نمو الاقتصاد السعودي هذا العام قد يقترب من معدلاته عامي 2007 و2008
## هل تتوقعون أن يكون عام 2010 هو عام توديع تداعيات الأزمة المالية حول العالم.. أم أن هناك نارا باقية تحت القشة ربما تنفجر في أي وقت وتعيد الاقتصاد العالمي إلى نقطة أيلول (سبتمبر) 2008؟
قد يكون من المبكر الحديث عن انتهاء الأزمة المالية العالمية، إذ تدل المؤشرات الاقتصادية الأخيرة في الولايات المتحدة وأوروبا على استمرار تداعيات الأزمة عام 2010، بالرغم من وجود بعض مؤشرات للتفاؤل في الربع الثالث من عام 2009. فمن المؤشرات الإيجابية ارتفاع إجمالي الناتج المحلي في الولايات المتحدة في الربع الثالث لأول مرة منذ الربع الثاني من 2008، وارتفاع مبيعات المنازل القائمة والجديدة، والاستقرار النسبي لأسواق الأسهم العالمية، إلا أن من المستبعد أن يشهد الاقتصاد العالمي انتعاشاً ملحوظاً قبل أواخر عام 2010، وستبقى معدلات النمو منخفضة في ظل ارتفاع نسب البطالة وانخفاض مستويات الائتمان المصرفي.
ويبقى الاقتصاد العالمي عرضةً لعدد من المخاطر قد تؤدي إلى استمرار تداعيات الأزمة المالية أو إعاقة النمو الاقتصادي.
أولاً: انخفاض نسبة الاستهلاك نتيجة ارتفاع نسبة البطالة في أوروبا والولايات المتحدة إلى مستويات قياسية بالرغم من الجهود التي بذلتها الدول لثني الشركات من تسريح العمال. ومن المتوقع أن تبقى نسب البطالة مرتفعة خلال عام 2010، وتنخفض تدريجياً خلال السنوات الخمس المقبلة.
ثانياً: أظهرت المؤشرات الاقتصادية الأخيرة انخفاضا في الإقراض التجاري والاستهلاكي من قبل المصارف الأمريكية، وتجاوزت نقدية البنوك الاحتياطات الإلزامية بنحو تريليون دولار أمريكي. وقد يسهم هذا الانخفاض في حجم القروض بإعاقة النمو الاقتصادي، إذ يؤدي إلى انخفاض عرض النقد مما يتناقض مع السياسة الاقتصادية الأمريكية. وتعود الأسباب إلى تحفظ المصارف نتيجة خسائر الأزمة الائتمانية والتقييد الائتماني.
ثالثاً: ما زالت حصة كبيرة من الخسائر الناتجة عن الأزمة المالية العالمية غير معلنة. ويقدر صندوق النقد الدولي الخسائر غير المعلنة لدى البنوك بنحو 1.5 تريليون دولار وهي خسائر غير محققة، تمثل نصف الخسائر الإجمالية تقريباً. وتبقى الأسواق المالية معرضة للانخفاض في حال تم تحقيق جزء من هذه الخسائر خلال عام 2010. وبالإضافة إلى الخسائر غير المعلنة، ستواجه المصارف صعوبات في تسوية مستحقاتها، بحيث أصدرت خلال الأزمة سندات قصيرة الأجل تستحق معظمها في السنوات الخمس المقبلة. وستكون المصارف مضطرة إلى إعادة التمويل بفوائد مرتفعة لدفع مستحقاتها.
وبالإضافة إلى ما ورد، يرتبط النمو الاقتصادي عام 2010 بالسياسات النقدية والاقتصادية للدول الكبرى، وقد يوثر عدم التنسيق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية سلبياً في انتعاش السوق. فقد دعا صندوق النقد الدولي الدول الكبرى إلى عدم التخلي عن برنامج التحفيز الاقتصادي قبل ظهور مؤشرات واضحة للإنعاش الاقتصادي، كما حذر البنك الدولي من التسرع في رفع الفوائد. ومن المتوقع أن تبقى السياسة الأمريكية تحفيزية خلال العام، بينما سيبدأ البنك المركزي الأوروبي باتخاذ تدابير لإنهاء برنامج التحفيز الاقتصادي.
