الصواب أن يستثنى تصدير النفط من قياس النمو في الناتج المحلي
## هل تتوقعون أن يكون هذا العام 2010 هو عام توديع تداعيات الأزمة المالية حول العالم.. أم أن هناك نارا باقية تحت القشة ربما تنفجر في أي وقت وتعيد الاقتصاد العالمي إلى نقطة أيلول (سبتمبر) 2008؟
قد تكون هناك مشاكل متبقية لم تظهر بعد وخاصة في أوروبا الشرقية. ولكن على كل حال فطالما أن الكبار، أمريكا وأوروبا والصين واليابان قد ظهر تعافيها الاقتصادي وبانت ملامحه، فإن أي أزمة اقتصادية سواء كانت تابعة للأزمة المالية العالمية الماضية أو مستقلة عنها فإنها ستكون محدودة في البلد أو الإقليم الذي تنتمي إليه. والتعافي الاقتصادي المتوقع لا يعني أن الاقتصاد العالمي سيرجع إلى حالته السابقة ما قبل الأزمة من نمو سريع وفقاعات في أسعار الأصول والسلع. النمو السريع في الدول المتطورة ذو الاقتصاديات المتكاملة صعب تحقيقه من غير وجود حافز أو اختراع جديد يرفع من سقف التوقعات أو/ويرفع ويحسن القدرة الإنتاجية كظهور تقنية الاتصالات في الثمانينيات والتقنية الرقمية في التسعينيات وتسهيل الائتمان والهندسة المالية في بداية الألفية الثانية. لذا فإنه من المتوقع أن يشهد العام القادم نموا معتدلا في أمريكا وأوروبا واليابان بحكم أنها دول متطورة ذات اقتصاديات متكاملة. وأما الصين والهند فبحكم أنهما دولتان ناشئتان إنتاجيا - خدميا وصناعيا - وفيهما الكثير من الفرص والحاجات وتتمتعان برخص العمالة وانخفاض تكلفة الإنتاج فستشهدان نموا عاليا بالنسبة لدول العالم. وأما دول الخليج فستشهد معدل نمو قريب من معدل النمو العالمي (خارج قطاع تصدير النفط).
## كيف تقيسون توجهات الاقتصاد السعودي في هذا العام (2010).. هل تتوقعون العودة إلى مستويات النمو للاقتصاد الكلي للاقتراب من معدلات 2007 و2006؟ وكذلك توجهات الاقتصاد الخليجي؟
إذا استثنينا تصدير النفط، فالاقتصاد السعودي سيحقق بلا شك نموا أكبر مما سبق. فالإنفاق الحكومي قد ارتفع وكثير من المشاريع تبنى وتنفذ. لذا فالنمو الإنتاجي المتعلق برأس المال البشري والصناعي وما يتعلق بالبنية التحتية وما يتعلق بمصانع الطاقة كلها ستشهد نموا مرضيا بالنسبة للعامين السابقين. وأما إن تحدثنا عن النمو قياسا محضا بأرقام الناتج المحلي فهو سيكون أقل من عام 2008. وذلك لأن النمو يقاس بالناتج المحلي وتصدير النفط من مكونات الناتج المحلي والطلب على النفط وأسعاره هي أمور خارجية يحددها الاقتصاد العالمي، والنفط سلعة غير متجددة بل استهلاك محض من غير تعويض لموارد البلاد الطبيعية فمن الخطأ اعتبار النمو بالناتج المحلي إذا كان مشتملا على تصدير النفط كعنصر غالب عليه. والصواب أن يُستثنى تصدير النفط من قياس النمو في الناتج المحلي إذا أردنا أن نقيس النمو قياسا حقيقيا. وأما في قياس الدخل القومي وقياس مستوى الدخل والثراء للفرد فهنا يجب حساب تصدير النفط ضمن الناتج المحلي. وبناء على هذا التعريف وهذا التقسيم فإنني أستطيع أن أقول إن مستوى الدخل للفرد السعودي سيشهد تراجعا هذا العام بسبب تراجعات عائدات النفط بعكس النمو الذي سيشهد نموا مرضيا.
