الشركات التقليدية تواجه تحديات كبيرة للتكيف مع الشريعة

الشركات التقليدية تواجه تحديات كبيرة للتكيف مع الشريعة
الشركات التقليدية تواجه تحديات كبيرة للتكيف مع الشريعة
الشركات التقليدية تواجه تحديات كبيرة للتكيف مع الشريعة
الشركات التقليدية تواجه تحديات كبيرة للتكيف مع الشريعة

تتزايد أعداد الشركات التقليدية في المنطقة التي تتجه للتحول إلى شركات ذات عمليات متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية. لكن الطريق ليست معبدة ناهيك عن أن تكون مفروشة بالورود.
ويرى عديد من المراقبين أن تحديات عديدة تحيط بتلك الشركات بدءاً من الفكرة وانتهاء بآخر مراحل آليات التحول إلى شركات «شرعية»، لكنهم في الوقت ذاته يعدون نجاة الشركات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية من السقوط في هوة الأزمة المالية العالمية أمراً يجعل الشركات في الضفة الأخرى تفكر ملياً في ذلك.
«المصرفية الإسلامية» التقت عدداً من المتخصصين في التعاملات المالية والاقتصادية التقليدية والشرعية، وخلصت إلى مجمل الرؤى التالية:
يذهب لاحم الناصر المتخصص في التعاملات المالية الإسلامية، إلى أن التحديات التي تواجه الشركات التي يرغب القيّمون عليها بتحويلها من العمل وفق النظام التقليدي إلى آليات متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية تختلف وفقاً لنشاط الشركة، فالشركات المالية كالمصارف وشركات التأمين تكون التحديات التي أمامها أكبر، كما أن التحديات تختلف كذلك بين مكونات هذا القطاع، حيث تكثر التحديات وتشتد في القطاع المصرفي بحكم تشابك العلاقات وتفرعها وتعقيد منتجاته وبحكم خطورة أثر أي هزة يتعرض لها هذا القطاع على الاقتصاد المحلي والسمعة المالية للدولة مما يجعل الجهات الرقابية أكثر تشدداً تجاه أي تغيير في نظام هذا القطاع ومنتجاته.

ويقسم الناصر التحديات إلى قانونية ورقابية، حيث لا يوجد اليوم في المملكة العربية السعودية قوانين خاصة بالقطاعات المالية العاملة وفق أحكام الشريعة الإسلامية كالمصارف وشركات التأمين وشركات الاستثمار كما أنها تفتقر لأنظمة الرقابة الخاصة بها.
ويشير إلى أن اقتصار نظام الشركات على السماح للشركات بإصدار أوراق الدين التقليدية (السندات) يعد من التحديات التي تواجه تحول الشركات التقليدية إلى شركات متكيفة من الناحية الشرعية، إضافة إلى عدم وجود قوانين خاصة بالصكوك والتصكيك والتي تمكن الشركات من الاستفادة من سوق الديون بصورة فعالة .
ويعد وجود التزامات مالية تقليدية على الشركات الراغبة في التحول مثل القروض طويلة الأجل والسندات، محورا مهماً من التحديات التي تواجه الشركات التقليدية التي تأمل تحول تعاملاتها إلى عمليات متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.

