فرنسا تتجاوز النهج العلماني وأنصاره المتشددين وتختار «التكييف» طريقاً لقيادة الاقتصاد الإسلامي في أوروبا

فرنسا تتجاوز النهج العلماني وأنصاره المتشددين وتختار «التكييف» طريقاً لقيادة الاقتصاد الإسلامي في أوروبا

أكد مختصون عزم الحكومة الفرنسية إصدار قوانين تسمح للمالية الإسلامية بالدخول بقوة إلى فرنسا، إلى جانب البحث في جميع المسارات السياسية والإعلامية والقانونية والتشريعية والبنكية لتنتقل خلال هذا العام إلى الإجراءات العملية.
وعلى الرغم من عدم تحقق أي إجراءات عملية في هذا المجال فإن الحكومة الفرنسية عازمة على إصدار قوانين تسمح للمالية الإسلامية بالدخول لفرنسا، وهو ما أكده كبار المسؤولين الفرنسيين من الرئيس نيكولا ساركوزي وكريستين لاغارد وزيرة المالية والاقتصاد وكريستيان نوييه رئيس البنك المركزي.
وبهذا تكون فرنسا قد امتطت فرنسا قطار المالية الإسلامية، وترغب في مكان مميز فيه حيث تسعى إلى أن تكون مركزا أوروبيا للاقتصاد الإسلامي. وأكد متخصصون اقتصاديون لوكالة الأنباء الكويتية «كونا» أن المشروع الفرنسي الاستراتيجي يندرج ضمن اهتمام فرنسا بالبحث عن خيارات بديلة ومكملة للمالية الراسمالية التقليدية التي تسير وفقها السياسة الرسمية في زمن شح السيولة العالمية.
وواجهت فرنسا في بادئ الأمر اشكالية منهجية تكمن في كيفية التعاطي مع نظام المالية الإسلامية سواء من حيث التكييف بمعنى التنقيب في التراث القانوني والتشريعي الفرنسي على ما هو مطابق أو قريب من العقود الإسلامية، أو من خلال التكيف أي إصدار تشريعات وقوانين خاصة بهذا النظام.
وبعد مناقشات جادة مع جميع الأطراف وخاصة مع وجود النهج العلماني وأنصاره المتشددين و«الإسلاموفوبيا» المنتشرة في الأوساط الفرنسية تم اختيار منهج التكييف حيث تم العثور فعلا على بعض البدائل في التاريخ القانوني الفرنسي يمكن أن تشابه نظم الاقتصاد الإسلامي ومن ضمنها نظام تجارة العقارات الذي يشبه نظام المرابحة ونظام الشركات المساهمة، الذي يقابله نظام المشاركة ونظام النقل المؤقت للملكية (الثقة) الذي يقترب من نظام الوكالة ونظام التعاونيات في التامين، وهو يشبه نظام التأمين التكافلي.
وشدد المتخصصون الاقتصاديون على أن عملية التكييف قد تواجه مشاكل كما حصل في بعض الدول بالتالي يجب ان تعتمد عملية التكيف حيث إن النظام المالي الإسلامي يتطلب تشريعات خاصة به.
ووفقا للدراسات التي أجريت أخيراً فإن القيمة المحتملة لاستثمارات المالية الإسلامية في فرنسا يمكن ان تصل إلى 120 مليار دولار.
وعلى الرغم من مواجهة أول خطوة عملية في هذا الاتجاه للفشل وتمثلت في رفض المجلس الدستوري من ناحية الشكل وليس الموضوع لمشروع قانون يتعلق بجملة من الآليات المقترحة لتمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة عن طريق نظام التمويل الإسلامي إلا أن كريستين لاغارد وزيرة الاقتصاد أكدت أن الحكومة ماضية قدما في مشروعها بدخول المالية الإسلامية الى فرنسا.
ومن جانبه ذكر تيري ديسو مستشار وزيرة الاقتصاد الفرنسية إن الحكومة عمدت إلى إدخال تعديلات في الإطار القانوني والضريبي الفرنسي تستجيب للمبادئ التي تفرضها الشريعة في التمويل الاسلامي. وقال إنه على الصعيد الضريبي نشرت إدارة التشريع الضريبي في كانون الأول (ديسمبر) عام 2008 وثائق حول التعديلات الضريبية الضرورية للغاية على عمليات التمويل الإسلامية.