## القطاع المالي السعودي محجم عن الائتمان، الأمر الذي دفع الحكومة ممثلة في صناديق التمويل (الصناعي والتنمية والاستثمار) إلى رفع تمويلاتها للمشاريع.. هل تتوقعون استمرار هذا النهج خلال هذا العام أم أن البنوك ستعاود نشاطها الائتماني؟
القطاع المالي أحجم بسبب الخوف من تعثر عملاء بديون من الممكن أنها قد هلكت في الأزمة المالية. ونحن لم نتجاوز هذه المرحلة بعد، بل إنه قد أضيف إليها أزمة دبي وما يمكن أن يتعلق بها من أزمة ثقة مشابهة تدفع البنوك لمزيد من التحفظات. وبنوكنا من أقل البنوك شفافية على مستوى الخليج وأزمة دبي أكدت ذلك، لذا فالمعلومات في هذا الباب شحيحة فكل قول فيها يُعد تخرصا في الغيب.
## ما توقعاتكم لاتجاه الدولار خلال هذا العام 2010 وبالتالي انعكاسه على حركة السياسة النقدية في العالم بما فيها السعودية؟
هذا السؤال ذو شقين: أولا اتجاه الدولار: فأما بالنسبة للدولار فلا يمكن أن يرجع إلى قيمته السابقة خلال عام واحد واستعادة قيمته قد تستغرق عدة سنوات هذا إن لم تظهر أزمة أخرى في الولايات المتحدة كأزمة مستحقات المتقاعدين المتوقعة في العقد المقبل. والدلائل على أن الدولار سيحتاج إلى سنوات قبل العودة إلى قيمته السابقة كثيرة أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- الدين الأمريكي العام المتزايد بشكل مخيف عاما بعد عام، وارتفاع قيمة الدولار هو ارتفاع لقيمة هذه الديون.
2- رفع قيمة الدولار يلزم منه ارتفاع معدل الفائدة عليه وتجفيف السيولة. ورفع الفائدة وتجفيف السيولة، وإن كان متوقعا في العام القادم ولكنه سيكون طفيفا لمنع حدوث انتكاسة مؤلمة في تعافي الاقتصاد من الأزمة المالية.
3- عدم ظهور تباشير ثورة إنتاجية جديدة حتى الآن في الولايات المتحدة مما يعني أن الولايات المتحدة ستنافس الصين وأوروبا على إنتاج ما يمكن إنتاجه في العالم أجمع، وهذا يستلزم منه- خاصة مع اتفاقية التجارة العالمية- أن يكون الإنتاج الأمريكي تنافسيا من حيث السعر لجذب المستهلك الأمريكي والأجنبي كذلك. مما يخلص إلى نتيجة واضحة وهي أن الدولار لا بد أن يكون رخيصا أمام العملات الأجنبية لمنع الاستيراد من الجانب الأمريكي وكذلك تحفيز التصدير إلى الخارج وتخفيف العجز في الحساب التجاري لميزان المدفوعات الأمريكي.
4- أثبت الدولار أنه عملة الاحتياط العالمية بلا منازع في هذه الأزمة المالية. مما سيدفع رؤساء الحكومات الأمريكية إلى استغلال هذه الميزة الاحتكارية لتحقيق انتصارات سياسية محلية يكون محورها دعم الاقتصاد بزيادة الإنفاق الحكومي الذي سيزيد من الدين العام والضغط على مسئولي السياسة النقدية لمواكبة هذا التوجه .
