كليات إدارة الأعمال العالمية تضيف مقررات دراسية لـ «المالية الإسلامية»
صحيفتا ''وول ستريت جورنال'' و''نيويورك تايمز'' تسلطان الضوء وفي أسبوع واحد على ظاهرة برامج الماجستير في المالية الإسلامية. ولكن هناك من يشكك في جودة المخرجات التعليمية، خصوصا مع النقص الواضح في الكفاءات التعليمية المتخصصة في التمويل الإسلامي.
تنامي المصرفية الإسلامية وتبوؤها مكانة مرموقة خلال الفترة الأخيرة خصوصاً مع الهزة التي تعرضت لها البنوك التقليدية إثر الأزمة المالية العالمية اضطر كليات الأعمال في الوقت الحالي في مختلف أنحاء العالم إلى إضافة مقررات دراسية وبرامج خاصة ودرجات متخصصة لتدريب الطلاب على هيكلة الاستثمارات التي تتماشى مع الأحكام الشرعية في الإسلام.
لاحم الناصر الخبير في المصرفية الإسلامية شكك في المستوى الأكاديمي للغربيين الذين يشرفون على برامج التمويل الإسلامي. حيث قال: ''أعرف بعض الدارسين حاليا في بعض الجامعات الأوروبية والمقررات في معظمها اجتهادات فردية وليس هناك منهج أكاديمي في هذا المجال، معظمهم يدرسون ماجستير ودكتوراه والكثير منهم يطلبون الاستشارة منا دائماً''.
ويتابع اللاحم في وصف تجربته مع الطلاب العرب الذين يحضرون الدكتوراه: ''لقد وجدت أنه ليس هناك أي إدراك للمشرفين عليهم بالمصرفية الإسلامية وأساسياتها فضلاً عن الأمور المعقدة فيها، ويتركز عملهم في الإشراف فقط بحكم أنهم أساتذة في الجامعة فقط ويقولون لطلابهم نحن نشرف عليكم، ونتعلم في الوقت نفسه''.
الظهور المفاجئ
وأسهم الظهور ''المفاجئ'' لبرامج الماجستير في التمويل الإسلامي في وضع الطلاب العرب في حيرة من معرفة الجامعات التي تقدم برامج ماجستير ذات جودة عالية، من الجامعات التي أوجدت مثل هذه البرامج في وقت وجيز من دون الاهتمام بجودة ''المنتج التعليمي''، مما يجعلها في مصاف الجهات التي ترغب في استغلال طفرة النمو السريع لصناعة التمويل الإسلامي، وذلك بالحصول على أكبر عدد من الطلاب من دول العالم الذين يطمحون في العمل في هذا القطاع الذي صمد في وجه الأزمة المالية.
وعلق الناصر على بعض الجامعات الغربية التي استغلت طفرة التمويل الإسلامي من أجل التكسب من برامج التمويل الإسلامي ضعيفة المستوى، بقوله:''هل لدينا دليل يثبت تكسب هذه الجامعات و تركيزها على المادة؟ لا يمكننا الحكم بطريقة سليمة ما لم نطلع على هذه البرامج وماهيتها ثم نحكم عليها. في بعض الأحيان مفردات التعليم صحيحة لكن معلميها سيئون''. وأسهمت هذه الجامعات في تنويع ''محفظة'' المواد الدراسية الخاصة بالتمويل الإسلامي. حيث بدأت بعض الجامعات في إضافة تخصصات أخرى وذلك بدمجها مع المالية الإسلامية. فنجد أن الجامعات الفرنسية تركز على الجوانب القانونية، في حين تركز الجامعات البريطانية على برامج إدارة الأعمال و المصرفية الاستثمارية. ولايتوقف ''هجين'' المواد الدراسية الخاصة بالتمويل الإسلامي على ذلك فقط، بل يمتد بعض الأحيان إلى التركيز على فقه المعاملات كما هو الحال مع الجامعات الماليزية. ولاحظت ''الاقتصادية'' إرسال بعض المؤسسات المالية الإفريقية (نيجيريا والسودان) موظفيها للالتحاق بمثل هذه البرامج في بريطانيا .
