عثمان صالح .. يمني عاش بين الجنود في الحرب والحج
من قمة جبل بران الواقع في منطقة صعدة، التي تدور فيها مواجهات بين المتمردين الحوثيين والجيوش اليمنية، صوب عثمان صالح المواطن اليمني النازح من هذا الجبل مع أسرته إلى مراكز الإيواء، وجهه إلى المشاعر المقدسة، وشد رحاله إليها ليؤدي مناسك حجته الأولى تاركاً خلفه أسرة تشعر بالخوف من ذهاب عائلها، وقلبه يكتنفه الألم على فقدان أخيه الذي راح ضحية غدر من أيد آثمة تسمى الحوثيين.
خرج هذا الحاج من منطقة عسكرية يكثر فيها الجنود، تعج بحرب ضروس تكثر فيها الطلقات النارية وأصوات المدافع وهي تطلق القنابل في كل حدب وصوب، إلى منطقة أخرى ينتشر فيها رجال الأمن لكن مختلفة كلياً عن السابقة، حيث يشعر فيها الحاج عند رؤية رجال الأمن المدججين بالأسلحة بالأمن والفخر بأن هناك من يحميه.
يقول عثمان صالح لـ "الاقتصادية" وهو يبحث عن مقر سكن أقرانه من اليمنيين، "عزمت الذهاب إلى الحج منذ أشهر عدة وقبل أن تبدأ الحرب، ادخرت مبلغاً من المال كنت أجمعه منذ سنين لهذه المناسبة العظيمة، حيث كنت أمني النفس للقيام بتأدية واجب ديني فرضه الله عز وجل علينا، ولكن الظروف لم تأت بما نريد، حيث بدأت الحرب تقرع طبولها، أيقنا أنها ستصل إلينا لا محالة، وهذا ما حصل عندما تساقطت القنابل على رؤوسنا في منازلنا من قبل المدافع والطائرات التابعة للحكومة أو من قبل المتمردين الحوثيين، حيث أصبحت قريتنا التي تقع على قمة جبل بران مسرحا عسكريا تدور رحى الحرب فيه".
ويضيف: "فقدنا في هذه الحرب أخي وبعضا من أبناء العمومة في القرية، بعدها قررنا النزوح الى أسفل الجبل تاركين خلفنا منازلنا ومتاعنا، وأشياء شخصية ثمينة، كالأموال وذهب النساء وغيرها، وقتها لم أستطع أن آخذ من مدخراتي سوى مبلغ قليل من المال لا يتجاوز 1500 ريال سعودي، بقينا بعدها في مراكز الإيواء نراقب الحرب من كثب، ممنين النفس بانتهائها كي نعود الى ديارنا، أما أنا فقد احترق قلبي شوقا للعودة للتجهيز للذهاب إلى الحج".
وأضاف صالح " لكن الأمر طال وموعد موسم الحج يقترب، بدأت أشعر باليأس وفقدان الأمل في تأدية مناسك الحج لهذا العام، عندها فوجئت بمجموعة من الأصدقاء يأتون إلى حاملين لي الأموال التي ستساعدني على إتمام الحج، على أمل أن أعيدها لهم بعد زوال الشدة التي نمر بها، وأنا عازم على ذلك".
يشعر عثمان صالح بالطمأنينة والروحانية وهو يتجول داخل المشاعر المقدسة، بعد أن كان يعيش بين المطرقة والسندان خلال الحرب، حاملا حياته وحياة أسرته بين كفيه،" لقد انزاحت مشاعر الرهبة والخوف الذي سببته لنا الحرب وحل محلها مشاعر الطمأنينة والسكينة والخشوع ونحن في هذا البلد المقدس، عندما رأيت الكعبة ارتميت عليها وبكيت حتى أفرغت كل مشاعري بدموع انسابت على قماشها، أدعو الله أن ينعم على أهل هذا البلد بالأمن والاستقرار، لأنهم يقدمون خدمات جليلة تسهل علينا أداء مناسك حجنا".
وتدور حاليا حرب شرسة بين الحوثيين واليمينين تسمى بالحرب السادسة حيث انطلقت في الحادي عشر من آب (أغسطس) الماضي, وتوسعت هذه الحرب لتدخل السعوديين على خط النار بعد أن تجرأ ثلة من المتمردين بالتعدي على الأراضي الحدودية التي تفصل السعودية في اليمن، ولا تزال عمليات قمعهم التي تنفذها القوات المسلحة السعودية هناك جارية.