وأضاف أن "الفائدة من توفير هذه الأداة هو تشجيع فئات محددة ترفض استخدام الأذونات والسندات لأسباب دينية وللابتعاد عن الربا".
وقد شملت هذه الصكوك ملكية أصول أو منافع أو خدمات يتعين توفيرها وتكون صادرة باسم مالكها بفئات متساوية القيمة لإثبات حق مالكها على أسس وبعقد شرعي بضوابط شرعية بين طرفيها وآلية إصدارها وتداولها والعائد عليها.
وفي حين تعتبر ماليزيا الدولة الرائدة في مجال الصكوك الإسلامية حيث كان أول إصدار للصكوك الإسلامية في ماليزيا 1995 لبناء محطة طاقة كهربائية بقيمة 350 مليون دولار، فقد تبعتها بعد ذلك بلدان الخليج.
وتجدد اهتمام العالم باقتصاديات وآليات الصكوك الإسلامية بعد تعمق الأزمة المالية العالمية في محاولة لتوفير السيولة والحد من تداعيات الانهيارات المالية. وبدأت وسائل الإعلام العربية خلال النصف الأول من العام نفسه، بما يمثل زيادة قدرها 75 % عما تحقق خلال نفس الفترة من العام الماضي. كما زادت إصدارات الحكومات للصكوك بمعدل 6 أمثال مستوياتها خلال الفترة نفسها وبما يعادل 4.4 مليار دولار. وقد بلغت مبيعات الصكوك الإسلامية خلال السنوات الثلاث الماضية 40 مليار دولار، إضافة إلى ذلك تتوقع دراسة منشورة للبنك الدولي أن يصل حجم هذه الصكوك إلى 3 تريليونات دولار في عام 2015.
ومن الملاحظ أن ارتفاع تجارة الصكوك الإسلامية جاء مع معدلات نمو عالية شهدتها المصرفية الإسلامية منذ نحو 5 سنوات مضت، وفاق حجم تعاملاتها 500 مليار دولار، وحققت معدلات نمو تصل إلى 15 % سنويا، ويتوقع لها أن تستمر على هذا المعدل أو تزيد. وبحسب الخبراء والمختصين فإن أسباب ذلك ترجع بشكل أساسي إلى ارتفاع أسعار النفط خلال الأعوام الماضية وإقبال غير المسلمين على أدوات التمويل الإسلامية، وكذلك زيادة رغبة المتعاملين في البلدان الإسلامية في التعامل مع المؤسسات المالية الإسلامية.
ومن الواضح تماما أن ازدهار التعامل بالصكوك الإسلامية وتنامي الطلب عليها خصوصا في ظل الأزمة المالية العالمية يشكل فرصة متاحة أمام البنوك الإسلامية التي تدير معظم عمليات الاكتتاب لهذه الصكوك، فعلى سبيل المثال قامت البنوك الإسلامية في الإمارات بإدارة عمليات كبيرة للاكتتاب في هذه الصكوك سواء لصالح حكومة دبي، أو لبلدان عربية وإسلامية أخرى، كما حدث في حالتي السودان وباكستان. ويعد بنك دبي الإسلامي من أكبر المؤسسات المالية عالميا لإدارة عمليات الاكتتاب للصكوك الإسلامية، إذ تقدر عملياته في هذا المجال بنحو 9 مليارات دولار.
وعلى الرغم من أن الصكوك الإسلامية بدأت كإصدارات لمؤسسات ودول إسلامية وكأداة استثمارية مشروعة، إلا أنها غدت صيغة عالمية تجذب المستثمرين من مختلف أنحاء العالم، حيث تم إصدار عدة صكوك إسلامية من قبل مؤسسات غربية مثل السندات التي أصدرتها الحكومة في ألمانيا عام 2004 مستهدفة أسواق الشرق الأوسط، إلى جانب إصدار أول صكوك أميركية عام 2006 لتمويل مشروعات حقول الغاز. ويشير الخبراء إلى أن هذه إلاصدارات للشركات الأوروبية وصلت خلال عام 2007 إلى نحو 200 مليار دولار.
وبرغم ما شهده الاقتصاد العالمي أخيرا من انتكاسات في أسواقه المالية، وكذلك حالة الركود التي تعتري الاقتصاد الأمريكي، وما يعكسه ذلك من مخاوف على اقتصاديات عديد من بلدان العالم، فإننا نجد أن الصكوك الإسلامية تحقق معدلات مرتفعة في حجم إصدارها وانتشارها، ليس فقط في السوق الإقليمية أو في البلدان العربية والإسلامية، ولكن الظاهرة بدأت تشهد إقبالا في دول غير إسلامية مثل إنجلترا واليابان.
