الخليجيون يترقبون حسم تحصيل وتوزيع الإيرادات الجمركية
ترقب الأوساط الاقتصادية والمالية على وجه التحديد في دول مجلس التعاون الخليجي قمة قادة دول المجلس التي تحتضنها الكويت غدا (الاثنين) للبت في أحد أبرز ملفات المشاريع الخليجية المشتركة المتعلقة بمتطلبات الاتحاد الجمركي والمتمثل في الانتهاء من الفترة الانتقالية للاتحاد وحسم موضوع تحصيل ونسب توزيع الإيرادات الجمركية المشتركة.
ويسعى وزراء الخارجية والمالية والاقتصاد في دول مجلس التعاون الخليجي خلال اجتماع مشترك يسبق اجتماع القادة، إلى الخروج بالآليات الكفيلة بإزالة الصعوبات العالقة أمام استكمال متطلبات الاتحاد الجمركي. حيث يبحث الوزراء خلال الاجتماع تقريرا بشأن الدراسة التي أعدتها الشركة الاستشارية المكلفة بملف تحصيل ونسب توزيع حصيلة الإيرادات الجمركية المشتركة بعد انتهاء الفترة الانتقالية للاتحاد الجمركي بين دول المجلس، مع ملاحظات بعض الدول حولها، تمهيدا لرفع توصياتهم النهائية بشأنه إلى المجلس الأعلى وذلك بغرض التوجيه واتخاذ ما يلزم.
وتأمل دول المجلس الانتهاء من ملف تحصيل ونسب الإيرادات الجمركية والاتفاق عليه قبل نهاية هذا العام، وذلك تنفيذا لقرار المجلس الأعلى بتسريع الأداء وإزالة العقبات التي تعترض مسيرة العمل المشترك، الذي من أبرز ملفاته مشروع استكمال متطلبات الاتحاد الجمركي. حيث كان من المنتظر أن يتم العمل بالنسب بعد الاتفاق عليها اعتبارا من مطلع العام الماضي 2008 وذلك بالتزامن مع السوق الخليجية المشتركة، إلا أن اختلافا في وجهات النظر بين دول المجلس حول النسب المقترحة في الدراسة الأولى لآلية تحصيل ونسب توزيع حصيلة الإيرادات الجمركية المشتركة أعاد ملف الدراسة إلى الأمانة العامة لإخضاعه لمزيد من الدراسة. حيث يعتقد البعض أن النسب غير متوازية مع الإيرادات الجمركية لبلادهم.
وأوصت الدراسة التي أجراها المكتب الاستشاري المكلف من قبل الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي بأن يتم تحصيل الإيرادات الجمركية المشتركة بعد المرحلة الانتقالية للاتحاد باحتفاظ الدولة العضو التي تعمل كنقطة دخول أولى للبضائع إلى الاتحاد الجمركي بنسبة 25 في المائة من الرسوم الجمركية المحصلة من قبلها، وتحويل نسبة 5 في المائة من إجمالي الإيرادات المحصلة إلى حساب صندوق مشترك، فيما يبقى ما نسبته 70 في المائة من الإيرادات الجمركية في تصرف دول المجلس توزع وفقا لإحصائيات إجمالي حجم الإنفاق الاستهلاكي، على أن يتم إعادة النظر في هذه النسبة بعد انتهاء السنة الأولى من التحصيل المشترك بناء على النتائج التي ستتحقق من العمل بها.
واقترحت الدراسة - استنادا إلى النسب الفعلية للإيرادات التي حصلت عليها الدول خلال السنوات الثلاث الماضية - توزيع الحصيلة الجمركية المشتركة في الاتحاد الجمركي لدول المجلس، بحيث تتوزع الحصص بواقع 25.2 في المائة للإمارات، 3.2 في المائة للبحرين، 47.5 في المائة للسعودية، 5.9 في المائة لعمان، 5.9 في المائة لقطر، و12.2 في المائة للكويت.
توصيات الدراسة
تضمنت توصيات الدراسة التي أجراها المكتب الاستشاري المكلف من قبل الأمانة العامة، التأكيد على استمرارية تحصيل الإيرادات الجمركية وفقا للتعرفة الجمركية الخارجية الموحدة عند نقطة الدخول الأولى للبضائع إلى الاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون، مع الأخذ في الاعتبار أحكام الاتفاقية الاقتصادية والاتحاد الجمركي لدول المجلس واللوائح التنفيذية.
