ماليزيون ينادون باستخدام المشتقات .. وخليجيون يحذرون من «فخ» تداول الديون
تخوض البنوك الإسلامية غمار تطوير أدوات تحوُّط في الوقت الذي تُلقي فيه الخلافات الدينية ظلالاً من الشك حول فائدة المشتقات، وهو أمر من شأنه تعريض الصناعة لمخاطر التقلب المتزايد مع تدهور الأسواق. بعض الدول الإسلامية المتقدمة مثل ماليزيا لم تستطع التضامن مع المؤسسات المالية الخليجية في تحفظها على استخدام المشتقات ''الإسلامية''. ولكن ما قصة الفقهاء الماليزيين الذين ينادون باستخدام هذه المشتقات في المؤتمرات الدولية التي يحضرونها؟
أكدت لـ ''الاقتصادية'' مصادر في داخل صناعة المال الإسلامية وجود توجه ملموس في الفترة الأخيرة من قبل بعض الفقهاء الماليزيين، ولاسيما البارزين منهم في المناداة باستخدام المشتقات ''الإسلامية'' وذلك من خلال المنتديات الاقتصادية الكبرى التي يوجدون فيها والتي تتناول جوانب التمويل الإسلامي.
ولوحظ من قبل الفقهاء محاولتهم لنشر الجانب التثقيفي لهذا النوع من الأدوات المالية، في الوقت الذي تبين فيه أن بعض المصرفيين الإسلاميين ليسوا على دراية كاملة بمخاطرها.
وفي محاولة منه لإزالة الترسبات السلبية لكلمة المشتقات الإسلامية، طالب الفقيه الماليزي محمد داود بكر الذي يحتل المرتبة الخامسة عالميا من حيث عدد الهيئات الشرعية التي ينتمي إليها بحسب تصنيف مؤسسة ''فوندز آت وورك، طالب بتغيير ذلك الاسم إلى ''التحوط الإسلامي''.
من جانبه حذر الدكتور عبد الباري مشعل المدير العام لشركة رقابة للاستشارات المالية الإسلامية، خلال حديثه لـ ''الاقتصادية'' من مغبة وقوع المؤسسات المالية الإسلامية في ''فخ'' تداول الديون على حد وصفه.
وقال مشعل:'' ليس هناك رضا كامل على الخبرات الماليزية في الخليج. المصرفية ''الماليوية'' - يقصد الماليزية- عندها انفتاح من حيث تداول الدين، وليس شيئا محمودا قضية الاهتمام بتداول الديون كمنتج و بناء المشتقات و تراكمها دون حراك سلعي في الاقتصاد. المشتقات المالية ليست خير كلها وليست شرا كلها''.
وتابع: '' الحقيقة نريد أن نتحفظ بألا يكون هذا الاتجاه الجديد فرصة لإيقاع المصرفية الإسلامية في فخ تداول الديون وإنما التفكير في ابتكار وتعديل المنتجات التي تخدم العمل السلعي. فلاشك أن تداول الديون أمر مطلوب ويحقق مصلحة لمالك الدين لكونه يتخلص من الدين ويحصل على السيولة من أجل الاستثمار والتطور، فهذا الاتجاه فيه مصلحة للمصرفية. لكن قضية فصل التداول عن الملكية و الأعيان هو الضار للاقتصاد ولاينبغي أن تتجه آلية جهود التطوير''.
فقهاء يجيزون المشتقات
بعض الفقهاء الشرعيين يجيزون المشتقات طالما كان استخدامها للتحوط من المخاطر القائمة على الأدوات الاستثمارية الحالية، وليس في سبيل المضاربة. إلا أنه ليس من السهل تبرير هذه الحجة.
وقال لـ ''رويترز''أجيل نات, كبير التنفيذيين في جامعة (أنسيف) الماليزية، ''إن الإسلام يشجعنا على إدارة المخاطر. ولكن أين تنتهي إدارة المخاطر؟ وأين يبدأ القمار؟''.
