مبادئ التمويل الإسلامي لا يتم تطبيقها في عملية خلق الأموال وإصدارها

مبادئ التمويل الإسلامي لا يتم تطبيقها في عملية خلق الأموال وإصدارها

أثار حدوث أزمة مالية عالمية غير مسبوقة عديدا من الأسئلة فيما يتعلق بالصناعة المصرفية، كما أطلق العنان كذلك لزخم إعادة التفكير الذي لم يبقِ على النموذج الرأسمالي الذي نعيشه اليوم. ولقد جذب نظام التمويل الإسلامي بالفعل قدرًا كبيرًا من الانتباه كبديل أو كحل محتمل.
إن مبادئ التمويل الإسلامي من شأنها أن تسهم بصورة كبيرة في إعادة بناء نظامنا المالي، إلا أنه لا بد لنا أن نفرق بين هذه المبادئ وبين الصناعة بالشكل الذي توجد عليه حاليًا. ببساطة شديدة، ما زالت الصناعة المالية الإسلامية في مهدها، وتعمل حاليًا داخل إطار عمل تقليدي أوسع. في الواقع، ومن خلال إجراء استقصاء سريع للعالم الإسلامي، نكتشف أن خلق الأموال حتى اليوم ما زال يعتمد على معادلة تقليدية. وبعبارةٍ أخرى، ما زال خلق الأموال وإصدارها في العالم الإسلامي يتبع منهجًا تقليديًا غير إسلامي.
وهو أمر له دلالته، حيث يشير إلى عدم تطبيق مبادئ التمويل الإسلامي بعد في عملية خلق الأموال وإصدارها. إذن ما الذي ينبغي أن تكون عليه شكل عملية خلق الأموال الإسلامية؟ أقترح مفهوم أو آليات عملية خلق الأموال الإسلامية أو سك النقد الإسلامي Islamic Monetization.
وتقوم الدول والمؤسسات الحكومية بابتكار اللعبة الاقتصادية للدول وإدارتها. وذراعا الدولة المسؤولان عن الإدارة الاقتصادية هما الحكومة والبنك المركزي، إذ يشكل كل منهما جزءًا من الدولة، ويعتبران الجهتين الأساسيتين اللتين تمثل علاقتهما ونمط تفاعلهما مع المعادلة الأساسية التي تدعم طباعة الأموال وخلقها.
يصف مصطلح سك النقود العملية التي يستبدل فيها البنك المركزي السندات الحكومية بنقود ذات قوة مالية.وهي بذلك ترتبط بصورة مباشرة بمقدمة افتراضية أساسية لخلق الأموال، بمعنى أن البنك المركزي يستخدم السندات الحكومية كأصول تدعم عملية إصدار العملة، والتي تعد مسؤولية البنك المركزي. وبينما ترتبط هذه الحقيقة بمحاسبات البنك المركزي، فهي تكشف أيضًا عن عملية خلق الأموال التي تعد بصورة أساسية أحد الترتيبات المؤسسية بين ذراعي الدولة.
بينما تعد العملة الصادرة مسؤولية البنك المركزي، فإن الأوراق المالية الحكومية هي أحد الأصول. وهذه باختصار هي المعادلة التي يتم بها ضخ العملات الورقية في الاقتصاد.
وبالنظر إلى الميزانية العمومية لمؤسسة النقد العربي السعودي، نجد أن مؤسسة النقد العربي السعودي تدعم إصدار العملات بالذهب والعملات الأجنبية (وبصفة خاصة الدولار الأمريكي). كما نلاحظ كذلك أنه في الميزانية العمومية للإدارة المصرفية، يعد «الاستثمار في الأوراق المالية بالخارج» وكذلك «الإيداع في البنوك في الخارج» هما أكبر العناصر. ويعد الدولار عملة تدعمها الأوراق المالية الحكومية التقليدية، أما الاستثمارات الأجنبية فهي في غالبيتها، إن لم تكن كلها، موجهة للأوراق المالية المدينة التقليدية.
تستخدم عملية خلق النقود الإسلامية منتجا شبيها بحقوق الملكية لدعم إصدار العملة، وذلك بدلاً من ورقة المديونية، كما هو شائع اليوم في عديد من البلدان والبنوك المركزية. وبالفعل، وعلى فرض أن الحكومة والبنك المركزي هما المصدران النهائيان للعملات، فلن يكون هناك سبب لعدم مشاركتهما بالفعل في تحمل المخاطر وتلقي المكافآت الخاصة بالإدارة الاقتصادية العامة.
وبمعنى آخر، إذا كانت هناك أي عملة إسلامية متداولة، على سبيل المثال «عملات الرسملة العامة»، المراد استخدامها لطبع النقود وإصدارها، يمكن للبنوك المركزية تمويل الحكومة، بدلاً من إقراض الحكومة كلما تطلب الأمر. وهكذا، لا تبشر أداة سك النقود الشبيهة بالأسهم بفائدة ثابتة. بل تبشر بعائد يتم دفعه في شكل نصيب من حصة الأرباح الفائضة متى يتم تحصيلها.
لا بد من إصدار عملات الرسملة العامة PCNs بواسطة الخزانة الحكومية، ثم يتم عرضها للبيع إلى البنك المركزي للدولة. ودون تحويل هذه الأوراق إلى ممارسة هندسية مالية، وترك الهيكل القانوني والميزانيات ذات الأجل المحدد للمناقشة في وقت لاحق، فإن إحدى الميزات الأساسية لعملات الرسملة العامة PCNs تستحق أن نلقي نظرة عليها هنا. وستكون الأصول الحقيقية الأساسية الأنشطة التي تدعم هذه العملات الإسلامية بمثابة موارد مادية ومعنوية للدولة والإدارة الإنتاجية الخاصة بها في سعيها نحو تحقيق النمو الاقتصادي, يمكن أيضًا توجيه عملات الرسملة العامة إلى مشاريع خاصة وخطط إنفاق، مثل السيولة التي يتم توجيهها إلى الحكومة، وبالتالي يتم توجيه الاقتصاد وتحقيق أهدافه، مع تضمين خطة عمل وربح متوقع. وبالفعل، عند تخصيصها للمشروعات، يمكن بيع عملات الرسملة العامة إلى مستثمرين خاصين ومؤسسات.

الخاتمة

لم تتم ممارسة عملية خلق النقود الإسلامية بعد في العالم الإسلامي. وكما اقترحنا هنا، تستخدم عملية سك النقود الإسلامية أداة شبيهة بحقوق الملكية لدعم إصدار العملة بدون مدفوعات ذات فائدة ثابتة محددة مسبقًا. ويتم تأسيس هيكل الأوراق على أساس مبدأ مشاركة المخاطر، حيث تشترك الحكومة والبنك المركزي في مخاطر الإدارة الاقتصادية العامة.
وعلى فرض أن الدولة هي المصدر الوحيد للأموال، فإن سك النقود الإسلامية يمكن أن يكون ابتكارًا في البنية الأساسية، وهو ما يسمح للمجتمعات الإنسانية بطباعة أموالها وإدارتها، وهو ما يحدث بالفعل، وذلك من خلال منطق الوجود والملكية، وذلك بدلاً من منطق البقاء والمديونية. وعلاوة على ذلك، وعلى فرض أننا نقوم بخلق العملة من خلال إدارة مؤسسية بين الحكومات والبنوك المركزية، فإن الدين العام هو نوع من التناقض وعبء داخلي كبير يمكن حله من خلال عملية سك النقود الإسلامية.

خاص بـ «الاقتصادية»
رئيس التمويل الإسلامي
بنك UBS الاستثماري

الأكثر قراءة