التدريب من خلال الإنجاز أفضل تجربة للتعلم
من المتفق عليه تماماً أن التجربة هي أفضل معلم. وتدعم البحوث الخاصة بمركز القيادة الخلاّقة بقوة الحكمة التقليدية التي تقول إن الناس يتعلمون من خلال الإنجاز والفعل. غير أن الشركات حين يتعلق الأمر بتخطيط التعليم، تركز بصفة خاصة على الدورات التعليمية الرسمية كطريقة لتكوين المواهب. وتخصص الشركات كثيرا من مواردها التعليمية للأغراض التدريسية.
ويقدر ما دفعته الشركات الأمريكية على تدريب وتعليم الموظفين لديها بـ 129 مليار دولار خلال عام 2006 وحده، حسب بيانات الاتحاد الأمريكي للتدريب والتنمية. وعلى الرغم من هذه التكاليف المرتفعة، فإن ذلك لا يشكل سوى 10 في المائة من المعرفة التي يحتاج إليها المديرون من أجل تطوير مهارات ضرورية للغاية.
فكيف تتم بقية التدريب؟ إن الإجابة الرئيسية عن كيفية اكتساب الناس المهارات وتطويرها هي العمل بحد ذاته. وتفيد الدراسات المختصة أن 70 في المائة من التطوير الذي يعيشه الإنسان ينتج من خلال التحدي، والمهام التي يكلف بها المرء في عمله للمرة الأولى. وإن أفضل ما يمكن أن يتعلمه الإنسان هو حين يتعرض لظروف عمل غير مريحة في بعض الأحيان. ويعتمد النجاح والفشل على مدى قدرة الشخص ذي العلاقة على تعلم شيء جديد. ويشير المسؤولون التنفيذيون على الدوام إلى أنهم مروا خلال حياتهم العملية برؤساء عمل أجبروهم على أداء مهام كانوا يخشون الانخراط فيها. وثبت أن ذلك الانخراط كان أهم جانب تطويري في مسيرة حياتهم العملية، وتقدمها نحو الأفضل.
الوظائف كفرص للتعلّم
إن تكرار المهارات لا يماثل التطور دائماً. وحتى يكون العمل مشجعاً على التطوير، فإنه يجب أن يتخطى مجرد الترقية المباشرة. ولا يكفي أن يكون العمل جديداً، بل يفترض أن يكون نوعاً من التكليف الذي لا يملك المرء كل أدوات أدائه. وعلى المرء في هذه الحالة أن يعود إلى جميع مهاراته، وأن يبذل، إضافة إلى ذلك، جهداً خاصاً لإنجاز المهمة التي جرى تكليفه بإنجازها، حيث إن التطوير عملية مطلوبة للغاية، إذ إن مطالب العمل تسحب الشخص المعني، وتجبره على تطوير مهارات جديدة، وعدم الاكتفاء بالركون إلى عادات كان يمارسها في الماضي.
ويظهر حين المقارنة بين الصناعات المختلفة، أن هنالك أعمالاً تؤدي إلى تطوير القائمين بها أكثر من غيرها. وتتصف هذه الأعمال بالآثار القوية، والمخاطر العالية، وبالتالي فإنها تقدم فرصة عظمية للتعلم. وهنالك عدة عوامل تؤدي إلى إيجاد وظائف تعمل على التطوير وبناء القدرات، ومنها:
وجود مدير مؤمن بالتغيير: يتولى مثل هذا النوع من المديرين قيادة جهود التغيير، أو تطبيق شيء ذي أهمية خاصة، مما يؤدي إلى تطوير النشاط العملي، وتوفير تكامل ثقافي يعمل على دعم مسيرة العمل. وإن سمة التغيير لدى المديرين تعمل على تطوير قدرة تحفيز الآخرين على العمل، والتعامل مع المهام الغامضة.