وعن الدعوات المتزايدة لتداول المشتقات الإسلامية بعد أن تمت إجازتها من الفقهاء الآسيويين، يقول مشعل:'' ليس كل شيء مباح هو قابل للتطبيق على مستوى الاقتصاد والمستوى المؤسسي .لابد له من التقييد من قبل السلطات الإشرافية أو المنع بالنظر لآثاره السلبية''.
وهنا يقول لـ ''الاقتصادية'' جون ساندويك، مستشار إدارة الأصول والثروات الإسلامية:'' يجب علينا أن نتذكر أنه سيظل هناك أناس يسيئون استخدام المشتقات في عالم الاستثمار.هذا الوضع لن يتغير حتى لو كان لدينا مشتقات مهيكلة وفق الأحكام الشرعية''.
«أسلحة الدمار الشامل» المالي
ويفضل بعض المستثمرين الابتعاد عن المشتقات على اعتبار أن الموجودات التي تقوم عليها هذه المشتقات يمكن أن تكون غير معروفة، كما تبين لكثير من البنوك الغربية والمستثمرين في الغرب الذين أغرقتهم الخسائر إبان الأزمة العالمية.
ويقول محمد أكرم لالدين، وهو فقيه شرعي يشارك في عضوية عدد من المجالس الفقهية الاستشارية : ''في الشريعة الإسلامية لا بد أن يكون هناك شيء ملموس تقوم ببيعه. لا يجوز لك أن تبيع شيئاً لا تعلم عن وضعه شيئا''.
وعن أثر المشتقات في الأزمة العالمية، يقول ساندويك :''وصف وارين بوفيت المشتقات بأنها ''أسلحة الدمار الشامل'' المالي، ليس بسبب قوتها، وإنما بسبب جوانب ضعفها. نحن نعلم جميعاً أن المشتقات يمكن أن يساء استخدامها كذلك، تماماً مثل كثير من المنتجات الجديدة العظيمة في الأسواق المالية في عصرنا الحاضر. مشكلة المشتقات هي أنها ذات تكلفة قليلة، وهي طريقة ذات كفاءة عالية بالنسبة للمستثمرين على نحو يدفعهم بكل سهولة للمقامرة من خلالها. ''و يواصل:''بالنسبة لهؤلاء المستثمرين لا تعتبر المشتقات أداة لإدارة المخاطر، وإنما هي لتعظيم المخاطر (والمكاسب المحتملة من وراء ذلك). في هذه الناحية بالذات نستطيع أن نرى الاستخدام السيئ الفعلي للمشتقات.
تسويق المشتقات باسم جديد
منعا لإثارة الجدل، فضل العالم الماليزي المتخصص في التمويل الإسلامي محمد داود بكر استخدام الحجة العقلية ليبرر استبدال اسم المشتقات الإسلامية بـ ''التحوط الإسلامي''.
حيث يقول:''لا يجوز أن نطلق عليها اسم المشتقات الإسلامية، لأن المشتقات تتألف من عنصرين لا بد من وجودهما فيها: الأول هو أنها منتجات مشتقة من المنتَج الأصلي (أي الموجودات التي تقوم عليها). الثاني هو أنه يجب أن تكون المشتقات قابلة للتداول في السوق وأنه لا ينبغي لنا أن نسمح بذلك من وجهة النظر الشرعية. لذلك أتقدم بهذا الاقتراح إلى الأجهزة التنظيمية: لا تطلقوا عليها اسم المشتقات الإسلامية، وإنما سموها ''التحوط الإسلامي''.
وعلى الرغم من أن الفقهاء أجازوا بعض المبادئ، مثل بيع العربون، والمرابحة، والتحوط الحقيقي، فإنهم لم يتبنوا السمات الكاملة لمنتجات المشتقات التقليدية، مثل قابلية هذه الأدوات للتداول في السوق الثانوية. وإن أياً من هذه الأدوات ليست له سمة المضاربة، على اعتبار أن الهدف الأساسي هو التحوط وليس المضاربة. يقول بكر:''وبصورة أبسط، هذه المنتجات القائمة على أحكام شرعية مقبولة ليست ''مشتقات '' تامة في طبيعتها، وذلك لأن الفقهاء أجازوا هذه المنتجات لغرض التحوط من الأخطار المحتملة، وليس للاستفادة من الاتجار بالمخاطر، والعلاوة الخاصة بذلك''.