ثانيا: تأثير انخفاض سعر الدولار في السياسة النقدية في العالم وفي السعودية:
أما تأثيره في السياسة النقدية عالميا ففيه تفصيل. فالدولة التي لا تربط عملتها بالدولار فلا يعنيها انخفاض سعر الدولار في سياستها النقدية بشكل مباشر إلا أن سبب انخفاض سعر الفائدة على الدولار ضغط على زيادة الطلب للعملة المحلية لتلك الدولة أو أن يؤثر انخفاض سعر الفائدة على الدولار في التنافسية السعرية للإنتاج المحلي. فعند ذلك سيقوم البنك المركزي لهذه الدول بهندسة تخفيض للعملة المحلية لمقاومة ضغط انخفاض الدولار على التنافسية السعرية للإنتاج المحلي. وأقرب مثال على مثل هذه الدول هو اليابان ولعل بريطانيا انضمت لليابان أخيرا. وأما بالنسبة لمنطقة اليورو فما زال البنك المركزي الأوروبي متمسكا بهدف ثبات الأسعار بالمحافظة على معدل تضخم في حدود 2 في المائة رغم ما يسبب ذلك من جراح وآلام للاقتصاد الأوروبي. وأما السياسات النقدية للدول المرتبطة به فانخفاض أسعار صرف الدولار عادة ما يغلب نفعه ضرره بالجملة على هذه الدول. فهو يخدم ميزانية الحكومة من غير الحاجة إلى زيادة الضرائب كما أنه نافع لحفظ التنافسية السعرية للمنتجات المحلية وهذا ينطبق بالجملة على الصين ودول نمور آسيا. وأما في الخليج فهو أكثر نفعا، خاصة أن دخل الحكومات معتمد على البترول وجزء من زيادة أسعار البترول يعكس انخفاض قيمة الدولار مما يؤدي إلى زيادة في دخل حكومات دول الخليج بينما لا يؤثر كثيرا في مصروفاتها والتزاماتها المحلية.
## الفائدة لدينا حاليا في أدنى مستوياتها تاريخيا.. هل تتوقع رفعها تدريجيا لمواجهة الضغوط التضخمية المرتقبة وكذلك فتح قنوات استثمارية لإبقاء أموال البنوك في الداخل؟
السياسة النقدية في السعودية تفادت التبعية للسياسة النقدية للدولار نوعا ما بأن وضعت سعرين مختلفين للفائدة فهناك سعر الإيداع (الريبو العكسي) وسعر الإقراض (الريبو). وقد أمكنها فعل ذلك أن الولايات الأمريكية تمر بحالة انكماش والسعودية تمر بحالة نمو اقتصادي. ولو كان العكس السعودية تمر بحالة انكماش وأمريكا بحالة نمو-أي أنه يلزم على السعودية رفع سعر الفائدة على الودائع وتخفيض سعر الفائدة على الإقراض- لما استطاعت السياسة النقدية السعودية أن تحافظ على سعر الربط بالدولار وخاصة بعد أن انتشرت ثقافة التمويل في السعودية.
لذا فالسياسة النقدية للريال لا تستطيع أن ترفع سعر الفائدة على الإيداع إذا لم ترفعه الولايات المتحدة فلو فعلت فستواجه سيلا من هجرة الأموال الساخنة من الخارج التي تبحث عن فرصة الفرق بين أسعار الفائدة على الودائع بين أمريكا والسعودية والعكس صحيح. وهذا يقودنا إلى الإجابة عن السؤال: هل سترفع السياسة النقدية أسعار الفائدة على الإقراض. فالجواب (بعد أن توضحت خلفية التقييد على السياسة النقدية السعودية بسبب الربط بالدولار)، فإنه بالنسبة لسعر الفائدة على الإقراض فإن السياسة النقدية السعودية تعتبر مستقلة عن الدولار من ناحية سعر الفائدة على الإقراض - في الوضع الحالي على ما بينت- فالقرار برفعها أو بقائها أو خفضها يعتمد على تحرر البنوك من حذرها وتحفظها الذي لازمها منذ بداية الأزمة المالية. فإن عادت البنوك للإقراض بقوة وتزاحم القطاع الخاص على الموارد المتوافرة فأغلى الأسعار فعندها ستقوم السياسة النقدية برفع سعر الفائدة على الإقراض، والبنوك يظهر أنها ستواصل في سياسة التحفظ إلى حين إلا أن تغرقها مؤسسة النقد بالسيولة، كتسديد الدين مثلا، وتتخذ إجراءات حاسمة على الحد من إيداعات البنوك في الخارج، ولو لم تكن هذه الإجراءات رسمية كاستخدام حسابات الدولة لدى البنوك كأداة ضغط وغيرها كثير والمجال لا يتسع.