الثقافة المصرفية تبالغ في التركيز على الأرباح بمفهموم التكلفة
لا يعتبر المتداولون «الماليون المارقون» ظاهرة جديدة على الإطلاق، ولكن حين يتم اكتشاف نشاطاتهم من جانب رؤسائهم في العمل، فإن حجم الأذى يمكن أن يكون بلغ مئات الملايين، أو حتى مليارات الدولارات التي تبرز في صورة خسائر. وكان الأول بين أولئك المارقين هو نيك ليسون الذي تسبب في خسائر لبنك بارنجز عام 1995 وصلت إلى 860 مليون جنيه استرليني (نحو 1.4 مليون دولار) نتيجة التعامل بصفقات مالية.
أما في أيامنا هذه، فإن بنك سوسيتي جنرال الفرنسي الذي يعتبر من أكبر بنوك العالم، يحاول جاهداً معرفة كيف تمكن متداول مارق، اسمه جيرمي كيرفيل، من التسبب منفرداً في خسائر تبلغ نحو خمسة مليارات يورو.
ونقل عن ليسون قوله إنه لم يفاجأ بوقوع فضيحة التداول المارق مرة أخرى، «وإن الأمر يمكن أن يكون ممارسة يومية في الأسواق المالية. غير أنه قال لهيئة الإذاعة البريطانية إنه فوجئ بحجم الأموال المتضمنة في فضيحة بنك سوسيتي جنرال.
ويقول جان ديرماين أستاذ النشاطات المصرفية والمالية «إن بنك سوسيتي جنرال من البنوك العالمية الرائدة في التداول بمشتقات الأسهم، ولذلك فإنه كان من المتوقع أن تكون لديه أفضل أنظمة إدارة المخاطر».
غير أن هذه الأنظمة مرتفعة التكاليف، كما أنها لا تقدم منافع ملموسة، لأن من الصعب تقدير تكلفة القرض لمثل تلك الأنظمة في الأحوال العادية حين لا تكون هنالك خسائر. والأكثر من ذلك أن هنالك ضغوطاً تمارس بصورة مستمرة من أجل تقليص التكاليف في مختلف البنوك. إن قضية بنك سوسيتي جنرال تبرز عدم كفاية وملاءمة إجرءات السيطرة الداخلية ضمن البنوك، مما يوحي بأن على مشرعي البنوك المركزية أن يلعبوا دوراً أكثر حيوية في ضبط المسجلات المالية للمؤسسات المصرفية الكبرى. غير أن الأستاذ ديرماين يجادل بأن الاعتماد على البنوك المركزية وحدها لا يمثل الحل الأمثل، ويرى أنه «لا بد من توجيه الضغوط نحو المؤسسات المالية لتقوم بهذا العمل بنفسها». ويمكن أن يتم ذلك عبر زيادة الإفصاح عن المعلومات، و»مطالبة البنوك بأن تعلن عن خسائرها التشغيلية في نهاية كل عام التي يمكن أن تتضمن مثل تلك الخسائر الناجمة عن عمليات التداول».
ويبدي كريج سميث، أستاذ أخلاق النشاط العملي ومسؤولية الشركات ، دهشته من غياب الضوابط الأخلاقية لدى جيروم كيرفيل الذي «غامر بأموال الآخرين، وكان عليه أن يعرف أن ذلك أمر خاطئ». وسبق لهذا الأستاذ أن نشر ورقة عمل بعنوان «لماذا يفشل المديرون في القيام بالأشياء الصحيحة: دراسة عملية للسلوك غير الأخلاقي وغير القانوني».
ومن بين الحجج التي أوردها كيرفيل ليبرر تصرفاته في خرق قواعد عمل البنك «إن الآخرين كانوا يقومون بالشيء ذاته». وهذه طريقة معتادة في إنكار التصرفات التي يقوم بها المرء». ولكن لو كانت تصرفات كيرفيل قد أدت إلى أرباح للبنك، بدلاً من الخسائر، فهل كانت ستتم مكافأته على ما فعل؟
إن ديرماين مقتنع بأنه بغض النظر عن مسألة الربح والخسارة في قضية كيرفيل، فإن على البنك أن يطرده بمجرد اكتشاف صفقاته وتداولاته غير المرخص بها. وهذا الأمر بالذات يجعل المرء يتساءل: كيف استطاع كيرفيل أن يمارس كل هذه النشاطات طوال هذا الوقت، طالما أنه لم يكن باستطاعته أن يكشف لرؤسائه عن أنه يقوم بتداولات غير مرخص بها، بغض النظر عما تسببت فيه من خسائر، أو ما كان يمكن أن تتسبب فيه من أرباح للبنك.
وفي ظل استمرار انتظار نتائج هذه التحقيقات، فإن كريج سميث يرى «أن الطموحات الضخمة لرجل دخيل على المهنة، بمعنى أنه لم يكن خريجاً للكلية العظمى التي تعتبر إحدى أفضل كليات فرنسا في هذا المجال، إضافة إلى الثقافة المصرفية التي تبالغ كثيراً في التركيز على تحقيق الأرباح، تعتبر عوامل محتملة لا بد من دراستها لدى محاولة معرفة ما الأمور التي حدثت بالفعل في قضية سوسيتي جنرال».