أزمة الرهن العقاري تضرب دبي

في بداية أزمة الرهن العقاري قال السيد بن برنانكي رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الذي كان من ضمن قائمة الشخصيات الأكثر تأثيراً خلال عام 2009 إنه يخاف أن تؤدي الأزمة إلى توقف البنوك عن الإقراض. بالرغم من أن حكومة دبي لا تضمن ديون شركتها القابضة دبي العالمية إلا أنه إلى وقت قريب كان الاعتقاد السائد بين الأوساط المالية أن حكومة أبو ظبي ستتدخل وتدعم حكومة دبي وتخرجها من أزمتها المالية، خصوصاً بعد ما غطى المصرف المركزي الإماراتي إجمالي الإصدار البالغ عشرة مليارات دولار في شباط (فبراير) الماضي وأخيرا ملياري دولار وخمسة مليارات دولار تمت تغطيتها من بنكين من بنوك أبو ظبي.
جاء إعلان دبي العالمية يوم الخميس الموافق 26 تشرين الثاني (نوفمبر) مفاجئاً عندما طلبت تأجيل دفع الدفعة المستحقة على ذراعها العقارية «نخيل» البالغة 3.52 مليار دولار والمستحقة في 14 كانون الأول (ديسمبر) الجاري إلى على الأقل أيار (مايو) 2010. ولم يكن هناك تفسير أو إيضاح أكثر لهذا القرار مما أدى إلى انخفاض الأسواق العالمية بحدة متأثرة بهذا الإعلان خصوصاً تلك الدول التي لديها تعرض أكبر على ديون «دبي العالمية» والشركات التابعة لها مثل «نخيل» ومن أهمها دول أوروبا وبالأخص المملكة المتحدة حيث أعلن بنك HSBC وجود ديون قائمة قدرها 15 مليار دولار. وأعلنت وكالتا التقييم الائتماني «موديز» و»ستاندارد آند بورز» تخفيض التقييم الائتماني للشركات التابعة لـ «دبي العالمية» وهذا يعني ارتفاع المخاطر الائتمانية وبالتالي ارتفاع تكاليف التمويل أو إعادة تمويل ديون «دبي العالمية». وانخفض سعر صكوك نخيل بنسبة 27 في المائة في أول يوم تعامل بعد عطلة عيد الأضحى المبارك مما حدا بـ «نخيل» أن تطلب إيقافها عن التداول. وانخفضت الأسواق العربية التي بدأت تعاملاتها بعد عطلة عيد الأضحى المبارك بشكل كبير، فدبي فقدت 7.5 في المائة و أبو ظبي 8 في المائة والقاهرة كذلك 8 في المائة في أول يوم تعامل.
المشكلة هنا ليست في تأجيل الدفعة المستحقة على شركة نخيل البالغة 3.52 مليار دولار فقط فهذا مبلغ بسيط، ولكن الأسواق المالية استقبلت الخبر كمؤشر على عدم قدرة «دبي العالمية» على الوفاء بديونها البالغة 59 مليار دولار وقدرة «دبي العالمية» على الوفاء بديون تقدر بمبلغ 25 إلى 30 مليار دولار ستستحق خلال 18 شهراً المقبلة. بالتأكيد حكومة دبي لا تضمن قروض «دبي العالمية» كما أوضح حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد والمكتتبون في ديون «دبي العالمية» والشركات التابعة لها هم على قدر كاف من الوعي عن كيف ستستخدم تلك القروض، والعائد عليها أو ما يسمى الكوبون، وفترة السداد، وما الضمانات في حالة عدم القدرة على السداد أو الوفاء بالديون. ولكن تظل حكومة دبي وهي المسيطر على «دبي العالمية» مسؤولة عن كيف استخدمت تلك الأموال، فبناء أكبر جزر صناعية في العالم لا يحمل عائداً تجاريا فقط وهذا ما بحث عنه الممولون بل يحتوي كذلك على مكاسب أخرى تحققها دبي بجانب العائد التجاري، من هذا المنطلق يجب على حكومة دبي الوقوف بجانب شركتها دبي العالمية في هذه الأزمة الخانقة.
