نجاح المصرفية الإسلامية في الغرب يعطي الصناعة دفعة على المستوى العالمي
أكدت مؤسسة "BDO" في دراسة لها بعنوان (التمويل الإسلامي - الفرص والتحديات) أن ثمة اتجاها عالميا للتوسع في المصرفية الإسلامية, وأوضحت أنه على الرغم من كونها صناعة شابة, إلا أنها حققت خلال السنوات الأخيرة نتائج إيجابية جعلتها محط اهتمام الآخرين, حيث استطلعت الدراسة آراء عدد من الخبراء والمديرين التنفيذيين في عديد من البنوك والقطاعات ذات التعامل بالمصرفية الإسلامية.
ما من شك أن الأزمة التي ألمت بالبنوك التقليدية منذ منتصف عام 2007 أضافت إلى جاذبية البدائل المالية المتماشية مع قوانين الشريعة الإسلامية، ومع ذلك فإن هناك عددا من التحديات التي تقف أمام المصرفية الإسلامية لا بد لها من اجتيازها، هذا ما يتبين من الدراسة المسحية العالمية التي شملت 173 مديرا تنفيذيا من مختلف القطاعات والخدمات المالية ومن مستويات مختلفة تعاملت بالمصرفية الإسلامية. وأظهرت الدراسة المسحية أن هناك اتجاها للتوسع نحو عدد من المناطق, والتركيز ينصب الآن على لندن كسوق محتمل لمثل هذه الصناعة.
الانتباه العالمي الجديد لهذه البدائل لا يعني أنها هي الأهم, إذ ما زالت صناعة مالية شابة مع أنها أخذت تسير بوتيرة عالية في السنوات الأخيرة الماضية, وبخاصة مع الارتفاع في العوائد النفطية, ما عزز من اقتصادات دول الخليج العربي وأدى إلى نوع من النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط. اللافت أن الدراسات المقارنة غير موجودة - إن جاز التعبير - مع أن إصدار الصكوك الإسلامية ارتفع من عام 2002 إلى عام 2007, مع حقيقة أن الطلب على هذه الصكوك في أغلبيته يأتي من مستثمرين غير إسلاميين انتبهوا لفرص الاستثمار الجيدة التي توفرها المصرفية الإسلامية.
وبالفعل أدرك العاملون في صناعة المصرفية الإسلامية حقيقة ارتفاع أسهمهم وسمعتهم, ومن ثم توسعوا في استغلال هذه الفرصة الذهبية وبخاصة في الأسواق الرئيسية في الشرق الأوسط وفي جنوب آسيا, وكذلك في مجتمعات يكون فيها المسلمون أقلية لكنها معتبرة وبخاصة في أوروبا وفي بعض الدول الإفريقية. وتم التوسع في الأسواق غير الإسلامية بفعل الفرصة الكبيرة التي قدمتها أزمة الرهن العقاري والتي شجعت أنصار التمويل الإسلامي للتأكيد على مبادئ الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالدين (debt) والمخاطرة وهو ما أوجد من يستمع لهم في مناطق أبعد من العالم الإسلامي.
وبالنسبة للممولين الإسلاميين فإنهم لا يقبلون المنتج البنيوي المعقد مثل الرهن العقاري ومشتقاته لأنه بعيد جدا عن أصوله. فمبادئ الشريعة الإسلامية تسمح للممولين بالحصول على أرباح, لكن يجب أن تكون هذه الأرباح معتمدة على أصول حقيقية وليس فقط الحصول على أموال من الأموال. فهناك ضرورة للاشتراك والمخاطرة بين المقرض والدائن لأن الربا ممنوع. ومنذ منتصف الستينيات هناك محاولات كثيرة لتطبيق مبادئ عمرها 1400 عام ليتم تفعيلها في المؤسسات المالية المعاصرة. وهذه الجهود راجت أكثر وبخاصة في منتصف التسعينيات مع ظهور جيل من الباحثين الجدد الذين جمعوا بين التعليم المالي والخبرة في مبادئ الشريعة الإسلامية.