ولا يلاحظ اللاحم أي تأثير للأزمة المالية على توجه الشركات نحو التوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية حيث بقيت وتيرة التحول على حالها وذلك نظرا لأن السوق السعودية كانت تشهد عملية تحول مكثفة من قبل الشركات لتحويل عملياتها لتتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية قبل وقوع الأزمة المالية نظرا لإقبال المتداولين في السوق على أسهم الشركات التي تتوافق مع المعايير الشرعية لتداول الأسهم.
وهذا ما يوافقه فيه دهلوي الذي على الرغم من ملاحظته وجود بعض التحديات فإنه يؤكد وجود توجه محمود للتحول ولايزال هذا التوجه في تصاعد، وليس لدي ما يؤكد ارتباط ذلك بالأزمة المالية العالمية.
#2#
من جهته، يرى الدكتور راشد العليوي ـ أستاذ الاقتصاد الإسلامي في كلية الاقتصاد والإدارة في جامعة القصيم، أن أهم التحديات تتمثل في نقص الكوادر المؤهلة في هذا التخصص لتنفيذ هذا التحول والتوافق، إذ إن هذا التحول يحتاج لمن يجمع بين المعرفتين المعرفة الاقتصادية والمعرفة الشرعية ووجود هؤلاء الأشخاص قليل في الساحة.
وهنا يؤكد لاحم الناصر أن نقص الكفاءات البشرية المؤهلة، يعد تحدياً مهماً بهذا الخصوص، فهو يرى أن السوق المحلية والعالمية تعانيان من نقص الكفاءات البشرية المؤهلة في جانب الصيرفة الإسلامية والمالية الإسلامية التي تستطيع إعادة هيكلة أعمال الشركات الراغبة في التحول من النمط التقليدي إلى التوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية.
ويرى العليوي أن عدم تشجيع الجهات الرقابية والإشرافية على هذا التحول يعد تحدياً مهماً، مستدركاً إلى القول «صحيح أنها لا تمانع منه.. لكن هذا لا يكفي بل ينبغي أن توضع الحوافز التشريعية والتنظيمية والتشجيعية لهذا التحول للمساعدة في تحقيقه».
#3#
ويلتقط ياسر دهلوي مدير عام شركة «دار المراجعة الشرعية»، الحديث ليؤكد أنه في ظل نمو وانتشار المصرفية الإسلامية خلال الفترة الماضية وما رافقه من تطوير العديد من الحلول التمويلية والاستثمارية المتوافقة مع المعايير الشرعية، فقد أصبح هناك مجال أوسع لتحويل الشركات للعمل وفق الضوابط والمعايير الشرعية الإسلامية، والبداية من وجهة نظري تكون في رغبة القائمين على الشركات بالتحول والالتزام.
وهنا يشير دهلوي إلى أن البيئة التنظيمية، ما زالت في طور النمو سواء فيما يخص المؤسسات المالية والمصارف من جانب، أو ما يتعلق بالمؤسسات في قطاعات الأعمال الأخرى، وعلى سبيل المثال رغم انتشار المصرفية الإسلامية على مستوى عالمي نجد أن عديدا من الدول ليس لديها إلى الآن قانون خاص بالمصرفية الإسلامية، وفي الجانب الآخر نجد أيضاً أنه لا يوجد ما ينظم تحول الشركات ويراقب التزامها إلا بمبادرات خاصة من تلك الشركات.
ويذهب إلى أن من التحديات كذلك، كيفية حصول الشركات الراغبة في التحول على المعلومات الخاصة بآليات التحول وما يترتب عليها، وكذلك طرق استيفاء متطلبات ونظم الرقابة الشرعية للشركات بشكل عام، ولعل من أسباب ذلك قلة عدد المؤسسات المتخصصة في مجال الرقابة الشرعية التي تعمل بمنهجية مهنية.