وجود نقاط التحول: يتعلق الأمر هنا بقدرة إدارة النشاط العملي على التخلص من الفوضى، حيث يتعلق ذلك بقضايا خطيرة تمس الأفراد، والمشكلات المتعلقة بزيادة الدافعية، ورفع المعنويات. ويتطلب الأمر كثيرا من المهارات الاستراتيجية، وقدرات إدارة النزاعات والصراعات.
مهام تتعلق ببدايات جديدة: تعمل المهام المتعلقة بالبدايات الجديدة على جعل الشخص يمارس نشاطات جديدة، سواء كان الأمر يتعلق بإنشاء فريق عمل، أو إيجاد نظم عمل جديدة، ومرافق، ومنتجات. وإن من شأن هذه المهام الخاصة بالبدايات الجديدة تعليم الأفراد الابتكار، والمهارات الخاصة بتحديد الرؤى العملية الصحيحة.
التحولات الخاصة بمهام الفرد والأفراد: إن التحول من المهام المتعلقة بنشاطات الأفراد المعتادة إلى مهام العمل المخصصة يعمل على بناء المهارات، والانسجام اللازم لتطوير النشاط العملي. وإن التحول من المسؤوليات المعتادة إلى مهام التنفيذ الدقيقة يعمل على تطوير القدرات على صعيد كل من الشركات والأفراد.
المهام الدولية: إن هذه المهام تتعلق بإنجاز أعمال في الخارج تستغرق سنة أو أكثر بعيدة عن البيئة المعتادة لدى قادة النشاطات العملية. وتتضمن مثل هذه المهام الدولية في العادة، أدوراً جديدة في ممارسة النشاطات العملية ضمن بيئات ثقافية مختلفة. وتعمل هذه المهام الخارجية على صقل مهارات تحديد المنظور، وإتقان فن العلاقات مع الآخرين.
عضوية فرق إنجاز المهام: بينما يمكن تصنيف معظم الأعمال في الشركات القائمة كأعمال تتعلق بالمشاريع، فإن هذا النوع من العمل يرتبط بكون المرء عضواً في مجموعة ذات هدف مهم ومحدد، وتعمل تحت إدارة مشرف ذي رؤية مستقبلية متعددة يراعي دقة المواعيد المحددة. ويطور العاملون وفقاً لذلك مهارات حل المشكلات، وتحديد الأولويات.
أهمية مطالب الأفراد: إن وجود زيادة كبرى في عدد الأفراد المطلوب إدارتهم، أو تطوير قدراتهم على مواجهة التحديات الخاصة بالتعامل مع البشر، يتطلب مستوى عالياً من المهارات الإدارية. ولا بد للمدير، حتى ينجح في ذلك، من امتلاك وتطوير مستويات عالية من الكفاءات الإدارية مثل التخويل، وإدارة وقياس نتائج العمل، وتقديم المعلومات.
إن هذه الدروس والخبرات المتضمنة في هذه الأنواع من المهام المختلفة تعمل على بناء المهارات على نطاق واسع، وتؤهل المديرين، والمسؤولين التنفيذيين كي يتمكنوا من تحقيق النجاح المستقبلي. وفي جعل هذه الدروس والخبرات أساساً للانطلاق، تتمكن الشركات من تحديد الأعمال والمهام التي تقدم أفضل فرص التطور لنشاطاتها العملية. ويتضمن ذلك التفاصيل التي يتطلبها العمل، مما يساعد في تطوير المهارات اللازمة لتحقيق ذلك، وزيادة فرص تعلم المرء من عمله، والاستفادة من كل التحديات التي تشملها هذه العملية.
وبعد أن يتم تحديدها بدقة، فإن هذه الأعمال هي التي ينبغي أن تصبح محور تخطيط عمليات التطوير. وإن العمل على تحدي بعض الأطر العملية القائمة باستراتيجيات مهام محددة، يساعد الشركات على إنجاز المهام بصورة جيدة من خلال توفير فرص لمديريها لتطوير مهارات التمايز. ولن يستطيع المديرون العاديون أن يصبحوا مديرين خارقين للعادة، إلا من خلال استخدام الشركة كغرفة صفية.