ويبدو أن هناك مجالا واسعا لنمو هذا القطاع الذي ما زال في بداياته نسبيا، ومع ذلك لا يمكن إغفال أن هناك عددا من التحديات المرافقة لتطوير صناعة جديدة بمقاربة مختلفة لعملية إدارة المخاطر. وبالرغم من أن البنوك الإسلامية لم تتأذى من أزمة الرهن العقاري ألا أنها عانت من آثار الأزمة بشكلها الأوسع كما حدث في انهيار أسعار الممتلكات في دبي في الفترة الأخيرة, التي أدت إلى انكشاف بعض البنوك الإسلامية الخليجية، وبالفعل حدث أول تعثر للصكوك في عام 2009 في شركتين في الخليج ودار الاستثمار الكويتية, كما حدث أيضا مع مجموعة سعد في السعودية.
وعكست الدراسة المسحية الحالية احتمالات نمو إضافي وتنوع الإنتاج في التمويل الإسلامي في وقت قامت فيه الدراسة المسحية بتحديد عدد من التحديات الملحة التي ستواجهه التمويل الإسلامي في السنوات القليلة المقبلة. السؤال الأول في الدراسة المسحية كان حول المدى الذي يمكن أن تنمو إليه صناعة التمويل الإسلامي في نطاق السوق العالمي. يبين الجدول رقم (1) أن أكثر من نصف المستجيبين أفادوا أن صناعة التمويل الإسلامي العالمية ستنمو بين 10 و15 % في السنوات الثلاث المقبلة.
#4#
أما الذين كان لهم رأي مختلف فإن كثيرا منهم أخذ جانب الحذر مع وجود 20 % يعتقدون أن نسبة النمو ستكون بحدود 10 % في حين أفاد ما يقارب 17 % أن نسبة النمو ستصل إلى ما بين 20 % و30 %. وهذه النتائج مختلفة عن الدراسة المسحية التي أجريت قبل عامين والتي رأت أن أقصى نسبة لإمكانية النمو ستكون في الأسواق الرئيسية.
وفي مجال المستثمرين الإسلاميين هناك ما نسبته 17 % من المستجيبين توقعوا أن يكون هناك مجال لزيادة الطلب على التمويل الإسلامي من قبل مؤسسات الدولة في دول ذات أغلبية مسلمة.
وبالرغم من التفاؤل الذي أبداه المستطلعة آراؤهم بشأن إمكانية توسع صناعة التمويل الإسلامي إلا أنهم أفادوا أن ثمة تحديات كبيرة ستواجه القطاع في قادم الأيام، وقد أجاب المستطلعون على السؤال التالي: ما العائق الرئيسي لنمو أسواق التمويل الإسلامي؟ ويمكن تجميع الإجابات المختلفة كما يبين الجدول رقم (2), إذ يكشف الجدول عن أن النقص في الخبرة في الصناعة ونقص اللوائح الموحدة هما العائقان الأكبر أمام النمو، وهذان العائقان تم اختيارهما من قبل %40 من المستطلعة آراؤهم. وهنا أيضا ما يقارب الثلث أفادوا أن النقص على الطلب من قبل المسلمين يعكس شكوكا تستند إلى أساس ديني أو عدم الوعي أو القلق بشأن تكلفة التنافسية. ولكن هذا القلق هو أقل للمستطلعين من الشرق الأوسط (%23) قياسا بأوروبا (30 %) لكون الصناعة غير مؤسسة جيدا كما هو الحال في الشرق الأوسط.
#5#
ويبدو أن هناك تفاوتا في الطلب على هذا النوع من التمويل بين الشعوب المسلمة المختلفة حسب درجة الوعي ودعم الدولة. وللتدليل على ذلك نسوق المثل التالي: من الواضح أن البنوك الإسلامية غير متطورة في كثير من أسواق شمال أفريقيا, كما هو الحال في مصر والجزائر, التي توجد فيها حكومات علمانية كانت تتوجس من هذه الصناعة. كما أن هناك الربع تقريبا من المستطلعة آراؤهم أفادوا أن المشكلة هي في الخيار المحدود للزبائن. وفقط 2 % أفادوا أن الانطباع السيئ هو العائق أمام نمو هذه الصناعة.