وفقا للمقترح فإنه ينبغي استخدام ثلاثة مكونات لتحديد توزيع الإيرادات تتمثل في الاحتفاظ بنسبة 25 في المائة من الرسوم الجمركية المحصلة من قبل الدول العضو التي تعمل كنقطة دخول أولى أو أي نسبة أخرى يتفق عليها وزراء المالية، تحويل نسبة 5 في المائة إلى الصندوق المشترك لدول المجلس للقيام بمشاريع خاصة في الدول الأعضاء أو أي نسبة أخرى يتفق عليها وزراء المالية، وتخصيص نسبة 70 في المائة للدول الأعضاء استنادا إلى إحصائيات إجمالي حجم الاستهلاك (الذي يعتبر أفضل مؤشر إحصائي) أو أي عنصر أو مبلغ آخر يتفق عليه وزراء المالية.
وأوضحت الدراسة أن أساس التوصية بهذا الخيار هو أنه يتوافق مع هدف السوق المشتركة الواحدة بدون حدود بينية بين دول مجلس التعاون (ما عدا تلك الموجودة لمراقبة البضائع الممنوعة / المقيدة)، إلى جانب نقطة دخول وتخليص واحدة. وبناءً على ذلك فهو يتوافق مع الاتفاقية الاقتصادية والاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون واللوائح التنفيذية المتصلة به، إضافة إلى أن الخيار المقترح يساعد على تطوير التجارة البينية بين دول مجلس التعاون ويعزز التكامل الاقتصادي فيما بينها. كما أنه بشكل أساسي يوفر حلاً دائماً وبالتالي لا يتطلب أية مراجعة أو تعديل على مدى المستقبل المنظور (ما عدا تحديث إحصائيات الاستهلاك لكل سنة)، حيث إن المفاهيم التي يشتمل عليها الخيار المقترح غير مرتبطة بأية أوضاع حالية للاتحاد الجمركي. وبالتالي فهي مبادئ راسخة يتم بموجبها تقاسم الإيرادات بشكل عادل للدول الأعضاء كافة، وتحافظ بالإجمال على حيادية مالية بحيث لا تصبح أي دولة عضو أفضل أو أسوأ بكثير، إلى جانب أنه يسمح بخفض التكاليف الإدارية ومن السهل تنفيذه وعمله للطبيعة المبسطة للحساب ولنوع البيانات المطلوبة.
كما أوصت الدراسة بتشكيل هيئة لمراقبة وتشجيع تبني أسلوب موحد عند تطبيق القانون الجمركي المشترك لضمان التزام الموانئ والدول الأعضاء كافة بواجباتهم في مقابل النسبة البالغة 25 في المائة التي يحتفظون بها كنقطة دخول أولى أو أية ترتيبات أخرى يتفق عليها وزراء المالية. كذلك إدارة اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية والبضائع الممنوعة والمقيدة والمحمية من خلال المحافظة على مستوى معين من الحدود البينية بين دول المجلس. من ناحية أخرى، أكدت الدراسة أنه يمكن خفض الإجراءات الحدودية بدرجة كبيرة للمساعدة في انتقال البضائع بشكل حر ضمن الاتحاد الجمركي لدول الأعضاء من خلال اتباع برنامج إلكتروني مترابط وفوري يربط الموانئ ونقاط التفتيش الحدودية كافة إلكترونيا، وأيضا نماذج متناسقة وموحدة تشمل على حقوق ترميز وتعريف لمدخلات ومخرجات الملفات عن بعد، وكذلك وضع ترتيبات نقطة حدودية واحدة مع منافذ حدودية مشتركة، إضافة إلى دراسة فرض غرامات أكثر تشددا على المخالفين، واتباع عمليات تفتيش على الحدود استنادا إلى التصريح الذاتي للتاجر (مسارات حمراء وخضراء) وتقييم المخاطر ونقاط تفتيش عشوائية وأخرى تستند إلى المعلومات، والتخليص الإلكتروني للبضائع واستخدام الخدمات المصرفية في جميع عمليات الإيرادات.
وبالنسبة لاتفاقيات التجارة الحرة الثنائية، رأت الدراسة أن تتولى الهيئات الجمركية المحلية في عمان والبحرين مسؤولية فرض الالتزام بتحصيل الرسوم الجمركية دون القيام بأي تعديل على الترتيبات الخاصة بتقاسم الإيرادات. وفيما يتعلق بالبضائع الممنوعة مثل لحم الخنزير والكحول، فينبغي الاحتفاظ بالرسوم الجمركية المحصلة على هذه المنتجات من قبل الدولة العضو التي تعتبر نقطة الدخول الأولى.