كما أن التوظيف المالي للصكوك الإسلامية اتجه نحو علاج واحدة من المشكلات المؤرقة لكثير من البلدان، وهي قضية عجز الموازنة، ففي إنجلترا كان هدف دراسة استخدام هذه الصكوك هو علاج عجز الموازنة هناك.
وسوف تشجع الحكومات العربية خاصة الخليجية منها عمليات الاكتتاب في إصدارات الصكوك الإسلامية، باعتبارها بابا من أبواب امتصاص السيولة المرتفعة التي يعانيها معظم بنوك المنطقة، وبذلك يتم تخفيف حدة التضخم التي تعاني ارتفاعه معظم البلدان العربية، خاصة الدول الخليجية. كما يساعد هذا الأمر من ناحية أخرى صانع السياسة النقدية في دول المنطقة للتخفيف من ضغوط ارتباط العملات المحلية بالدولار، بعد حالة التراجع للدولار في الاقتصاد العالمي على مدار السنوات الماضية.
رغم ما أبدته هذه الصكوك من وعود وأرباح وقفزات اقتصادية، إلا أن هنالك صعوبات تواجه تطبيق هذا النظام التمويلي. يأتي في مقدمة هذه الصعوبات عدم وجود سوق ثانوي متكامل لهذه الإصدارات، ويرجع السبب في ذلك إلى قلة عدد الصكوك المصدرة في الوقت الراهن مقارنةً بسوق السندات التقليدي. وفي المؤتمر السنوي الثالث الذي عقد في لندن، "الابتكار للمستقبل: الجيل القادم من الصكوك المالية بعد الأزمة الاقتصادية": يعتبر البعض أن المشكلات الناجمة عن الصكوك هي مشكلات يمكن التغلب عليها لأنها نتجت عن نضج هذا السوق. من أهم هذه المشكلات تعثر المصدرين عن الوفاء بالتزاماتهم في موعدها، والتي ربما تتطلب مزيداً من البحث والتدقيق في توفير الضمانات المطلوبة أو في آليات الإصدار وتحصيل الالتزامات >الطلب دفع العديد من الدول إلى خطب ودها عبر استصدارها صكوكا متوافقة مع الشريعة الإسلامية كأداة تمويل على أساس المشاركة الاستثمارية، ومن المتوقع في ظل حالة الطلب تلك الناجمة عن التوسع والنمو المتسارع لمنظومة الاقتصاد الإسلامي أن تشهد صناعة الصكوك الإسلامية اهتماما عالميا وإقليميا باعتبارها أداة تنموية وبمشاركة شعبية تحول دون تحميل الميزانية العامة للدولة أي أعباء إضافية، وتضاعف الاهتمام العالمي بها على الخصوص بعد الأزمة المالية العالمية، ما يجعلها حصان طروادة لإنقاذ الاقتصاد العالمي من بعض أزماته المالية، ولعل مؤتمر الصكوك الإسلامية الذي سيعقد في دولة الكويت في ديسمبر 2009 من أبرز المؤتمرات في هذا الجانب، إضافة إلى مؤتمرات أخرى تعقد في لندن وماليزيا والسعودية.
لا يزال العالم يحاول الخروج بأقل الخسائر وبأسرع الطرق من إحدى أعنف الأزمات الاقتصادية العالمية، وبعد عام وأكثر على الأزمة لا يزال العالم غير مطمئن إلى أن الأمور تسير بالاتجاه الصحيح، ولا يزال عديد من البنوك والشركات يعلن إفلاسه، وأصبح من الصعب على الدول أن توفر السيولة اللازمة لضمان بقاء هذه الشركات والمؤسسات، وفي اللحظات التي شك فيها العالم بأنظمته الاقتصادية وأساليبه المالية حظي الاقتصاد الإسلامي بنصيب جدير بالاهتمام.
وعليه دفعت الأزمة الاقتصادية العالمية التي قد يعود لها المؤرخون يوما ما كإحدى اللحظات التي "غيرت مجرى التاريخ"، وكشفت عن السهولة والتسيب اللذين كان يتم بهما تنفيذ كثير من العمليات المصرفية، والتمويلية المختلفة التي تشكل تهديدا جديا اليوم للاقتصاد والسياسة والمجتمع, دفعت هذه الأزمة العالم إلى البحث عن طرق جديدة للنهوض من كبوته وإيجاد حلول بديلة ليس فقط للنهوض باقتصادها، بل وحماية موقعها السياسي على الخريطة العالمية.
