متى تغيّر الشركات استراتيجيتها لتصبح صديقة للبيئة؟
يصعب تجاهل القضايا البيئية أكثر فأكثر هذه الأيام. فبالنسبة لعديد من الشركات، تحول الأمر إلى رخصة للتشغيل. وأولئك الذين لا يأخذون التأثير البيئي في عملياتهم في الحسبان سيجدون أنفسهم في وضع غير مؤاتٍ، ليس فقط لأن منافسيهم يأخذونه بعين الاعتبار، ولكن لأن الجماهير تطلب ذلك.
وبما أن بيئة الشركات لم تعد عملاً خيرياً، ولكن نهجاً أساسياً ضمن نموذج النشاطات العملية، فسيطبق عديد من الشركات ما تعتبره استراتيجيات الاستدامة، بينما هي في الحقيقة مناهج عامة للإدارة البيئية.
ومن الممكن أن يحظى ذلك بتأثيرات جدية في مجمل دخل الشركة، لأنه إذا لم تكن الاسترتيجيات البيئية لأي شركة موازية لاستراتيجيات النشاط العملي ككل، فإنه سيتم هدر موارد قيّمة.
ألف ريناتو جيه أورساتو، أحد كبار زملاء البحث في إنسياد، كتاب «استراتيجيات الاستدامة: متى يكون من المجدي أن تكون صديقاً للبيئبة؟ - Sustainability Strategies: When does it pay to be Green?»، كمرشد عملي لمساعدة الشركات في الحصول على ميزة القدرة التنافسية عن طريق استثماراتها البيئية؛ أو بكلمات أخرى، كيف يمكنها جعل الاستثمارات الصديقة للبيئة مجدية، ومربحة.
ولأن وابل الاستثمارات البيئية يمتد من شهادة الآيزو 14001، وتقليص انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، إلى الترويج للعلامات التجارية البيئية، يعمي أبصار المديرين، يقول أورساتو إنه من المهم أن يتم انتقاء الخيارات الصحيحة. «أنت في حاجة إلى أن تكون محدداً بدقة بشأن نوع الاستثمار البيئي الذي تريد الاستثمار فيه، بالإضافة إلى سبب ذلك. ومن الممكن أن يعتمد السبب إلى حدٍ كبير على نوع الضغط الذي تتعرض له. فإذا كنت مستهدفاً من قبل ناشطي البيئة، عندها، ربما لا يكفي أن تكون فعّالاً من ناحية بيئية؛ حيث لن يكون كافياً أن تقلّص تأثيرك. وعليك أن تجعل الأمر جلياً، وواضحاً للعيان»، كما قال لمجلة إنسياد نولدج.
نهج استدامة متعدد الجوانب
لمساعدة المديرين على تحقيق عائد اقتصادي على الاستثمار على الوجه الأمثل، وتحويله إلى موارد ذات ميزة تنافسية ضمن صناعات قائمة، فإن أورساتو يقدّم أربع استراتيجيات بيئية منافسة – CES: 1.الكفاءة البيئية، 2. مايفوق القيادة الملتزمة، 3.الترويج للعلامات التجارية البيئية، 4.قيادة التكلفة البيئية. وهو يعمل على تقسيم هذه الاستراتيجيات بين تلك التي تتعلق بالعمليات التنظيمية (الاستراتيجية الثالثة والرابعة). إن استراتيجية الكفاءة البيئية، كما يوضّح، تتعلق جذرياً بالتسبب بتأثير بيئي أقل ومتدنٍ. ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى الابتكارات، والتحسينات في الاستفادة من الموارد، لأن تطبيق التفكير المقتصد على إدارة العمليات، وعلى النفايات، وكل ما يتعلق بالمنتجات، يمكن أن يتحول في النهاية إلى مصادر جديدة للدخل.
وبينما تتطلب استراتيجية ما يفوق القيادة الملتزمة أن تتجاوز وتتفوق على ما تقوم به الشركات المنافسة، فإن الترويج للعلامات التجارية البيئية يشمل إيجاد فرق معين يرتكز على المواصفات البيئيبة لبعض المنتجات. وفي النهاية، فإن قيادة التكلفة البيئية تشمل بيع منتجات بأداء بيئي جيد، ولكن بعرض سعري جذاب على حدٍ سواء.