وبما أن البضائع المحمية لم يتم إلغاؤها بعد وفي ظل غياب قائمة موحدة لها فإن الرسوم الجمركية الإضافية (رسوم الحماية) التي تزيد على التعرفة الخارجية الموحدة، فينبغي الاحتفاظ بها من قبل الدولة العضو التي تفرض هذه الرسوم التي ستتولى أيضا مسؤولية تحصيل تلك الرسوم، حيث تخضع نسبة 5 في المائة فقط من التعرفة الخارجية الموحدة للآلية المعتادة لتقاسم الإيرادات أو أية ترتيبات أخرى يتفق عليها وزراء المالية.
المبلغ المحتفظ به من قبل الدولة العضو
سينتج عن هذا المكون - بحسب مقترح الدراسة - احتفاظ الدولة العضو العاملة كنقطة دخول أولى بنسبة 25 في المائة من المبلغ المحصل، ويتم تحويل باقي أي المبلغ إلى الصندوق المشترك. وصمم هذا النوع من نظام الاحتفاظ لتشجيع أسلوب التطبيق الموحد لقانون الاتحاد الجمركي، إذ يجب الأخذ في الاعتبار أن نقطة الدخول الأولى مسؤولية كبيرة لضمان دخول البضائع بشكل سليم إلى الاتحاد الجمركي، لذلك ينبغي توفير حافز كافي لضمان أداء هذا الدور بطريقة مهنية وثابتة بالتوافق مع القانون الجمركي الموحد واللوائح ذات الصلة. من الملاحظ أن الموانئ أيضا تتقاضى رسوم خدمات، إلا أنه لا يتم تقاضي تلك الرسوم كحافز لتطبيق قانون وإجراءات الاتحاد الجمركي، وإنما لغاية تسهيل التجارة.
المبلغ المحول للصندوق المشترك
كجزء من الخيار المقترح، يوصى بتأسيس صندوق مشترك بحيث يتم دفع نسبة 5 في المائة من الرسوم الجمركية المحصلة من قبل الدولة العضو العاملة كنقطة دخول أولى إلى الصندوق المشترك. ويستخدم هذا الصندوق بعدها لتنفيذ مشاريع تكون نافعة للاتحاد الجمركية لدول مجلس التعاون، على أن يتم توزيع هذه المبالغ المالية من قبل وزراء المالية دول المجلس وفقاً لطلبات رسمية.
وتنص التوصية على أن تقوم كل دولة من الدول الأعضاء بتسلم حصة متساوية من المال المدفوع للصندوق المشترك لتنفيذ مشاريع تصب في صالح دول مجلس التعاون، ولا يوصى باستخدام هذا الصندوق لتمويل مشاريع التنمية الاجتماعية المحلية مثل بناء المستشفيات، وإنما استخدامه لفائدة الاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون، كأن يستخدم مثلاً لتمويل تطوير وتنفيذ وإدارة برامج وأنظمة كمبيوتر مترابطة وفورية تربط الموانئ والمنافذ الحدودية كافة بشكل إلكتروني، وكذلك لاستحداث نظام توثيق متناسق وموحد يتضمن وسائل وأنظمة تعريف مميزة مثل وسائل الترميز barcodes أو مدخلات ومخرجات الملفات عن بعد RFID.
وبناءً على أن الدول الأعضاء كافة قد التزمت باستحداث نظام مترابط لتقنية المعلومات وتنسيق السياسات والإجراءات الجمركية التي ستنطوي على نفقات على مدى السنوات القليلة المقبلة، تقترح الدراسة بالنسبة لفترة السنتين الأوليتين أن يتم صرف عوائد الصندوق المشترك بشكل تلقائي في نهاية كل ربع سنة إلى الدول الأعضاء وفقاً لحصصها. وبما أنه سيتجنب هذا الأسلوب الحاجة لعملية أولية لاتخاذ القرار، فإنه يتطلب على وزراء المالية بمراجعته وتعديله بعد الفترة التجريبية الأولية البالغة سنتين.
كما توصي الدراسة بتشكيل هيئة تفتيش لمراقبة وتشجيع تبني أسلوب موحد في تطبيق القانون الجمركي المشترك لضمان التزام الموانئ والدول الأعضاء كافة بالتزاماتهم في مقابل نسبة 25 في المائة التي يحتفظون بها بوصفهم نقطة الدخول الأولى، وهذا الإجراء من شأنه أن يخفض قدرة بعض الموانئ على تحويل التجارة من خلال تزويد التجَّار بخصومات على الرسوم الجمركية أو تقديم إجراءات أكثر تساهلاً.
