الأحمدي وابنه البار ذهبا ضحية الطوفان وهما يتفقدان ماشيتهما
في جولة ميدانية في موقع الكارثة التي وقعت على أحياء شرق الخط السريع التقت «الاقتصادية» مجموعة من الشبان الذين أنقذتهم طائرات الإنقاذ في الدفاع المدني، وكانوا يروون لنا المنظر المخيف الذي فاجأهم وقت الرجوع إلى منزلهم بعد انتهائهم من الدوام الرسمي في إحدى الشركات الخاصة.
ويقول أحمد الصاعدي أحد الذين تم إنقاذهم من قبل طائرات الدفاع المدني وقت تدفق مياه السيول إلى منطقة الخط السريع إنني حينما كنت متوجها إلى منزلي الواقع في حي الصواعد فوجئت بالخط متوقف من الشمال إلى الجنوب وفي الأعلى طائرات الدفاع المدني تحلق فوقنا، وكان ذلك في تمام الساعة 12:30 من ظهر يوم الأربعاء، وكنت أتوقع أن هناك حادثا مروري في الخط، فجأة إذا بالطوفان الأحمر المقبل أمامنا. جلست أقول لأصحاب السيارات بإن سيلا قادم من الجهة الشرقية فتجاهلوا قولي وعدوني شخص غير عاقل.
ويقول الصاعدي عندما صعدت فوق إحدى الشاحنات المتوقفة على الخط السريع، إذا بالطوفان يمشي ويكسر الحواجز وأنا في حالة رعب وقد شاهدته ونحن متخوفون من انجرافنا معه وكان الطوفان معه أكوام كبيرة من السيارات تتحرك باتجاهنا فكان فوق الشاحنة المتوقفة خمسة أشخاص وعندما ضربت المياه الشاحنة أخذت بالتحرك حتى استقرت بجانب الخط وكانت الطائرات تراقبنا وتماسكنا نحن الخمسة وفجأة صرنا نسمع أصوات صراخ النساء والأطفال وتوسلات الآباء بالمساعدة بإنقاذ عائلاتهم ونحن ننظر إليهم حيث يقدر عددهم بالعشرات، وقد اصطدمت بالشاحنة امرأة كبيرة وتعلقت، وكنا نحاول أن ننقذها لكن سرعة مياه السيل كانت قوية وسحبتها، وعندما ذهب كثير من المياه بدأت طائرات الإنقاذ بالنزول إلى سطح المياه، وذلك على بعد متر واحد من سطح مياه السيول لإنقاذ الخمسة أرواح على الذين كانوا على سطح الشاحنة، وقد تم إنقاذنا، وبعد الجلوس في مركبة الطائرة أغمى علي نتيجة ما رأيته من منظر مخيف ومرعب وبعد أن أفقت من الصدمة الأليمة وتيقنت أنني مازلت على قيد الحياة وأن ما مضى ليس كابوسا أو فيلم رعب تمر صوره البشعة أمامي وتطاردني باستمرار جلست أتفقد أسرتي واتصل عليهم وأطمئن على كل شخص قريب وزميل لي.
ويروي لـ «الاقتصادية» فايز الأحمدي أحد سكان حي قويزة الشعبي وقريب المتوفين، أنه في الساعة 11من صباح يوم الأربعاء أصر الأب على الذهاب مع ابنه إلى ماشيتهم لتفقدها بعد هطول الأمطار في وادي مريخ والعمل على إعلاف المواشي بنفسه. الابن الوفي الذي عمل طوال الفترة الماضية على إيصال أبيه إلى تلك الماشية أخذه القدر وأباه راضيا عنه.
ويقول الأحمدي إنه أثناء تفقدهما الماشية لاحظ قدوم شيء غريب من جهة الشرق للوادي الذي فيه المواشي حيث عملوا على أن يبتعدوا عن الموقع لكن المياه التي تدفقت كانت أسرع حيث جرفت المواشي وسيارته الخاصة « الوانيت» التي جاء بها إلى الموقع وجرف السيل العارم كل شيء ولم يتبق شيء في الوادي سوى الأشجار التي كانت متماسكة في الأرض من القدم، ويشير وهو في حالة حزن إلى أن جثماني الأب وابنه الوفي تم العثور عليهما بجوار قصر درة الأفراح في الصواعد وحولها العديد من الأغنام النافقة والسيارات التالفة والجثث التي لا يعلم من أين جاء بها سيل الأربعاء الأحمر، هكذا سماه نظرا لاحمراره.
وذكر الأحمدي أنه فور سماع أهله بأنباء السيول القوية التي حدثت انتقلت فرحة العيد إلى عزاء ومآس وصلي عليهم يوم الجمعة الماضي وسط حزن أهاليهم وما زال أقاربهم ومعارفهم يواسونهم حتى الآن للتخفيف من المصيبة التي حلت عليهم - رحمهم الله. وأسكنهم فسيح جناته. ويروي القاصدون العزاء قصصا مرعبة لأول مرة على تاريخ جدة وكانت الأحوال الأسرية في بيت قريبه المتوفى تخيم عليها حالة حزن وبكاء وسط تجمع كبير من أسرة الأحمدي التي تعتبر من أعرق الأسر في المدينة المنورة. ويشير الأحمدي إلى أن جوار منزلهم في حي قويزة الشعبي داهم السيل الأحمر عائلة كاملة وأخذ ثلاث فتيات في مقتبل العمر وجرفهن معه ولا يعلم أحد حتى أمس إلى أين جرفهن السيل، حيث إن العديد من العائلات في حي قويزة الشعبي حاليا تعيش في حالة حزن وأسى ويقيمون عزاء المتوفين بعيدا عن منطقة الكارثة في بيوت أقربائهم. وفي السياق ذاته يروي شهود عيان من مواطنين ورعاة أغنام من الجنسية السودانية يسكنون بالقرب من حي الصواعد أنهم رأوا بأعينهم حفرة الموت التي تقع خلف حي الصواعد وهي تبتلع مئات السيارات وعشرات الضحايا أمام أعينهم في وقت واحد.
حيث أخذ أهالي حي الصواعد يتقاسمون الحزن بين ذوي المفقودين وهم يشيرون إلى الحفرة الذي ابتلعت منازلهم وسياراتهم وذويهم بعد أن جرف السيل كل ما أمامه ولم يترك إلا الآلام في ذاكرة سكان الحي الذين تحدثوا عن لحظات الآلام والرعب التي اجتاحتهم خلال لحظات اندفاع السيل نحوهم.