هل تدخل روسيا الشرق الأوسط بقناع جديد؟
كان سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1989 نذيرا بنهاية دوره كقوة عظمى، ونتيجة لذلك تقلص دور روسيا التي خلفت الاتحاد السوفياتي بصفة أساسية. وعلى امتداد العقدين الماضيين لزم الروس سياستهم الثلجية القديمة المتمثلة في التباعد وراء الجليد بعيدا عن اضطرابات الجنوب وأحلام المياه الدفيئة. وفي الآونة الأخيرة تحاول واشنطن جاهدة إعادة روسيا إلى الساحة وذلك لعدة أسباب أهمها:
- اقتناع الولايات المتحدة بأن عبء إدارة العالم بمفردها ضرب من المستحيل.
- تعاظم المواجهة الإيرانية – الأمريكية بتحريض إسرائيلي دءوب، وشعور الولايات المتحدة أنها في حاجة إلى قوى جديدة للضغط على إيران.
- خوف واشنطن من أن حياد روسيا إزاء قضية التحدي الإسلامي قد يفقدها المعركة، ولذلك فهي لا تتوقف عن إثارة الشيشان ومناشدة روسيا تقديم مزيد من التعاون.
- تفاقم مشكلة الشرق الأوسط، وتجزؤ أحلام الحلول في ضوء تعدد المسارات (سوري – إسرائيلي) و( لبناني – إسرائيلي) و(فلسطيني – إسرائيلي) و(فلسطيني – فلسطيني) وفقدان الولايات المتحدة المصداقية كطرف وسيط بعدما أصبح واضحا للجميع أنها حليف استراتيجي كامل لإسرائيل. أي أنها في حاجة إلى من تختبئ خلفه لادعاء الحياد.
من هنا أعدت الولايات المتحدة اتفاقا شاملا تدخل فيه روسيا كطرف رئيس، ولأن روسيا تحن وتتطلع إلى أيام المجد وآفاق القوة العظمى، فقد هرعت إلى الاهتمام وقد اختمر في ذهنها دخول الساحة الدولية على ثلاثة مستويات:
المستوى الأول: وهو المستوى العالمي، وهنا تبدي روسيا بعض نقاط الاختلاف والتحدي للولايات المتحدة.
المستوى الثاني: وهو المستوى الإقليمي، حيث تحلم روسيا بزعزعة موقف الولايات المتحدة كزعيم للعالم، وذلك باستخدام أوراق ضاغطة لديها مثل الشرق الأوسط والدول النووية المارقة وعلى رأسها كوريا الشمالية وإيران.
المستوى الثالث: المستوى المحلي وهنا تبذل روسيا قصارى جهدها لمنع الاختراق الأمريكي للدول التي انشقت على الاتحاد السوفياتي، ولكنها ما زالت في المجال الحيوي الروسي.
وتركز الولايات المتحدة الآن على فتح حوار مع موسكو، وذلك من خلال إعلانها عن الاستعداد لتقديم تنازلات حقيقية مقابل موقف روسي مؤيد ضد إيران فضلا عن محاولة التوصل لما يلي:
- التفاهم حول الحد من الأسلحة الاستراتيجية والمقرر بدؤه في كانون الأول (ديسمبر) المقبل.
(يُلاحظ أن الحد من الأسلحة الاستراتيجية جدول منتظم لدى الأمريكيين يطلبونه من روسيا).
- قيام أمريكا بتفكيك قواعدها المضادة للصواريخ في شرق أوروبا.
- الاتفاق على احتواء برنامج إيران النووي من خلال نقل عمليات تخصيب اليورانيوم إلى روسيا.
- إدخال روسيا في محاولات حل مشكلة الشرق الأوسط وعلى المسارات كافة.
- الاعتراف بموقع روسيا كوريث كامل للاتحاد السوفياتي.
- مشاركة روسيا في عمليات حلف شمال الأطلنطي ومن ثم المعاونة في أفغانستان وكبح جماح كوريا الشمالية ودخول روسيا في إطار الأمن- الأوروبي.
ويبدو أن الاتفاق الودي الذي عُقد بين فرنسا وإنجلترا سنة 1904 في طريقه إلى دخول حيز البعث، إذ بينما تطلق روسيا لأمريكا العنان للضغط على إيران بناء على توجيهات إسرائيل، فإن أمريكا ستسمح لروسيا بأن تحتل مكانة دولية أكبر. وخاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط الذي أدت اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة وغيرها إلى إنهاء الوجود السوفياتي الدبلوماسي إلى غير رجعة. الآن هناك دعوة أمريكية للروس بأن ينفضوا يدهم من إيران مقابل إدخالهم الشرق الأوسط وإشراكهم في الأمن والرخاء الأوروبي.
ومن الواضح أن روسيا ترحب بدور الوسيط في مؤتمر الشرق الأوسط الذي سيُعقد في موسكو لربط المسارات المختلفة بعضها ببعض كما قال وزير الخارجية الروسي لافروف.
وباختصار يُمكن القول إن روسيا ستدخل الساحة بمباركة إسرائيلية إذا ما قبلت التخلي عن إيران أو الضغط عليها لإخصاب اليورانيوم لديها أو غير ذلك مما تتضمنه الأجندة الإسرائيلية – الأمريكية المشتركة إزاء إيران. ويشي بكل ذلك الربط الإسرائيلي الاستراتيجي بين المسار العربي (أي المفاوضات الإسرائيلية مع الأطراف العربية) والمسار الإيراني الذي تبالغ إسرائيل في وصف احتمالاته مع التكتم الكامل على ما تملكه هي من أسلحة نووية.