وأضاف ديسو وهو المسؤول عن ملف المالية الاسلامية أن الإدارة نشرت أيضا دليل الضرائب الرسمي في شباط (فبراير) الماضي متضمنا الاجراءات المتعلقة بوسيلتين أساسيتين في التمويل الإسلامي هما عمليات المرابحة والصكوك. وأوضح أن هناك بعض الامور القانونية والضريبية المتبقية التي ترغب الحكومة بالغائها من أجل فرض الأمان لعمليات التمويل الإسلامي. وقال إن هناك مفاوضات جارية حاليا من أجل تعديل هذه التعليمات للسماح بإدخال عمليات التمويل الإسلامي في ميدان التنظيم والتسوية المصرفية.
ومن جانبه أكد محمد نوري رئيس المجلس الفرنسي للمالية الإسلامية أن فرنسا مازالت في إطار الاستعداد والتهيئة العملية في هذا المشروع حيث لم يتحقق كثير على أرض الواقع إنما هناك استعدادات حثيثة على كل المستويات في هذا المجال.
وذكر أن فرنسا خلال العام الجاري ستنجز الخطوة الأولى المتمثلة في إصدار الصكوك الإسلامية حيث يمكن لبعض البنوك الإسلامية الاستثمارية الكبرى الاستفادة منها وليس بنوك التجزئة الإسلامية، حيث من الممكن أن تدخل خلال العام المقبل.
وأعرب نوري عن اعتقاده بأنه كان من الأجدى اختيار منهج التكيف وليس التكييف حيث إن التجربة الإسلامية إنسانية يمكن أن تستفيد منها البشرية بغض النظر عن الديانات والقناعات وبالتالي فإن منهج التكييف لايمكن أن يتقدم كثيرا وهناك التجربة اللبنانية التي اعتمدت المنهج الأخير عامي 1995 و1996 الا أنه لم ينجح وبالتالي تم عام 2002 الأخذ بمنهج التكيف عن طريق إصدار قانون خاص واستثنائي للتعامل مع المالية الإسلامية.
أما الدكتور صالح الطيار الأمين العام للغرفة التجارية العربية - الفرنسية فقال إن عددا من المصارف الفرنسية موجودة في الخليج تقدم خدمات تتماشى مع الشريعة الاسلامية وإنه من المصداقية بمكان أن تقوم هذه المصارف نفسها بتقديم الخدمات نفسها في فرنسا.
وشدد الطيار وهو رئيس مركز الدراسات العربي - الأوروبي على ضرورة اعتماد عملية التكيف وليس التكييف قائلا إن هناك كثيرين من الشعب الفرنسي وخاصة مع وجود أكبر جالية مسلمة في أوروبا في فرنسا يريد أن يؤمن حاجاته الاستثمارية والاستهلاكية عن طريق النظام المالي الإسلامي. وأضاف أن النظام المالي الإسلامي أثبت نجاعته وهو مضمون وهو ما أثبتته الأزمة المالية العالمية حيث إن أقل الأدوات المالية تضررا كانت أدوات المالية الإسلامية لأنها قائمة على المشاركة.
وقال إن الغرفة أنشأت في هذا المجال في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي وبالتعاون مع البنك الاسلامي للتنمية المعهد الفرنسي للتمويل الإسلامي الذي يهدف إلى تعزيز مفهوم التمويل الإسلامي في فرنسا حيث سينظم أكثر من عشر دورات في السنة للمؤسسات المالية الفرنسية للتعريف بالمنظمة المالية الاسلامية. وأعرب عن اعتقاده أنه خلال النصف الأول من العام الحالي ستكون هناك تشريعات لدخول المالية الإسلامية حيث سيكون هناك نحو ثلاثة تراخيص لفتح فروع لبنوك إسلامية في فرنسا.

الأكثر قراءة