من هنا حظيت المصرفية الإسلامية على الاهتمام الأكبر في الدراسات الاقتصادية الغربية في الآونة الأخيرة، وبناء على هذه الدراسات عدلت العديد من التشريعات في عديد من المؤسسات المصرفية الغربية بما لا يمنع من تبني أدوات وسياسات مالية إسلامية للحد من مخاطر هذه الأزمة وتجنب مسبباتها مرة أخرى. كما ظهرت مصطلحات اقتصادية إسلامية جديدة في قواميس البنوك والشركات العالمية كالصكوك والمشاركة والإجارة و التكافل التي استقطبت كثيرا من رؤوس الأموال الإسلامية إضافة إلى إثبات وجودها ونجاحها على الساحة العالمية. لذلك اتجهت الدول لأدوات مالية جديدة للتمويل؛ ومن هذه الأدوات الصكوك الإسلامية.
الصكوك الإسلامية هي أداة استثمارية إسلامية تكون على شكل وثيقة بقيمة مالية متساوية تمثل ملكية شائعة في رأس المال أو ديون أو أعيان تصدرها مؤسسة بأسماء من يكتتبون فيها مقابل دفع القيمة المحررة بها، وتستثمر حصيلة البيع سواء بنفسها، أو بدفعه إلى الغير للاستثمار نيابة عنها، وتعمل على ضمان تداوله، ويشارك المكتتبون في الصكوك في نتائج هذا الاستثمار حسب الشروط الخاصة بكل إصدار، وهناك أربعة عشر نوعاً مختلفاً من الصكوك، كما بينت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، إلا أن أكثر الأنماط شيوعاً هو ما يطلق عليه صكوك الإجارة، التي تقوم على معاملات تأجير إسلامية، ويمكن القول إن الصكوك الإسلامية تمثل بديلا للسندات التقليدية ليستفاد منها في تمويل الاستثمارات بصيغة تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية مع قابليتها للتداول، الأمر الذي دفع دول كفرنسا وبريطانيا وروسيا وأمريكا للتسريع في منح هذه الأدوات تشريعات كافية تمكن المصرفية الإسلامية من الاستثمار فيها، وبالرغم من أن الصك هو شهادة ائتمانية مثل أية شهادة ائتمانية أخرى الا أن ما يتميز به الصك الإسلامي، هو أنه ملكية شائعة في أصول أو منافع، وبالتالي فهي ملكية متوافقة مع القاعدة الاقتصادية الإسلامية التي تحرم الربا المتمثل في ضمان عوائد ثابتة بغض النظر عن الربح أو الخسارة. فالصكوك الإسلامية تعطي دخلا لمالكيها مقابل تجارة معينة أو تأجير لأصل أو غيره من أنواع الصكوك المتاحة، وهي عبارة عن أوراق (صكوك) تثبت حق ملكية في أصل معين، و(الصكوك) في الاقتصاد الإسلامي تقابلها (السندات المالية) في الاقتصاد التقليدي، ويتميز (الصك) بضرورة وجود الأصل مقارنة بـ (السندات التقليدية) التي قد تصدر بضمان المنشأة فقط، وعرفت هيئة المحاسبة والمراجعة للمصرفية الإسلامية (الصكوك الإسلامية) بأنها وثائق متساوية القيمة تمثل حصصاً شائعة في ملكية أو نشاط استثماري، وذلك بعد تحصيل قيمة (الصكوك) وقفل باب الاكتتاب واستخدامها فيما أصدرت من أجله، وقد وصل عددها إلى أربعة عشر نوعا.
ويمكن القول إن الصكوك من أدوات الاستثمار التي تم تطويرها لتكون بديلا عن أدوات الدين (السندات) ليستفاد منها في تمويل الاستثمارات بصيغة تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية مع قابليتها للتداول. لا يختلف الفقهاء كثيرا على هذا التعريف العام للصكوك الإسلامية بهذه الطريقة فهي البديل الشرعي عن التمويل من خلال السندات، كما وجد التورق بديلا للفائدة "الربوية" على حد تعبير المراجع الإسلامية.
وتلعب الصكوك الإسلامية، أدوارا متعددة وفاعلة في توفير وإدارة السيولة النقدية منها: تعبئة المدخرات، ضمان سهولة تدفق الأموال للاستثمارات، تطوير في تشكيلة الأدوات المالية الإسلامية، توسيع قاعدة سوق الأوراق المالية، اندماج اقتصاديات البلاد الإسلامية فيما بينها، وبينها وبين الخارج.