وعما اذا كان هذا الوقت المناسب لتوحيد معايير المشتقات، قال الدكتور أزنان حسن، مستشار شرعي ماليزي لدى أكثر من 20 مؤسسة مالية:''من الصعب أن نقرر ما إذا كان هذا هو الوقت المناسب من عدمه. لكنني أرى أن من الممكن توحيد معايير بعض الهياكل الأساسية في المشتقات، مثل عقد المرابحة''.
ضمانات على تحمل المخاطر
وتلجأ البنوك الدولية للمشتقات لأنها تساعدهم في عملية بيع الديون وبذلك إزالة تلك ''المخاطر'' من ميزانياتها العمومية. ويرى بكر إن الآراء حول ما إذا كانت البنوك الإسلامية تستطيع أن تتقاضى رسوماً على الضمانات التي تقدمها'' للحماية من المخاطر بدأت تتغير مع الوقت''. و على خلاف الفقهاء الآخرين، يفتي الفقيه الذي يقدم النصح والمشورة لهيئة المحاسبة، بأنه ينبغي السماح للبنوك الإسلامية أن تتقاضى رسوماً على الضمانات التي تصدرها و الخاصة بالحماية من المخاطر. حيث يرد على الفقهاء الذين يحرمون ذلك بقوله: لقد أفتى بعض الفقهاء بعدم جواز فرض المؤسسات المالية مقابلاً على ما تقدمه من ضمانات، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر سلباً في خطابات الضمان وعلى ضمانات حسن التنفيذ.''إلا أن بكر رفض هذا الاعتراض لأن الحقائق التجارية في رأيه تقتضي أن يتم الدفع مقابل تحويل عوامل الخطورة عن البنك أو الجهة المصدرة.
وقال بكر لوكالة رويترز على هامش منتدى للاستثمار الإسلامي: ''كيف تتوقع من البنك أن يضمن للحكومة قيام المقاول بتنفيذ العمل في الموعد المحدد من دون أن يتقاضى أية رسوم من المقاول؟''.
وقال إن بعض البنوك تفرض رسوماً على الضمانات في حين أن البعض الآخر لا يفعل ذلك. ''في الماضي كانت الضمانات تتم عن طريق أفراد العائلة، وكانت المعاملات تتم بين شخص وآخر في الغالب. ولكن الضمانات أصبحت الآن منتجاً مالياً''. وتابع : إن البنك الذي يقوم بنقل الخطورة لا يستطيع تغليفها وبيعها ''لأنك في هذه الحالة تقوم بالفصل بين الخطر والأصل''، وهذه ممارسة شبيهه بمبادلات التخلف عن سداد القروض في المصرفية التقليدية.
وفي الفترة الأخيرة تعرضت المشتقات ذات التعقيد البالغ إلى تمحيص واسع النطاق من قبل الأجهزة التنظيمية والرقابية ومن قبل الحكومات في العالم الغربي، وذلك بالنظر إلى دورها في الأزمة الائتمانية. وقد ألقِي اللوم على بعض المنتجات، حيث قيل إنها نشرت مخاطر الموجودات الرديئة بدلاً من احتوائها، وعملت على تضخيم أثر الخسائر في فترة التراجع الاقتصادي.
وفي العام الماضي، قام بنك سي أي إم بي الإسلامي الماليزي، ، بإطلاق أداة للتحوط في مجال العملات الأجنبية، يستطيع المستثمرون من خلالها الدخول في تعامل إسلامي مع البنك.
في هذا التعامل، فإن العوائد الصافية، التي تشبه المبالغ التي تدفع على الخيارات التقليدية، تعطي المستثمرين الحق في ممارسة الخيار بالسعر المتفق عليه عند تاريخ الاستحقاق.
لكن بعض المصرفيين يقولون إن الصناعة تَجهَد في الوقت الحاضر للعثور على عقود إسلامية كافية يمكن استخدامها لخلق المشتقات.