لكن ما المركز المالي الرئيسي للتمويل الإسلامي في السنوات الثلاث المقبلة؟ هذا سؤال وجه للمستطلعين, إذ أفاد ما نسبته أقل قليلا من الثلث أن دبي ستكون المركز المالي الدولي للتمويل الإسلامي وللاستثمار بحلول عام 2012, في حين أفاد %24 أن دبي ستكون المركز الرئيسي لتجارة التمويل الإسلامي. وبالرغم من التراجع الحالي في اقتصاد دبي والانخفاض الكبير في أسعار الممتلكات والصعوبات المالية في بعض المقرضين الملتزمين بالشريعة الإسلامية فإن جهد دبي الأخير لجلب المستثمرين والموهوبين في القطاع المالي, ومن ضمنها القطاع المالي الملتزم بالشريعة الإسلامية, فإن الانطباع العام ما زال بحاجة إلى تغيير. أما لندن فقد حلت ثانيا بعد دبي كمركز دولي لإصدار التمويل الإسلامي (13 %). في المقابل قامت ماليزيا بإصدار صكوك إسلامية أكثر من الإمارات العربية المتحدة في عام 2009 ومع ذلك فقد جاءت في تريب متدنٍ, إذا أفاد 8 % أن تكون ماليزيا مركزا دوليا للتمويل الإسلامي، وربما جاء هذا التقييم نتيجة الخلافات بين الباحثين الماليزيين والباحثين من منطقة الخليج العربي فيما يتعلق بعدد من العقود التي تعد مقبولة في ماليزيا بينما تحرم في الخليج (أنظر إلى الجداول: 3، 4، 5). إضافة إلى ذلك تشير الدراسة إلى أن البزنس الجديد سيتطور باتجاه التركيز على تمويل استثمار يستند إلى الانصياع لمبادئ الشريعة الإسلامية وإدارة الثروة. فعندما سئل المستطلعون عن نوع المنتج الذي ينوون تقديمه في السنوات الثلاث المقبلة أفاد ما يقارب الثلث أنهم أميل إلى التمويل, كما أفادت النسبة نفسها تقريبا أنهم أميل إلى إدارة الثروة، في حين أشار ما يقارب الربع إلى أنهم أكثر اهتماما برأس المال الإسلامي الخاص. وهذا المجال هو ما تم تطويره بشكل كبير في الدول العربية في الخليج في السنوات الأخيرة.
#6##7##8#
وربما من المفاجئ أن هناك 23 % أفادوا أنهم كانوا يخططون لتطوير مال تحوطي إسلامي وهو نوع من المنتج أثار نوعا من الجدل الصاخب. وتشير النتائج إلى أن المستطلعين رأوا هناك مدى محددا للنمو في الإنتاج المكيف للأفراد الذين يبحثون عن ربح عال. لكن هناك عدد - مع أنه قليل نسبيا (20 %) - يريد التكافل وهو نوع معين من التأمين الإسلامي، أما التجزئة البنكية فقد حازت على 18 % في حين قروض التجزئة والرهونات العقارية حازت على 15 % لكل منهما. أما المستطلعون من عينة البنوك المستندة إلى الشريعة الإسلامية فإن الأغلبية الساحقة منهم يقدمون خدمات التجزئة, وهناك أكثر من 40 % متحمسون لأن ينوعوا لإدارة الثروة وللتمويل, وهناك 38 % يخططون لتقديم حقوق الملكية أو رأس المال الخاص، علما بأنه لا يوجد أحد الآن يقدم خدمة تمويل التحوط الإسلامي, ولكن هناك 29 % خططوا لأن يقدموا هذه الخدمة خلال ثلاث سنوات (أنظر الجدول رقم 6).