ووفقاً لما جاء عن أورساتو، فإن هذه الاستراتيجيات الأربعة يمكن أن تنجح كل منها منفصلة عن الأخرى. فعلى سبيل المثال، من الممكن أن تحاول شركة ما اتباع استراتيجية ما يفوق القيادة الملتزمة بالارتكاز على العمليات، بينما من الممكن ألا تمثل منتجاتها، وخدماتها أي مواصفات بيئية واضحة، مثل الرقعة البيئية. ومن الناحية الاخرى، من الممكن أن تقرر شركة بيع منتجاتها وفق علامات بيئية، ولكن لا تعلن بصراحة عن مزايا الاعتماد البيئية لنظام نشاطها.
وعلى الرغم من ذلك، كان بعض الشركات قادراً على الربط بين الجودة البيئية لمنتجاته والعمليات التنظيمية، الأمر الذي يؤدي إلى تباين بيئي على نطاق الشركات. ويشير أورساتو إلى ذي بودي شوب – The Body Shop، وبن آند جيري – Ben & Jerry، من بين نخبة من الشركات التي كانت قادرة على إقامة روابط وطيدة بين المسؤولية الإيكولوجية لعملياتها التنظيمية ومحافظ منتجاتها التي تُباع لديها. وبالنسبة لهذه الشركات، فإن المؤهلات الخضراء تُعد كذلك هي القيم التي تأسست عليها، والتي تُعد منتشرة في كل ما تقوم به تلك الشركات. وقد أصبح التحول إلى صداقة البيئة صفة متأصلة في منتجاتها. وإن تاريخ تلك الشركات يشير إلى أن من الممكن فعلاً تبني تباين على نطاق الشركة، ولكن فقط لأولئك الذين تم تأسيسهم على أساس القيم البيئية.
اختر بتعقل
لابد أن يكون نوع الاستثمار البيئي الذي تختاره الشركة محدداً من حيث السياق، والكفاءة؛ ولابد أن يكون ضمن مجال يمكن للشركة أن تتميز فيه.
فعلى سبيل المثال، يقول أورساتو، إذا كنت مزوداً في مجال صناعة سيارات، ولديك شهادة آيزو 14001، فإنك تقوم بما يقوم به مصنعو السيارات الآخرون فقط. ولذا، فإنك بحاجة إلى أن تفهم أن مستوى ميزتك التنافسية في أي من أنواع الاستثمارات البيئية تلك، سيكون مماثلاً للآخرين. وعلى حدٍ سواء، بينما التباين يمكن أن يتم تحقيقه عن طريق الترويج لعلامة تجارية بيبئية، فبالنسبة لعديد من المتاجر الكبرى في اسكندنافيا، هنالك فعلياً منافسة سعرية بين المنتجات التي تحمل صفة ذات علامة بيئية.
التقدّم أكثر
يقول أورساتو في كتابه، إن المؤسسات ذات القدرة الابتكارية العالية يمكن أن تتجاوز حتى المنافسة برمتها عن طريق التفكير الاستراتيجي للمحيط الأزرق المطوّر من قبل أستاذي إنسياد، دبيلو تشان كيم ، وريني مابورنيه. وهو يطلق على هذه الاستراتيجية الخامسة، وصف القيمة المستدامة – SVI: أي توليد قيم متباينة للزبائن، والمساهمة في المجتمع في كل من تقليص التكاليف، والتأثير البيئي.
ومن الواضح أن هذه الاستراتيجية، حتى الآن، هي الأصعب من حيث التطبيق. ومع ذلك، فإن الشركات القادرة على تطوير نهج مبتكر بصورة راديكالية في إدارة دورة الحياة لمنتجاتها يمكن أن تولّد بصورة متزامنة منافع عامة، وأرباحاً خاصة، بصورة مستدامة. وبالقيام بذلك، فإن استراتيجيات ابتكار القيم المستدامة تتماشى مع ضغط المساهمين للحصول على أرباح مع مراعاة أمور اجتماعية، وبيئية. «لهذا السبب، عليك أن تفكّر بطريقة مختلفة بصورة جذرية بشأن منتجك، وعليك أن تطارد على سبيل المثال ما يدعوه الأكاديميون بـ «بفك التجسيد المادي». وفي النهاية يكون عليك تقليص تكاليفك باستبدال المواد أو إلغائها، أو يمكنك أن تستخدم أساليب مختلفة لتوصيل منتجاتك أو تحويلها إلى خدمات، بدلاً من منتجات. لذا، هنالك احتمالات، ولكن من الواضح أنها استراتيجية أكثر جرأة. وعليك أن تكون أكثر ضرواة في العملية الابتكارية داخل شركتك».
كتاب استراتيجيات الاستدامة: متى يكون من المجدي أن تكون صديقاً للبيئة؟ - Sustainability Strategies: When does it pay to be green?، تأليف ريناتو جيه أورساتو، صدر عن دار بالجريف ماكميلان للنشر.