## كيف تقيسون توجهات الاقتصاد السعودي عام 2010؟ هل تتوقعون العودة إلى مستويات النمو للاقتصاد الكلي للاقتراب من معدلات 2007 و 2008 وكذلك توجهات الاقتصاد الخليجي؟
تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى انخفاض إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في السعودية لعام 2009 إثر الأزمة العالمية ويعود السبب الرئيسي إلى انخفاض إيرادات النفط. وقد استقرت سوق الأسهم السعودية وارتفع مؤشر تداول الرئيسي خلال عام 2009 بعد انخفاض حاد نهاية 2008 و تخطت المملكة المرحلة الأصعب بعد أن طالت الأزمة القطاعات المصرفي والمالي والصناعي والعقاري، وقد يقترب نمو الاقتصاد الحقيقي عام 2010 من معدلات 2007 و2008 أي نحو 4-5 في المائة، مع استقرار أو ارتفاع طفيف في المستوى العام للأسعار. استمر النمو في إجمالي الناتج المحلي غير النفطي للمملكة مع تحقيق فوائض في الميزانية العامة وميزان المدفوعات خلال العام. وقد أسهمت السياسة المالية التحفيزية في الحد من تداعيات الأزمة. ومن المتوقع أن تتخطى المملكة الأزمة في حال استمرت في توفير السيولة اللازمة لتلبية احتياجات الطلب المحلي على الائتمان.
أما بالنسبة لتوجهات الاقتصاد الخليجي، فمن المتوقع أن يحقق نمواً خلال عام 2010 يقترب من نمو الاقتصاد السعودي، وقد يبقى معرضاً لمخاطر انخفاض سعر النفط. وقد يتأثر النمو الاقتصادي في بداية العام سلباً بتداعيات إعادة هيكلة ديون «دبي العالمية».
## القطاع المالي السعودي محجم عن الائتمان، الأمر الذي دفع الحكومة ممثلة في صناديق التمويل (الصناعة والتنمية والاستثمار) إلى رفع تمويلاتها للمشاريع.. هل تتوقعون استمرار هذا النهج خلال هذا العام أم أن البنوك ستعاود نشاطها الائتماني؟
الخسائر التي مني بها القطاع المصرفي خلال الأزمة أدت إلى مراجعة أساليب تقييم المخاطر واعتماد سياسات متحفظة لدى المصارف السعودية وتقييد الائتمان. هذا وكانت قد أصدرت البنوك تسهيلات لشركات سعودية تأثرت بتداعيات الأزمة الاقتصادية، مما أدى إلى إعادة جدولة هذه الديون. وقد تستمر المصارف بهذه السياسة المتحفظة في الأشهر المقبلة.
وستعاود المصارف نشاطها الائتماني فور ظهور مؤشرات ملحوظة للنمو الاقتصادي ومن المتوقع أن تعاود الشركات السعودية نشاطها التوسعي ابتداء من منتصف عام 2010 مع توافر فرص الاستثمار خاصةً في قطاعات الصناعة والخدمات الطبية والعقارات والتمويل العقاري، مما سيزيد الطلب على التمويل المصرفي. وكانت الشركات قد علقت معظم مشاريعها التوسعية خلال الأزمة بسبب التقييد الائتماني و من المحتمل إعادة تنشيط هذه المشاريع في هذا العام.
وبالرغم من أهمية الصناديق المتخصصة في سد جزء من الفجوة في التمويل، إلا أن قروضها موجهة لفئة معينة أو قطاعات مستهدفة ومرتبطة بتوافر عدد من الشروط. بالتالي فهي ليست كافية ولا تعوض عن الائتمان المصرفي.
