هل هي جسارة الوزير؟
عندما تكون هناك أزمة جائحة ويصر المسؤول الأول على الظهور أمام الصحافيين وعدسات الإعلام فإن ذلك يعد نوعا من الجسارة والشجاعة ـــ واللقاء الذي جمع بين وزير الصحة الدكتور عبد الله الربيعة وفريق عمله والإعلاميين كتاب الرأي في جريدة «الاقتصادية» أستطيع أن أطلق عليه جسارة وشجاعة من الوزير لأن جهاز وزارة الصحة واجهة من زجاج شفاف للجميع وقابلة للكسر والخدش لأسباب مهنية وإدارية وتاريخية, هي تراكمات الوزراء والإدارات السابقة، التي جعلت أي وزير يأتي إلى جهاز الصحة ينشغل بالإصلاح والترميم بدلا من أن يباشر بالتطوير والإضافة والتحديث.
الثقة التي ظهر بها الوزير الربيعة ليس بما (يخبئه) من جرعات لقاح إنفلونزا الخنازير التي وصلت إلى المستودعات الطبية لوزارة الصحة, لكن مصدر الثقة والتماسك أنه استطاع أن ينجز الخطة الاستراتيجية لوزارة الصحة, التي يقول عنها الوزير إنه عكف عليها منذ توليه الوزارة وشاركه في إنجازها فريق وزارة الصحة وشركات أجنبية واستعان بخبرات وتجارب دول مثل أمريكا وبعض الدول الأوروبية.
فأي وزير يتجرأ ويعلن استراتيجية وزارته يعد شجاعا بالحد الكافي, خاصة أنه قدمها للملك عبد الله ــ حفظه الله ــ وأصبحت الآن في أيدي وتحت نظر ومتابعة الجهات الرقابية وأجهزة المتابعة من أعلى جهة في أجهزة الدولة وتحت رقابة الأجهزة التنفيذية في القطاعات ذات الشأن وتحت رقابة الصحافة والإعلام والمجتمع.
أجزم بأن الدكتور عبد الله الربيعة ليس نادما لأنه أنجز وأعلن استراتيجية الصحة وقدم خطط ووثائق وزارته إلى الجهات الرقابية وأعلنها عبر موقع الوزارة وأطلعها على بعض وسائل الإعلام، ليس نادما لأنه يعتقد أن هذا هو الإجراء الصحيح الذي يجب أن يكون.
في وقت نجد فيه كثيرا من قطاعات الدولة, خاصة قطاع الخدمات, ما زال مترددا أو لم ينجز بعد خطته الاستراتيجية ولم يدخل بعد في المنهجية الملزمة لأداء القطاع.
ما زال بعض قطاعات الدولة الخدمية لم تعلن عن نفسها ولا عن مشاريعها ومشغولة بقضايا إجرائية ولوجستية, وهذا ما يجعل كل وزير عندما يتولى الوزارة يرجع إلى المربع الأول ويدخل في دهاليز النواحي الإجرائية واليوميات ويغفل عن التخطيط والتطوير.
الدكتور الربيعة وضع نفسه في تحد مع التخطيط والفيروسات العنيدة التي استقبلته مع بداية (التوزير), والآن تتحد وتتلازم مع موسم الحج وفصل الشتاء وكأنه على موعد مع حملة شرسة ندعو الله أن يقينا ويحمينا من تلك المتلازمات.. فالصحة أحد الخطوط الأمامية والرئيسة مع التعليم والاقتصاد لكننا ننظر إلى الصحة التي عاشت زمنا على هامش النجاح وتحقيق الأهداف, ننظر إليها على أنها القلب النازف المفتوح الذي يجب أن يخضع لجراحات وعناية فائقة. لن نكون دولة حضارية ومنافسة وسباقة ونحن معطوبون من الداخل, تهزمنا الفيروسات والإجراءات والأداء المتواضع, نحن دولة لها طموحها وأحلامها ولن نحقق طموحنا إلا إذا كنا أصحاء ومعافين ــ بإذن الله ــ حتى نفكر بشكل صحيح وعميق وتكون مخرجاتنا سليمة. هذه الأوبئة والحوادث جائحة (جوائح) التي تكتسح العالم هي (منبهات) من الله العلي القدير، علينا أن نتعامل معها بالانضباط والتدبر والعودة إلى الله والدعاء والاستعداد الصحي والإجرائي والخطط لبناء مجتمع يقظ وواع لموجات من الفيروسات والأوبئة المتوقعة. حمى الله بلادنا وبلدان العالم من تلك النوازل والأوبئة إنه سميع مجيب.