ظهرت الصكوك الإسلامية قبل عدة سنوات، وانتشرت في السنوات الخمس السابقة، وقد تطورت صناعة الصكوك الإسلامية بشكل متسارع ومثير للاهتمام. فقد توقع مركز دبي المالي العالمي أن تقفز قيمة الإصدارات إلى 100 بليون دولار في غضون خمس سنوات من 31 بليون دولار حاليا. وقال المركز إن معظم النمو سيقوده مصدرو النفط في الخليج العربي، وكذلك أعلن بنك دبي الإسلامي أخيرا عن إغلاق أكبر إصدار (للصكوك الإسلامية) في العالم مع زيادة القيمة الأساسية للإصدار من 2.8 بليون دولار إلى 3.5 بليوون دولار نتيجة للإقبال الكبير للمشاركة في الإصدار الذي طرح لصالح مؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة في دبي، حيث جمع الإصدار أكثر من 11 بليون دولار وذلك لأنه يتناسب مع تمويل القطاع النفطي وقطاع الإنشاءات اللذين باتا يشكلان تحديا في الخليج العربي، كما أن قطر تدرس اللجوء إلى سوق السندات الإسلامية لتمويل ما يصل إلى 60 بليون دولار من مشروعات الطاقة بحلول عام 2010، وتقول الكويت إنها تحتاج إلى استثمار 46 بليون دولار على الأقل في السنوات المقبلة لتطوير صناعة الطاقة.
وفي الأردن هنالك توجهات حكومية لإصدار صكوك إسلامية، حيث يتوقع أن تنتهي من إصدارها قبل نهاية العام الحالي. وبحسب ما أقره مساعد أمين عام وزارة المالية والناطق الرسمي باسم الوزارة عيسى صالح لجريدة «الغد», فإن فكرة إصدار هذه الصكوك تهدف الى"توفير أداة نقدية جديدة تحفز الإقبال على أدوات الحكومة النقدية التي تقتصر لغاية الآن على السندات وأذونات الخزينة".
وأضاف أن "الفائدة من توفير هذه الأداة هو تشجيع فئات محددة ترفض استخدام الأذونات والسندات لأسباب دينية وللابتعاد عن الربا".
وقد شملت هذه الصكوك ملكية أصول أو منافع أو خدمات يتعين توفيرها وتكون صادرة باسم مالكها بفئات متساوية القيمة لإثبات حق مالكها على أسس وبعقد شرعي بضوابط شرعية بين طرفيها وآلية إصدارها وتداولها والعائد عليها.
وفي حين تعتبر ماليزيا الدولة الرائدة في مجال الصكوك الإسلامية حيث كان أول إصدار للصكوك الإسلامية في ماليزيا 1995 لبناء محطة طاقة كهربائية بقيمة 350 مليون دولار، فقد تبعتها بعد ذلك بلدان الخليج.
وتجدد اهتمام العالم باقتصاديات وآليات الصكوك الإسلامية بعد تعمق الأزمة المالية العالمية في محاولة لتوفير السيولة والحد من تداعيات الانهيارات المالية. وبدأت وسائل الإعلام العربية خلال النصف الأول من العام نفسه، بما يمثل زيادة قدرها 75 % عما تحقق خلال نفس الفترة من العام الماضي. كما زادت إصدارات الحكومات للصكوك بمعدل 6 أمثال مستوياتها خلال الفترة نفسها وبما يعادل 4.4 مليار دولار. وقد بلغت مبيعات الصكوك الإسلامية خلال السنوات الثلاث الماضية 40 مليار دولار، إضافة إلى ذلك تتوقع دراسة منشورة للبنك الدولي أن يصل حجم هذه الصكوك إلى 3 تريليونات دولار في عام 2015.
ومن الملاحظ أن ارتفاع تجارة الصكوك الإسلامية جاء مع معدلات نمو عالية شهدتها المصرفية الإسلامية منذ نحو 5 سنوات مضت، وفاق حجم تعاملاتها 500 مليار دولار، وحققت معدلات نمو تصل إلى 15 % سنويا، ويتوقع لها أن تستمر على هذا المعدل أو تزيد. وبحسب الخبراء والمختصين فإن أسباب ذلك ترجع بشكل أساسي إلى ارتفاع أسعار النفط خلال الأعوام الماضية وإقبال غير المسلمين على أدوات التمويل الإسلامية، وكذلك زيادة رغبة المتعاملين في البلدان الإسلامية في التعامل مع المؤسسات المالية الإسلامية.
