مخصص الديون بين الوقوع والاحتمال
أظهرت نتائج بعض المصارف المحلية خسائر ذات أهمية نسبية عالية خلال الربع الأخير لعام 2009، والفاحص لهذه النتائج يستنبط بكل بساطة أن سببها الرئيس يعود لاحتجاز جزء مهم من أرباحها كمخصصات ديون مشكوك في تحصيلها لمواجهة الأخطار المستقبلية.
يعتمد نموذج أعمال الصناعة المصرفية بالدرجة الأولى على الإقراض، وأن نجاح هذا النموذج يرتكز أيضاً على مقدرة الإدارة على تقدير أخطار الإقراض مقارنة بعوائده، فإن أخفقت في تقدير مستوى خطر الإقراض انعكس مباشرة على نتائج المصرف سواء كان الإخفاق مرده قصور وضعف الإجراءات أو نتيجة عوامل خارجية كالأزمات الاقتصادية.
نعلم أن نظريات المحاسبة ومعاييرها لا تعامل مخصص الديون المشكوك في تحصيلها بشكل عام وفي الصناعة المصرفية بشكل أخص كمصروف قاطع وإنما عبارة عن مصروف محتمل يخضع قياسه لإجراءات محددة واجتهاد من الإدارة ومراجع الحسابات، وأن المبالغة في تقديره تعني ظلماً للمستثمرين الحاليين لحساب المرتقبين، كما أن النقص في التقدير يؤدي إلى عكس النتيجة.
على الرغم من الاعتراف الأكاديمي والمهني بأن مثل هذه المخصصات جزء من نموذج أعمال المصارف، إلا أن قياسه عبارة عن تحوط للأخطار المستقبلية وللحد من قدرة الإدارة على توزيع الأرباح، فهو عبارة عن أرباح مخصصة لمواجهة الأخطار، يعتمد وقوعها على أحداث مستقبلية، لا تمنع المصرف البتة من المطالبة بها، إلا إذا استنفدت درجات التقاضي كافة عندها تصبح ديوناً معدومة، وهنا تعرف بأنها مصروفات حتمية، وأن نجاح المصرف في تحصيل هذه الديون يؤدي إلى إضافتها مرة أخرى للإيرادات، وعليه يقتضى الأمر ضرورة النظر إلى نتائج المصارف بعين فاحصة، وعلى الأخص عدالة تقدير المخصصات، فقد تفقدنا فرصا استثمارية مستقبلية أو العكس، لعلم العامة. والله أعلم.