وبما أن هيئة التفتيش ستتولى المسؤولية عن إدارة الآلية الخاصة بتقاسم الإيرادات، فإنه يوصى بتشكيلها ضمن الأمانة العامة لدول مجلس التعاون لخفض التكاليف، إلى جانب ذلك ومع الأخذ في الاعتبار الحجم المحتمل للصندوق المشترك يمكن تمويل هيئة التفتيش من العائد المكتسب على رصيد حساب الصندوق وفقاً لمعدل الربح الساري على الحساب.
ووفقا للدراسة، فإن الأمانة العامة تهتم بعمل الصندوق المشترك، إلى جانب إنشاء حسابات في الدول الأعضاء كافة لإتمام عمليات الإيداع والصرف. وسيتطلب العمل في الصندوق فتح حساب مصرفي وموافقة وزراء مالية الدول الأعضاء أو لجنة مفوضة الاجتماع بشكل منتظم لدراسة واعتماد الطلبات المقدمة من الدول الأعضاء لتوزيع المبالغ المالية المحصلة عليها لتنفيذ مشاريع تكون مفيدة بشكل متبادل ومتساو بين دول المجلس خلال سنة التحصيل ذاتها.
المبلغ المخصص للدول الأعضاء
بحسب الدراسة تم أخذ أحد مؤشرات الاقتصاد الكلي وهو حجم الاستهلاك (إجمالي الإنفاق الاستهلاكي) الأساس الأنسب لتوزيع الإيرادات الجمركية بدلا من المقصد النهائي، باعتباره يعد أفضل مؤشر اقتصادي للحجم المتوقع للواردات ويمكن التحقق منه بشكل مستقل بالرجوع إلى بيانات صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي. وبالتالي ينبغي توزيع النسبة الأكبر البالغة 70 في المائة من الرسوم الجمركية المحصلة في الاتحاد الجمركي لدول المجلس على هذا الأساس. كما يتطلب تطبيق المعادلة المقترحة لتقاسم الإيرادات توفير معلومتين فقط، هما: إجمالي الإيرادات الجمركية المحصلة من قبل الدول الأعضاء العاملة كنقطة دخول أولى المقدمة من قبل كل دولة من الدول الأعضاء، وإحصائيات إجمالي الإنفاق الاستهلاكي للسنة السابقة (يتم تحديثها بشكل سنوي).
ويشتمل إجمالي الإنفاق الاستهلاكي على البضائع والخدمات النهائية المستهلكة كافة من قبل الأفراد والحكومة باستثناء البضائع المشتراة للاستهلاك الوسيط (أي البضائع التي ينبغي استهلاكها في عملية الإنتاج)، كما أن البضائع المنتجة من قبل الوحدات الصناعية المحلية المعدة للتصدير لا تندرج ضمن مجموعة أرقام الاستهلاك حيث إنه لا يتم استهلاكها محليا.
ومن منظور اقتصادي، فإن إجمالي الإنفاق الاستهلاكي أو حجم الاستهلاك المحلي يعد بديلا جيدا عن المقصد النهائي لأنه يشتمل على قيمة البضائع المستهلكة في الدولة التي تعد المقصد النهائي. كما يشير ارتفاع إجمالي الإنفاق الاستهلاكي إلى ارتفاع استهلاك البضائع والخدمات وبالتالي زيادة استيراد البضائع، إضافة إلى ذلك لا يتأثر إجمالي الإنفاق الاستهلاكي بشكل مباشر بحجم أو قيمة المنتجات والصادرات الهيدروكربونية حيث إنه يتكون من قيمة البضائع والخدمات المستهلكة من قبل المواطنين والمقيمين والزائرين والحكومات ضمن الاقتصاد المحلي.
وبالرغم من أن القيود على استخدام إجمالي الإنفاق الاستهلاكي كبديل عن المقصد النهائي تكمن في أن أرقام إجمالي الاستهلاك تشتمل على بضائع أجنبية معفاة من الرسوم الجمركية وبضائع منتجة محليا أو مستوردة من دولة عضو أخرى في الاتحاد الجمركي، إلا أن هذه القيود ليس لها أثر مهم على نتائج استخدام أرقام إجمالي الإنفاق الاستهلاكي كبديل عن المقصد النهائي بسبب التشابه النسبي لأنماط الاستهلاك بين الدول الأعضاء (أي أن الحصة المخصصة للغذاء المحلي والمستورد على سبيل المثال هي متقاربة بين الدول الأعضاء كافة)، إلى جانب ذلك فإنه من المرجح أن تتساوى إلى حد كبير نسبة البضائع الأجنبية المعفاة من الرسوم الجمركية والمستهلكة من قبل كل دولة من الدول الأعضاء وبشكل خاص إذا تم قياس ذلك خلال فترة تمتد على عدة سنوات.