ويبقى النشاط الائتماني معرضاً لمخاطر في المرحلة المقبلة في حال انعدام الثقة بالأسواق الخليجية نتيجة مشكلة ديون دبي وعلى الحكومة متابعة تمويلها للمشاريع في ظل تحفظ المصارف حتى التأكد من استعداد القطاع الخاص لتأمين التمويل المطلوب.
## ما توقعاتكم لاتجاه الدولار لعام 2010 وبالتالي انعكاسه على حركة السياسة النقدية في العام بما فيه السعودية؟
ارتفعت قيمة الدولار خلال الأزمة العالمية نتيجة انخفاض الفوائد على العملات الرئيسية وزيادة الطلب علي الدولار باعتبار أنها العملة الآمنة في ظل انخفاض النمو الاقتصادي في الدول الكبرى. ومن المتوقع أن تنخفض قيمة الدولار عام 2010 مع استقرار وانتعاش الأسواق العالمية لعدد من الأسباب:
أولاً، سيبدأ البنك المركزي الأوروبي في اتخاذ تدابير لإنهاء برنامج التحفيز الاقتصادي وستضمن هذه السياسة رفع الفوائد تدريجياً على اليورو كما سترتفع الفوائد على العملات الأساسية الأخرى بينما ستبقى السياسة النقدية للولايات المتحدة تحفيزية وقد تبقى الفائدة منخفضة حتى نهاية العام مما سيسهم في انخفاض قيمة الدولار.
ثانيا، سيؤدي الاستقرار الاقتصادي إلى إعادة ثقة المستثمرين ويدفعهم إلي تحمل مخاطر إضافية بحثاً عن الأرباح والنفور من العملات الآمنة مثل الين الياباني والدولار الأمريكي فينخفض الطلب على الدولار. وسيتخلى الدولار عن الأرباح التي حصلها خلال الأزمة تدريجياً مع انتعاش الاقتصاد العالمي.
ثالثا، قد تعاود المصارف المركزية نهج التخلي عن الدولار كعملة احتياطية لمصلحة سلة من العملات الأساسية، فيرتفع عرض العملة الأمريكية وتكمل التوجه السلبي الذي ابتدأ قبل بداية الأزمة العالمية.
إلا أنه، وبالرغم من الانخفاض المتوقع في قيمة الدولار، فمن المستبعد أن تتغير السياسة النقدية للمملكة بحيث سيبقى الريال السعودي مرتبطاً بالدولار الأمريكي وسيبقى النهج التحفيزي. ويعود السبب إلى حساسية المرحلة المقبلة بحيث إن أي تغيير مفاجئ في السياسة النقدية قد يؤثر سلبياً في ثقة المستثمر وفي الانتعاش الاقتصادي.
## الفائدة لدينا حالياً في أدنى مستوياتها تاريخياً.. هل تتوقع رفعها تدريجياً لمواجهة الضغوط التضخمية المرتقبة وكذلك فتح قنوات استثمارية لإبقاء أموال البنوك في الداخل؟
ما زالت الفوائد منخفضة في الدول الكبرى و من المتوقع أن ترتفع أولا في أوروبا حيث أبدى البنك المركزي الأوروبي نية بإنهاء السياسة التحفيزية مبكرا ومكافحة التضخم. أما بالنسبة للولايات المتحدة، قد تبقى الفوائد منخفضة حتى نهاية عام 2010 بسبب عدم ظهور مؤشرات تضخمية حتى الآن، كما سيبقى البنك المركزي الأوروبي أكثر إقداماً لمواجهة الضغوط التضخمية.
أما الفوائد في المملكة فهي مرتبطة بالفوائد على الدولار وقد تبقى منخفضة بسبب ارتباط الريال السعودي بالدولار. ومن المتوقع أن ترتفع الفوائد تدريجياً ابتداء من الربع الثالث أو الرابع من العام. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تصل نسبة التضخم إلى 4 في المائة في المملكة عام 2010 مقابل نسبة 6.6 في المائة للشرق الأوسط، وهي نسبة منخفضة مقارنة بعام 2008.