ويزيد دهلوي أن من أبرز ما يواجه الشركات الكبيرة الراغبة في التحول والتي لديها استثمارات خارجية في أسواق مختلفة عدم وجود منتجات المصرفية الإسلامية في بعض تلك الأسواق.
ويؤكد الدكتور راشد العليوي أنه في ظل الأزمة المالية العالمية الحالية اتضح حتى لكثير من المؤسسات المالية الغربية الرأسمالية والكثير من السياسيين وصناع القرار هناك وجود الخلل في كثير من آليات الاستثمار في تلك المؤسسات وما يسير عليه النظام الرأسمالي من فلسفة، فأشادت بالمؤسسات والمصارف الإسلامية وسلامتها إلى حد كبير من تأثيرات تلك الأزمة بسبب عدم انخراطها في الاستثمار والتعامل في المشتقات المالية ونحوها من الأدوات القائمة على الربا والقمار والغرر المحرم في الشريعة الإسلامية. ويضيف: ظهر هذا في تصريحات واضحة حتى من الفاتيكان نفسه، وقد لمس هذا كثير من أصحاب الشركات والمؤسسات التقليدية في العالم العربي والإسلامي فبدأ التفكير الجاد في مزيد من التحول نحو الالتزام بقواعد ومبادئ الاقتصاد الإسلامي.
وصدق الله العظيم إذ يقول «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق».
ويشير الدكتور العليوي إلى أن تعامل المجتمع مع شركة متكيفة شرعاً وشركة ليست كذلك يختلف أولاً في الاكتتاب في تلك الشركات والاستثمار فيها والعمل الوظيفي لديها على تفصيل وتفريق بين قطاع اقتصادي وآخر من حيث الحرمة (القطعية) أو الظنية في الشركة ومن حيث الإجماع أو الاختلاف في التحريم ونحو ذلك.
#4#
ويعد لاحم الناصر «ندرة المؤسسات الاستشارية المتخصصة» سبباً مهماً في عرقلة تحول الشركات من النظام التقليدي إلى شركات متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، فهو يؤكد أن «الصيرفة الإسلامية بصفتها صناعة ناشئة تعاني من عدم اكتمال منظومة شركات الخدمات المساندة كالمؤسسات الاستشارية المتخصصة القادرة على تلبية متطلبات السوق باحترافية ومهنية كما في السوق التقليدية وبالتالي تعاني المؤسسات الراغبة في التحول من ارتفاع تكلفة هذا التحول وطول مدته نتيجة لاعتمادها على الجهود الفردية في هذا الجانب .
ويتهم صراحة أعضاء مجالس الإدارة في بعض الشركات بـ «التعنت»، معيدا ذلك إلى «وجود موقف أيديولوجي من الصيرفة الإسلامية أو لعدم قناعته بأدواتها أو نتيجة لعدم فهمه لهذه الأدوات».
ويرى العليوي أن الفرق الجوهري بين الشركات الشرعية والتقليدية يكمن في الغالب وينحصر في كيفية التمويل والاستثمار فيها، فالشركات الزراعية أو الصناعية أو الخدمية أصل نشاطها جائز ومباح ولكن الفرق في استثمارها هل تستثمر بأسلوب ربوي أم لا؟ وهل تحصل على التمويل بأسلوب ربوي أم لا؟ هذا هو الفرق بين وصف الشركة والمؤسسة بأنها إسلامية أو ليست كذلك. وقد يحصل في أحيان قليلة في بعض الأنواع من الشركات الخدمية وجود خدمات محرمة أو مكروهة شرعاً وقد يكون أصل النشاط محرماً كالتأمين التجاري أو على الحياة ونحو ذلك فيكون أيضا تفريق من هذا الجانب.
وبينما يشير دهلوي إلى أن الشركات المتكيفة شرعاً يتعين عليها الالتزام بالضوابط الشرعية في كافة تعاملاتها، فإنه يؤكد أن القطاع المالي والمصرفي هو أكثر القطاعات عرضة وتأثراً بالتعامل مع مؤسسات تقليدية بحكم طبيعة النظام المالي العالمي وحاجتها للتعامل معه. ويزيد أن هناك ضوابط عامة تلتزم بها الشركات التي تسعى للعمل وفق الأحكام الشرعية أهمها أن يكون نشاطها مباحاً فلا تعمل في أي نشاط مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية، كما يجب أن تلتزم الشركة أيضاً بالضوابط الشرعية في تعاملاتها المالية والاستثمارية، فعلى سبيل المثال ـ وكما هو معلوم - يجب ألا تحصل على تمويل بطرق لا تتوافق والضوابط الشرعية و لا تستثمر في مجالات محرمة شرعاً، من جهة أخرى، وحسب القطاع الذي تعمل فيه الشركة، فقد يكون هناك ضوابط أخرى خاصة بصناعة معينة.

ويشير اللاحم إلى أن الإسلام ينظر للمعاملة التي تتم بين شركة متكيفة شرعياً وشركة تقليدية، فإن كانت متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية فهذه المعاملة جائزة وإن خالفت أحكام الشريعة الإسلامية فهي محرمة بغض النظر عن الكيان الذي تتعامل معه، وقد تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع يهود المدينة بيعاً وشراء.
ويخلص اللاحم إلى أن الفروق الجوهرية بين الشركات التقليدية وتلك التي تسعى للعمل وفق الأحكام الشرعية تكمن في عدة أمور منها: النص في عقد التأسيس والنظام الأساسي على أن الشركة تعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية وذلك صيانة لحقوق المساهمين في الشركة حيث إن مخالفة الإدارة التنفيذية لذلك توجب محاسبتها مع إجبارها على جبر الضرر الناتج عن هذه المخالفة.

وكذلك خلو نشاط الشركة فعلياً من أي محرمات كالإقراض بالفائدة (الودائع) أو الاقتراض بالفائدة أو أي استثمارات محرمة، بالإضافة إلى وجود رقابة شرعية على الشركة.

الأكثر قراءة