التواصل الهائل عبر الأنظمة المتعددة في العالم
من الظواهر الحاكمة التي نتناولها في عدة مقالات ظاهرة الارتباط والتقارب والتواصل الشديد من خلال أنظمة عالمية هي:
أولا: أنظمة المعلومات والاتصال.
ثانيا: أنظمة الدفع الشخصي والتداول المالي.
ثالثا: أنظمة أسواق المال.
والأولى، هي أكثرها تأثيرا من النواحي الثقافية والاجتماعية وجمهورها كبير بامتداد الكرة الأرضية، أما الثانية والثالثة فيظهر تأثيرهما وأهميتهما في مجال التبادل المالي وحركة أسواق المال والبورصات العالمية والتي تؤثر تأثيرا هائلا في الاقتصاد.
وقديما قدم الفرس للإسكندر الأكبر المقدوني - الذي هزمهم واحتل بلادهم - خدمات هائلة عندما علموه أساليب الاتصال ونجح بها في أن يربط بين أجزاء إمبراطوريته التي قيل إنها أوسع إمبراطورية في التاريخ.
أما الرومان فقد استخدموا الطريق، حيث يستطيع كل جندي روماني يقاتل خارج روما أن يعود إلى روما ''الحبيبة'' عبر الطرق التي كان المنتصر الروماني يفرضها على أسراه، فيقومون بتعبيد الطريق من بلادهم إلى روما، ولذلك ذاعت المقولة الشهيرة ''كل الطرق تؤدي إلى روما'' All Roads Lead To Rome.
ويبدو أن العملية كانت سريعة ومتواصلة بالنظر إلى عبارة يوليوس قيصر باللاتينية Veni I vidi I vinci أي أتيت فرأيت فقهرت.
أما الإمبراطورية البريطانية فيعلم الكثيرون أنها قامت على السكك الحديدية إذ كان أول إنجاز ومشروع للجيش البريطاني في أي مستعمرة هو بناء السكك الحديدية وقد استفاد من ذلك الهند وباكستان وإفريقيا وكندا والولايات المتحدة وأستراليا، ولم تحرم مدينة مهمة دخلوها من محطة السكة الحديد وبذلك ضمنوا تدفق التجارة ونقل البضائع إلى حيث يريدون، فاحتكروا الجوت والشاي والمطاط بل الطعام والأخشاب، ونقلوا كل ذلك عبر وسيلتهم الثانية وهي السفينة. فسادوا البحار والبر اتصاليا عبر وسائل الاتصال، ومن خلال الهيمنة على وسائل المواصلات البرية والبحرية نجحوا في السيطرة على شعوب هذه البلاد، وكان عددهم لا يتجاوز 16 مليون نسمة عندما سيطروا على ما يقرب من مليار نسمة في أنحاء العالم، أما تقنية المعلومات وثورة الاتصال فقد لعبت دورا أكبر أهمية في ربط الناس بعضهم بعضا. وخلال القرن الـ 20 الذي انفجرت فيه ثورة الاتصال ظهرت تقنيات ربطت الإنسان بالآلة كما ربطت البشر بعضهم ببعض. كان على رأس هذه التقنيات الكمبيوتر والاتصالات الأرضية وشبكات الإعلام عبر الأقمار الصناعية والاتصالات بالجوال وجميع أجهزة الضبط والرقابة والاتصال على البعد. ومع بداية القرن الـ 21 بدأت هذه الشبكات جميعا تتشعب مع استمرار تداخلاتها في بعضها بعضا وإمكانية تشغيلها بتناغم وتواصل لتحقيق أهداف مشتركة، ويبدو أنها كانت تعد العدة ليجري احتواؤها جميعا تحت مظلة شبكة معلومات بامتداد العالم أجمع.
لم يحدث من قبل أن كانت لدينا القدرة على أن نربط أي فرد وأي شيء بأي فرد آخر وبأي شيء آخر. ولم يعد هذا التواصل مقتصرا على الأغنياء والموسرين وإنما أصبح كل الفقراء والمطحونين على مقربة من التعرف على جميع الأفكار والأشخاص الذين يمكن على أيديهم تحقيق خلاصهم.
إن الغالبية العظمى من مستخدمي الإنترنت في مطلع القرن الـ 21 يستخدمونها لأسباب تتعلق بأفلام الجنس والمقامرة واللغو والدردشة العشوائية، ومن ثم فإن فرص استخدام هذه الوسيلة الجبارة للدعاية (لأي شيء) ونشر التفاهات كبيرة.
وهكذا فنحن نقف على النقيضين، إذ نقف على حافة عصر الاتصال وعصر مطاردة التفاهات.
أما الارتباط بالموارد المالية وحرية الإنفاق عبر أنظمة دفع عالمية فتتذكر أن الناس عامة كانوا واحدا من اثنين: إما هؤلاء الذين لديهم المال للدفع أو أولئك الذين ليس لديهم أموال وسوف يظل الحال على هذا المنوال إلى درجة ما، أما الآن فإن أعدادا كبيرة من الناس أصبحت غالبية مشترياتهم من قطعة الشيكولاتة إلى السيارة تتم بالبطاقات.
ومع بداية القرن الـ 20، كانت البطاقة رمزا للاستهلاكية الرأسمالية لأنها تحرر الناس من حرج عدم قدرتهم الفورية على الدفع، وسمحت لهم أن يصلوا إلى أموالهم في أي مكان في العالم ليدفعوا دون حمل النقد. وأصبح ذلك يتم من قرى في ميانمار إلى شوارع مانهاتن في نيويورك. وأدى ذلك إلى أن بعض الناس كانوا يدفعون أكثر مما تتحمل قدراتهم المالية، وقد شهد النظام المالي في الولايات المتحدة وأوروبا تداول تريليون دولار حول العالم وتبع الآسيويين أوروبا في هذا السلوك. وأصبحنا في وضع غير مسبوق بين النقيضين. فنحن على حافة عصر الحرية المالية الشخصية وعصر الجشع المالي للفرد.
وأخيرا نصل إلى الأسواق المالية، ونذكر أن التجارة كانت تتدفق منذ القدم عبر مراكز محددة: الإسكندرية وأثينا وروما والقسطنطينية ثم انتهت هذه الحقبة وتلاها كساد حتى جاء القرن الـ 19 قفز التداول التجاري 200 في المائة والقرن الـ 20، 2000 في المائة، ومع نهاية هذا القرن أصبح الإنسان شديد الثراء وأصبحت نيويورك ولندن وطوكيو مراكز السيطرة.
وأدى تدفق الأموال إلى أن يحقق الأذكياء مكاسب ضخمة وذلك بسبب الدخول والخروج السريع من عملة أو سلعة. وقد أدى رخاء الأسواق إلى دخول دول مثل كوريا وماليزيا وتايلاند قائمة الدول الغنية، أما الصين والهند فلم تلعبا اللعبة واكتفيا بالتنمية الإنتاجية والتسويق.
إننا دخلنا عصرا لم يسبق له زمن في مجال توظيف أموال بيوت الاستثمار والبورصات في المشاريع. ونظرا لقصر المدة التي تقضيها الأموال في المشاريع أصبحت الكوارث أيضا سريعة. ولهذا فنحن نقف على طرفي النقيضين: نحن نقف على حافة عصر الرأسمالية أو عصر الرأسماليين.