نقص الخبرات التعليمية
الثروة الهائلة للعالم الإسلامي التي تعززت بفضل أسعار النفط المرتفعة، إلى جانب المسلمين الذين يهتمون بصورة متزايدة باستثمار أموالهم في سبل تتفق مع الأحكام الشرعية، كل ذلك كان السبب المحرك للعدد الكبير في هذا العقد من المنتجات المالية الإسلامية المتخصصة. يقول جون بورد، من جامعة ريدينج في بريطانيا ''حين ينمو قطاع معين بهذه السرعة فإن أول شيء نحس به هو النقص في الخبرة''.
وهنا قالت بيث جاردنر من صحيفة وول ستريت جورنال:'' ترى كليات إدارة الأعمال أن الطفرة بلغت من حداً كبيرا حتى أنها تجد صعوبة في توظيف الأساتذة الذين يتمتعون بالخبرة اللازمة في العلوم المالية، وفي الوقت نفسه في الأحكام الشرعية الخاصة بالأمور المالية. ''حيث يفضل بعض الأساتذة العمل في القطاع المصرفي الإسلامي نظرا لحزمة العروض المالية التي يعرضها عليهم هذا القطاع ''.
وعما إذا كانت الجامعات الأوروبية مؤهلة لتقديم برامج التمويل الإسلامي، يقول اللاحم إن بعض ''الجامعات الأوروبية غير مؤهلة لتقديم هذه البرامج لعدم وجود الخلفية عن المصرفية الإسلامية التي لا توجد لها مناهج ثابتة وبرامج محددة سبق أن قام بتدريسها أحد، الأمر قائم على الاجتهادات الشخصية.'' ويتابع:''وبالتالي علينا أن نرى مفردات البرنامج التعليمي من أجل أن نحكم عليه فيما إذا كان جيدا أم لا. وكذلك علينا أن نعرف من الذي وضعه وما هي المادة المقدمة ومن الذي يقدمه''.
ويواصل:''يجب أن يشرف على هذه البرامج أناس مؤهلون في المصرفية الإسلامية، علمياً ومعرفياً، مع امتلاكه خبرة في هذا القطاع (يقصد المالية الإسلامية) حتى نثق بهذا البرنامج، أما أن يتم الاعتماد على مسميات المصرفية الإسلامية فقط، وذكر بعض المفردات مثل المرابحة وغيرها، هذا أمر غير صحيح.
الجامعات البريطانية والسعودية
يذكر أن الجامعات في الدول الإسلامية، خصوصاً في ماليزيا، تمكنت في الفترة الأخيرة من توسيع برامج المصرفية الإسلامية. وفي خارج العالم الإسلامي، تسعى بريطانيا منذ فترة لتكون المركز الرئيسي للأعمال التي من هذا القبيل، حيث يوجد على الأقل 22 بنكاً تقدم نوعاً من المنتجات المالية الإسلامية، إلى جانب 55 مؤسسة تعليمية بريطانية، بما في ذلك كليات الأعمال ومؤسسات التدريب الخاصة، تقدم مقررات دراسية في هذا المجال، كما تقول روث مارتن، العضو المنتدب لمعهد الأوراق المالية والاستثمار، وهو جهاز متخصص مقره لندن. وكانت جامعة سالفورد آخر الجامعات البريطانية التي بدأت في الترويج لبرنامجها عن التمويل الإسلامي في بروناي وسبقتها جامعة نيوكسل البريطانية التي مزجت بعض المواد القانونية في منهج التمويل الإسلامي.
القانونيون الفرنسيون يدخلون على الخط
أما في فرنسا فالصورة مختلفة إلى حد ما. فبينما يمثل الطلاب السوق الكبرى لبرامج التمويل الإسلامي في الجامعات الماليزية و البريطانية، نجد أن القانونيين بدأوا في الدخول على هذا الخط.
فالمحامون الفرنسيون الذين يريدون الحصول على حياة عملية مهنية لا بد لهم من حضور مقررات دراسية في المصرفية الإسلامية،وذلك على نحو يوفق بين مبادئ الاقتصاد الغربي وبين الأحكام الشرعية الإسلامية.
فقد كانت شركات المحاماة هي الجهة الأولى في فرنسا التي أدركت أهمية المصرفية الإسلامية، وتبعها في ذلك مديرو البنوك الذين يبحثون الآن عن خبراء في التمويل الذي يتفق مع الأحكام الشرعية.