ومن الواضح تماما أن ازدهار التعامل بالصكوك الإسلامية وتنامي الطلب عليها خصوصا في ظل الأزمة المالية العالمية يشكل فرصة متاحة أمام البنوك الإسلامية التي تدير معظم عمليات الاكتتاب لهذه الصكوك، فعلى سبيل المثال قامت البنوك الإسلامية في الإمارات بإدارة عمليات كبيرة للاكتتاب في هذه الصكوك سواء لصالح حكومة دبي، أو لبلدان عربية وإسلامية أخرى، كما حدث في حالتي السودان وباكستان. ويعد بنك دبي الإسلامي من أكبر المؤسسات المالية عالميا لإدارة عمليات الاكتتاب للصكوك الإسلامية، إذ تقدر عملياته في هذا المجال بنحو 9 مليارات دولار.
وعلى الرغم من أن الصكوك الإسلامية بدأت كإصدارات لمؤسسات ودول إسلامية وكأداة استثمارية مشروعة، إلا أنها غدت صيغة عالمية تجذب المستثمرين من مختلف أنحاء العالم، حيث تم إصدار عدة صكوك إسلامية من قبل مؤسسات غربية مثل السندات التي أصدرتها الحكومة في ألمانيا عام 2004 مستهدفة أسواق الشرق الأوسط، إلى جانب إصدار أول صكوك أميركية عام 2006 لتمويل مشروعات حقول الغاز. ويشير الخبراء إلى أن هذه إلاصدارات للشركات الأوروبية وصلت خلال عام 2007 إلى نحو 200 مليار دولار.
وبرغم ما شهده الاقتصاد العالمي أخيرا من انتكاسات في أسواقه المالية، وكذلك حالة الركود التي تعتري الاقتصاد الأمريكي، وما يعكسه ذلك من مخاوف على اقتصاديات عديد من بلدان العالم، فإننا نجد أن الصكوك الإسلامية تحقق معدلات مرتفعة في حجم إصدارها وانتشارها، ليس فقط في السوق الإقليمية أو في البلدان العربية والإسلامية، ولكن الظاهرة بدأت تشهد إقبالا في دول غير إسلامية مثل إنجلترا واليابان.
كما أن التوظيف المالي للصكوك الإسلامية اتجه نحو علاج واحدة من المشكلات المؤرقة لكثير من البلدان، وهي قضية عجز الموازنة، ففي إنجلترا كان هدف دراسة استخدام هذه الصكوك هو علاج عجز الموازنة هناك.
وسوف تشجع الحكومات العربية خاصة الخليجية منها عمليات الاكتتاب في إصدارات الصكوك الإسلامية، باعتبارها بابا من أبواب امتصاص السيولة المرتفعة التي يعانيها معظم بنوك المنطقة، وبذلك يتم تخفيف حدة التضخم التي تعاني ارتفاعه معظم البلدان العربية، خاصة الدول الخليجية. كما يساعد هذا الأمر من ناحية أخرى صانع السياسة النقدية في دول المنطقة للتخفيف من ضغوط ارتباط العملات المحلية بالدولار، بعد حالة التراجع للدولار في الاقتصاد العالمي على مدار السنوات الماضية.
رغم ما أبدته هذه الصكوك من وعود وأرباح وقفزات اقتصادية، إلا أن هنالك صعوبات تواجه تطبيق هذا النظام التمويلي. يأتي في مقدمة هذه الصعوبات عدم وجود سوق ثانوي متكامل لهذه الإصدارات، ويرجع السبب في ذلك إلى قلة عدد الصكوك المصدرة في الوقت الراهن مقارنةً بسوق السندات التقليدي. وفي المؤتمر السنوي الثالث الذي عقد في لندن، "الابتكار للمستقبل: الجيل القادم من الصكوك المالية بعد الأزمة الاقتصادية": يعتبر البعض أن المشكلات الناجمة عن الصكوك هي مشكلات يمكن التغلب عليها لأنها نتجت عن نضج هذا السوق. من أهم هذه المشكلات تعثر المصدرين عن الوفاء بالتزاماتهم في موعدها، والتي ربما تتطلب مزيداً من البحث والتدقيق في توفير الضمانات المطلوبة أو في آليات الإصدار وتحصيل الالتزامات .

الأكثر قراءة