#9#
وبالنسبة للمستطلعين فإن منتجات التجزئة الرئيسية مازالت تقدم أكبر عائد. ولدى سؤال العينة عن أي من الخدمات التي تراها تقدم أكبر إمكانية كمصدر للربح لمنظمتك؟ أجاب 23 % بأنها قروض التجزئة, في حين اختار 14 % التأمين الإسلامي، و %13 اختار الرهانات العقارية الإسلامية. وتتباين هذه النتائج بشكل كبير حسب المنطقة, ما يعكس التنوع والتباين في الحجم والدخل للشعوب المسلمة والتطور النسبي لسوق المال الإسلامي. فمثلا هناك 37 % على سبيل المثال يتمركزون في منطقة آسيا المحيط الهادي رأوا أن قروض التجزئة تقدم العائد الأكبر, في حين أفاد 24 % بالشيء نفسه في منطقة الشرق الأوسط، وتحتل الصكوك مركزا ليس بعيدا عن ذلك إذ أفاد بذلك 20 %. أما الذين يقطنون في منطقة أوروبا فقد أظهروا اهتماما أكثر بمسألة التكافل, إذا أفاد ذلك ما نسبته %26 من المستطلعين وهو ربما يعكس طلبا أقوى للتأمين بشكل عام مقارنة بالشرق الأوسط, إذ إن التأمين هناك لا ينظر إليه كضرورة من قبل أغلبية زبائن التجزئة (أنظر الجدول رقم 7).
#10#
وتفيد الدراسة المسحية أن خطط التطوير والتوسع تتركز في منطقة الشرق الأوسط مع أن هناك عددا قليلا يبحث عن أسواق جديدة. وهنا أكثر من ثلث المستجيبين يوفرون خدمات مالية في دول الخليج الست وهي دول مجلس التعاون الخليجي، وهي دول تمتاز بمعدل دخل فرد عال جدا, وتمتاز بأنها تمتلك فرص إمكانات نمو اقتصادي كبيرة جدا, إضافة إلى كونها مركزا لابتكارات التمويل الإسلامي. ويفيد ما نسبته %23 من المستطلعين أنهم يخططون لتقديم الخدمات المالية الإسلامية في منطقة الخليج بحلول عام 2012, في حين هناك 20 % يبحثون عن منطقة الشرق الأوسط العريضة. اللافت أن المنطقة الثالثة التي يبحث عنها ممولون إسلاميون هي المملكة المتحدة, إذ أفاد 19 % منهم أنهم يبحثون عن السوق البريطانية وهو ما يعكس نجاح لندن في تقديم نفسها كمركز للتمويل الإسلامي, وتم ذلك بفضل الدعم الحكومي القوي والتغيرات في قوانين الضريبة وعلاقات البزنس التاريخية مع منطقة الخليج, وكذلك وجود جالية مسلمة كبيرة في لندن. وحتى لو حذفنا رأي المستطلعين الذين يقطنون في أوروبا الغربية فإن لندن تحتل المرتبة الثانية بنسبة 16 %, إذ تأتي مباشرة بعد منطقة جنوب شرق آسيا وهي موطن ماليزيا التي تعد المركز العالمي للتمويل الإسلامي التي جذبت تقريبا ربع المستطلعين (أنظر الجدول رقم 8).
#11#
في المحصلة النهائية يمكن القول، حسب مخرجات الدراسة المسحية، إن العاملين في قطاع المال والبنوك بدأوا ينتبهون لقوة اقتصادية ناشئة تتمثل في التمويل الإسلامي كرد على أزمة الرهن العقاري التي عصفت بالاقتصاد الدولي. ويقدم قطاع المصرفية الإسلامية نفسه كبديل لقطاع البنوك التقليدي الذي يستند إلى الربا والمخاطرة بعيدا عن حقيقة وجود الأصول الملموسة. وهنا لا يمكن القول إن قطاع المصرفية الإسلامية يمتلك الحلول الاقتصادية لمشكلات الاقتصاد العالمي, لكن الأزمة الأخيرة أثبتت أن لهذا القطاع ما يقوله بالرغم من التحديات الكبيرة في السنوات المقبلة، وربما يحسن القائمون على هذا القطاع صنعا إن استهدفوا السوق الأوروبية وبخاصة لندن, لأن نجاح هذا النموذج في دولة غربية رئيسية من شأنه أن يعطيه دفعة على المستوى العالمي. وأي نظرة سريعة على النصف الأول من عام 2009 ستكشف أنه في الوقت الذي أفلس فيه كثير من البنوك العالمية فإن البنوك الإسلامية مرت بمرحلة تراجع في الأرباح ولم تعان خسائر. وبالفعل تمكن القائمون على البنوك الإسلامية من حماية هذه البنوك بوجود كمية كبيرة من السيولة.