وقد أعلن بنك HSBC دعمه حكومة دبي وهذا إجراء حكيم مستفيدين من تجربة الحكومة الأمريكية خلال الأزمة الأخيرة وشكلت لجنة من عدة بنوك لتقييم الوضع وتقديم مقترحات ولكن الموقف لن يخرج عن أربعة احتمالات: الأول، هو أن تقدم حكومة أبو ظبي الدعم المالي لحكومة دبي وقد أعلنت حكومة أبو ظبي موقفها بكل صراحة عن طريق رئيس البنك المركزي بأنها ستدعم حكومة دبي ولكنها ستكون انتقائية، أي أنها لن تدعم كل الديون بل ربما الديون العاملة مثلاً ديون «طيران الإمارات» أو ديون شركة موانئ دبي العالمية ولا أتوقع أن تقدم الدعم لـ «نخيل». كما أن هذا الإعلان لم يتضمن وسيلة الدعم أي هل ستدخل حكومة أبو ظبي كممول وقد قامت بهذا الإجراء خلال الفترة الماضية كما ذكرنا آنفا أو مستثمر من خلال تملك حصص أقلية أو أغلبية مسيطرة على بعض المشاريع المنتجة التي طورتها حكومة دبي على سبيل المثال «طيران الإمارات». الاحتمال الثاني هو أن تبيع «دبي العالمية» أصولها أو جزءاً منها حيث أعلنت «نخيل» أن أصولها تبلغ قيمتها 99 مليار دولار كما هي بنهاية العام الماضي وقد أعلنت «دبي العالمية» صراحة أنها لن تبيع أصولها بالأسعار الحالية التي تعد منخفضة جداً في رأيها. الاحتمال الثالث وهو ضعيف جداً أن تتمكن «دبي العالمية» من إعادة تجديد ديونها Rollover متى ما استحقت وفي ظل التقييم الائتماني المنخفض وبالتالي ارتفاع المخاطر فإن تكاليف تلك الديون ستكون باهظة جداً لجذب مستثمرين محتملين. الاحتمال الرابع أن يتم المزج بين الاحتمالات الثلاثة أعلاه.
التأثير في المملكة، أعتقد أن البنوك السعودية تعرضها محدود جداً إذا لم يكن معدوما على ديون «دبي العالمية». في الجانب الآخر ربما استثمرت بعض البنوك السعودية جزءاً من محفظتها الاستثمارية في ديون «دبي العالمية» أو إحدى الشركات التابعة لها مع تحفظي على هذا لأننا اعتدنا من البنوك السعودية التحفظ في استثماراتها.
وكان ظهور وتصريح معالي الدكتور محمد الجاسر محافظ مؤسسة النقد وافيا وشافيا كالعادة ومن خلاله وضع النقاط على الأحرف وأجاب عن العديد من الاستفسارات دون الحاجة إلى الخوض في التفاصيل وأجاب عن الأهم وهو حجم تعرض البنوك السعودية لديون «دبي العالمية»، والتي تؤكد صلابة الاقتصاد السعودي وحاجته واستيعابه للقدرة التمويلية المتوافرة لدى البنوك المحلية وربما أكثر، مما ينفي حاجة البنوك للبحث عن فرص في الخارج.
أما المستثمرون السعوديون الذين جذبتهم طفرة سوقي العقار والأسهم في دبي فهم بالتأكيد تأثروا بشدة جراء الأزمة، أما شركات التطوير العقاري التي توسعت في سوق المملكة وحازت مشاريع، فبالتأكيد أنها ستقلص أعمالها وستخرج عمّا تستطيع الخروج منه بأقل الخسائر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي