الرأسمالية تزدهر في العالم الافتراضي.. وتعطي التجارة فرصة ثانية

الرأسمالية تزدهر في العالم الافتراضي.. وتعطي التجارة فرصة ثانية

في البداية، كان العالم الافتراضي على الشبكة مكاناً لألعاب الفيديو، والآكشن مثل جراند ثيفت أوتو، أو لقضاء الوقت والدردشة. أما اليوم، فإن المكان مختلف تماماً، حيث انضمت التجارة، والرأسمالية إلى الصورة.
«حدث تغيّر كبير حين قرر العالم الافتراضي أن يمنح الملكية للأصول هناك، الأمر الذي قدّم دفعة لاقتصاد مثير ومزدهر»، كما قال ميكلوس سارفاري، العميد الجديد للتعليم التنفيذي في إنسياد، ومبتكر حرم الجامعة في عالم افتراضي يُدعى الحياة الثانية. «بدأ الناس يطورون ملابس، وأضواء، ومقاعد، وغرفا، ومنازل. ولأنه كانت هنالك ملكية، بدأوا التداول، ولديك اليوم اقتصاد مزدهر، حيث لا يدردش الناس فحسب، ولكن يتسوقون أيضاً: إنهم يتوجهون إلى الحانات التي تولد فعلياً بعض الدخل من تلك الزيارات، حيث هنالك اقتصاد ما يعمل هنا. وقد ولدت الملكية بيئة مماثلة للعالم الحقيقي، حيث يمكن للناس أن يبتكروا مشاريع خاصة بهم، ويمكنك أن تجد حرفياً أي نوع من نشاط العالم الحقيقي.
لقد اشترت إنسياد جزيرتها الافتراضية الخاصة بها في الحياة الثانية لتأسيس حرم افتراضي قبل عام من الآن. ولكن لماذا جزيرة؟ «حين تكون في الحياة الثانية، فإن أفضل طريقة لتكون لديك بيئة خاصة هي أن تشتري جزيرة»، كما يقول سارفاري. وهنالك متوازٍ آخر مع الحياة في العالم الحقيقي: «إن تكلفتها تصل إلى نحو ألف دولار، وعلينا أن ندفع إيجاراً شهرياً بقيمة مائة دولار، وإنها صفقة جيدة للغاية في رأيي».
إن الأصول التي تم شراؤها قد تكون «افتراضية»، ولكن الأموال المتبادلة لشرائها هي حقيقية، وإن النظام المصرفي الافتراضي هو الذي يتدبر تلك الصفقات. «هنالك معدل لتبادل الصرف الأجنبي، ونظام مقاصه داخلي. وإن الناس الذين يحرزون الأموال في الحياة الثانية يمكن أن يتبادلوا دولاراتهم على شبكة الإنترنت مقابل أموال في العالم الحقيقي»، كما يقول. «وعالمياً، نحن نتحدث عن اقتصاد افتراضي بقيمة نحو نصف مليار دولار سنوياً».
وإن ذلك لا يعد مبلغاً عالي الأهمية من النشاط الذي يحدث دون الوجود في الوقت نفسه على الشبكة. «فعلى سبيل المثال، إذا حظيت بشخص يبني لي منزلاُ دون أن أكون موجوداً على الشبكة في الوقت نفسه (لممتلكاتي الافتراضية) فليس بالضرورة أن أدفع له أو لها رسوم صفقة في العالم الافتراضي؛ وقد أدفع دون الوجود على الشبكة عن طريق تحويل مصرفي منتظم، وإن ذلك النوع من الدخل لن يكون مشمولاً ضمن اقتصاد نصف المليار للعالم الافتراضي».
إن حرم إنسياد «الحياة الثانية» الافتراضي يضاهي حرم الكلية في أوروبا في فاونتنبلو. فهنالك قاعات دراسة، وحانة حيث يجتمع الناس، ومكتبة للتجارب التسويقية، وقاعة مؤتمرات، ومساحة ضمن خيام لممارسة نوع من الارتباطات الخارجية – Outward Bound.
«كانت الفكرة الأساسية من حرم الجامعة الافتراضي بسيطاً للغاية. نحن كلية كبيرة تجذب مجتمعات متنوعة للغاية. وبحرم في ثلاثة أماكن، وبطلاب يأتون من جميع أنحاء العالم، ومن ثم يعودون للعمل في أنحاء العالم كافة، فمن الصعب للغاية الانخراط في مثل هذا المجتمع المتنوع والمتشتت جغرافياً على ذلك النحو. ونحن ننظم بصورة منتظمة برامج للماجستير في إدارة الأعمال، والماجستير في إدارة الأعمال التنفيذية، حيث يمكن للناس الذين يفكرون في التقدم للحرم أن يحصلوا على معلومات. وقد استخدمنا العالم الافتراضي في نشر المؤتمرات. وبالتالي فإن كل مؤتمر نديره، نقوم به في الوقت الفعلي الحقيقي، ونغذي به الحياة الثانية أيضاً، وبالتالي يمكن لجميع الناس الذين لم يتمكنوا من حضور المؤتمر أن يشاركوا في المؤتمر في الوقت الفعلي؛ ويمكن أن يطرحوا أسئلة، وأن يستمعوا إلى المتحدث، وأن يروا الشرائح التقديمية».
ولكن كيف يكون شكل مثل هذه المشاركة؟ إنها ليست مثل التعلم على شبكة الإنترنت التقليدية. وعليك أن تعيد تشكيل نفسك. حرفياً. «عليك أن تؤسس تجسيداً افتراضياً لك»، كما يقول سارفاري. «حيث تتوجه إلى شبكة الإنترنت، وتبتكر تسجيل الدخول الخاص بك، وأن تختار شخصيتك، واسمك، وكل ذلك بالمجان».
إن العالم الافتراضي هو منتهى الإعلام الاجتماعي. ولكنه معقد، حتى بمجرد أن يتم تشكيل تجسيدك، وإن عليك أن تسجل الدخول، وأن تحرك وتبحر بتجسيدك من مكان إلى آخر، وهنا تكمن الصعوبة لكل من الأساتذة والطلاب. «إن العقبة الكبرى في تبني العالم الافتراضي»، كما يدّعي سارفاري هي «أن الأمر يتطلب قدراً كبيراً من الجهد، ووقتاً قبل أن تعتاد فعلاً على التكنولوجيا. فأنت في حاجة إلى التدريب. وعلى ما يبدو، فإن الطلاب يرغبون فعلاً في المشاركة، ولكن الأساتذة أقل تحمساً لتحمل المخاطر. لذا فإن هذه هي العقبة الكبرى للدخول. وقد كنت جامحاً للغاية بشأن توقعاتي حول هذا الأمر، ولكنني قمت بتعديلها الآن».
يشمل زوار الحياة الثانية لإنسياد أشخاصاً يرسلون مجسداتهم إلى المؤتمرات، أو حتى الطلاب الذين يمكثون في أماكن بعيدة للغاية، حيث يرسلون مجسداتهم إلى الحرم الافتراضي ليلقوا نظرة على المكان قبل تسجيل المواد. وبالتأكيد أن هذا الأمر أرخص من السفر، وكذلك في ظل عالم الأوبئة العالمية، فإن هنالك استخدامات أخرى. «إذا تفشت إنفلونزا الخنازير، علينا أن نغلق الحرم، وقد يكون هذا الحرم الافتراضي إحدى وسائل الحفاظ على استمرارية عمل الكلية، وإنقاذ النشاط العملي»، كما يدعي سارفاري.
ولكن بيئة النشاطات العملية الافتراضية ليست بالكامل حول التعليم، ومتعة العائلات. «هنالك مسائل تتعلق بالقمار، أو المواد الإباحية، ومشاكل تتعلق بالقرصنة، وحقوق الملكية»، كما يعترف سارفاري. «ولكن يتم التعامل مع هذه الأمور، ولا أعتقد أنه في المستقبل القريب سيكون العالم الافتراضي أقل أمناً كبيئة مقارنة بالإنترنت التقليدي، التي اعتادت على أن يكون فيها الكثير من النشاطات غير المشروعة (الاحتيال، وما إلى ذلك)؛ ولكنها اليوم مكان آمن إلى حدٍ ما».
وهنالك جانب سيئ محتمل: أن تصبح مدمناً على الحياة في العالم الافتراضي. «هذا مجال آخر له مخاطره»، كما يعترف سارفاري. «ولكنها تمتاز بالكثير من الفرص كذلك، لأنك حين تفكر بها، هنالك الكثير من الناس الذين يمكن استثناؤهم من المجتمع لأسباب مختلفة. وفي أبحاثي وجدت الكثير من الصداقات الحقيقية في هذا العالم الافتراضي بين أناس ما كان بالإمكان أن يلتقوا لولا ذلك».
إن في الأمر فرصاً محتملة للازدهار الاقتصادي في عالم اليوم، حيث البطالة ترتسم في الأفق بصورة كبيرة في كل مكان: فهل يمكن للعالم الافتراضي أن يصبح واجهة العمالة الجديدة؟»، الكثير من فرص العمل تم توليدها فعلياً»، كما يقول سارفاري. «الكثير من فرص عمل المصممين، وجميع أنواع الأشياء التي هنالك حاجة للقيام بها. ويتخصص بعض الناس في تصميم بعض الأشياء مثل المنازل، والأزياء، حيث وجدوا فرص عمل في العالم الافتراضي. ومن وجهة نظر اقتصادية، فإن العالم الافتراضي يعمل كاقتصاد سوق حرة، حيث يمكن للناس التداول، وهذا هو أهم شيء».
وهنالك مجال آخر في توليد فرص العمل في العالم الافتراضي: من الذي سيبتكر التكنولوجيا لإبقائها على رأس عملها؟ هنالك الكثير من الأسئلة التي لا بد من معالجتها، وذلك يعني وجود فرص. «فهل سيصبح العالم الافتراضي شاشة ذات بعدين، أم هل سيكون هنالك نسخة بثلاثة أبعاد؟»، كما يتساءل سارفاري. «هل سيكون على جهاز الكمبيوتر، أم على نوع آخر من واجهة اللعب المطورة والمعقدة؟ هل ستستخدم قنصولة اللعب أم نوع آخر من النظارات التي تسمح لك برؤية خاصة؟ في الوقت الراهن، إنها مجموعة من رجال أعمال المشاريع الحرة الجريئة الذين يقومون بتطوير ذلك العالم الافتراضي».
ويبقى سارفاري متفائلاً حيال مستقبل العالم الافتراضي، والحياة الثانية. «إن مزايا هذا العالم الافتراضي هي أنه يعيد الإنترنت إلى الحياة. وإن الإنترنت وسط اتصال فعال للغاية، ولكن العالم الافتراضي بالفعل يعيدها إلى الحياة».

الأكثر قراءة