تخفيض قيمة العملة الصينية يشعل معركة تجارية

تخفيض  قيمة العملة الصينية يشعل معركة تجارية

إذا استمرت بكين في تخفيض قيمة عملتها لدعم النمو الاقتصادي المدفوع بالصادرات على حساب التعافي الاقتصادي في الولايات المتحدة ، فمن شأن ذلك أن يحدث معركة تجارية بين الولايات المتحدة والصين، حسبما رأي مارتن وولف، كبير المعلقين الاقتصاديين في صحيفة فاينانشال تايمز.
ويقول وولف إن الصين تعمل جاهدة للدفاع عن القيمة المتدنية بشكل مصطنع للرينمنبي، على أمل أن تزداد صادراتها حين يتعافى الطلب الخارجي. ووفقاً لسلطات الجمارك في الصين، فإن الصادرات من كانون الثاني (يناير) حتى تشرين الثاني (نوفمبر) تراجعت بنسبة 18.8 في المائة، إلى 1.07 تريليون دولار أمريكي مقارنة بعام مضى، وعلى أية حال، فإن نمو الصادرات يجب أن يزداد في الأشهر المقبلة، وأن يصل ذلك النمو إلى رقم من خانتين في أوائل عام 2010، وذلك وفقاً لـ «رويال بنك أوف كندا».
ويضيف وولف إن جهود الصين سوف تشعل رد فعل «قويا للغاية، وحتى شريراً» من جانب الولايات المتحدة، لأنها تزعزع جهود الولايات المتحدة لتوليد التعافي الاقتصادي.
ويعتقد وولف أن هناك خطراً حقيقياً، وتحديداً إذا لم ينخفض معدل البطالة في الولايات المتحدة، حيث إن جميع التوقعات الحالية تشير إلى أن معدل البطالة لن ينخفض في الولايات المتحدة خلال العام المقبل، وإن الحماية مكلفة إذا رأينا أن الفوائض الصينية تبرز بشكل أكبر على نحو متزايد وتصبح قوية للغاية. وربما يكون هناك انهيار تجاري حقيقي».
رغم ذلك، يشكك وولف في أن «حرباً تجارية» سوف تندلع، وبدلاً من ذلك، فمن المحتمل أن تكون مجرد «معركة وجيزة». وسبب ذلك أن صادرات الولايات المتحدة إلى الصين قليلة نسبياً، فيما عدا المواد الخام التي تستخدم في إنتاج السلع التي يعاد تصديرها إلى الولايات المتحدة. وفي الوقت الحاضر، تعاني الولايات المتحدة عجز تجاريا يبلغ 212 مليار دولار أمريكي مع الصين، الأمر الذي يجعلها «حرباً تجارية من طرف واحد» إلى حد كبير.
إن مصدر القلق هو، في أوقات التوترات التجارية، أن تتخلى الصين عن سندات الخزانة الأمريكية، ومن «الخطأ» ألا يكون هناك مشترون آخرون لتلك السندات، حسبما يقول وولف. ويوضح أن القطاع الخاص في الولايات المتحدة مدعوم بفائض مالي، ويبلغ فائض الدخل على الإنفاق نحو 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي البالغ 13 تريليون دولار أمريكي.
ويبين وولف: «بناءً على ذلك، يجب ألا نقلق إزاء عدم قيام الأمريكيين بالادخار ــ إنهم يدخرون»، ويشير إلى أن الشركات والأسر الأمريكية تدخر نحو 1.4 تريليون دولار سنوياً. ويضيف: «هذا في حقيقة الأمر... ما يمول الحكومة الأمريكية»
ويضيف وولف قائلاً إنه إذا أنهى مقرض رئيسي للولايات المتحدة دعمه لسوق سندات الخزانة الأمريكية فإن معدلات الفائدة سوف ترتفع، ولكنها لن تحدث «أي اختلاف حاسم» في أسواق المال.
لدى سؤاله عن وجهات نظره بأنه سوف يكون للولايات المتحدة مبرر لاتخاذ إجراءات عقابية ضد التخفيض المستدام لقيمة الرينمنبي من جانب الصين، أجاب وولف بقوله إن مثل ذلك الإجراء سوف يكون أفضل الآن وليس فيما بعد، وأنه يرغب لو أن الولايات المتحدة تصرفت قبل ثلاثة أو أربعة أعوام مضت.
وذكر وولف: «في عالم الطلب الضعيف هيكلياً، إذا كان هناك بلد كبير للغاية... محدد بشكل مطلق للمحافظة على تنافسيته، فإن ذلك يكافئ فنياً بشكل مطلق التعرفات الجمركية، والمساعدات المقدمة إلى الصادرات الموحدة تماماً».
ويضيف: «هذا تماماً ما يعنيه سعر الصرف متدني القيمة. فهو تعرفة جمركية موحدة إضافة إلى مساعدة مقدمة إلى الصادرات. وفي تلك الحالة، فإنني شخصياً أعتقد أن للبلدان الحق في حماية أنفسها. وهذا ما فعله نيكسون في عام 1971 بخصوص اليابان، وألمانيا. وهذا في واقع الأمر ما أتوقع أن تفعله الولايات المتحدة. ولا أريد منها أن تفعل ذلك، ولكنني أعتقد أنها لن تكون فكرة سيئة لو أنها هددت بالقيام به».
وأشار وولف قائلا: «لم تصل المحادثات الودية إلى أي نتيجة. ووجهة نظري، في هذا السياق، هي أن السياسات الحالية للصين تسبب عدم الاستقرار بشكل جذري، ويجب أن تتغير. وقمنا بإجراء المناقشات، وعلينا الآن أن نتخذ بعض الإجراءات».
للمزيد من التأكيد، فإن العملة متدنية القيمة للصين تدعم مركزها كدولة التصنيع والتصدير متدني التكلفة المهيمنة دولياً. غير أن الولايات المتحدة تعتمد على الصادرات لتدفع بالتعافي الاقتصادي لديها، وتقلل عجزها المالي الضخم البالغ 1.5 تريليون دولار، أو نحو 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
إذا كانت الصادرات الأمريكية تشكل ما بين 6 و8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، فينبغي زيادة تلك النسبة زيادة مهمة في طلب القطاع الخاص في الولايات المتحدة. ولكن من شأن ذلك أن يزيد من نطاق تضخيم فقاعة أصول أخرى، حسبما يقول وولف. وفي تلك الحال، بإمكان الولايات المتحدة الاعتماد فقط على زيادة صافي الصادرات، ويجب على الصين حتمياً أن تلعب دوراً في هذا، حسبما يضيف وولف.
لدى سؤاله عن التداعيات على الاقتصادات الآسيوية التي أسست مصانع إقليمية بالشراكة مع الصين من أجل التصدير إلى الولايات المتحدة وأوروبا، يشير وولف إلى أن المؤرخ الاقتصادي نيل فيرجسون أطلق عبارة «صين ــ أمريكا» لوصف العلاقة الرمزية الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين.
وحيث إن العلاقة انهارت من جانب الطلب، الأمر الذي يعني أن الأسر الأمريكية المدينة بشكل مفرط خسرت قوتها للإنفاق، فإن وولف يقول إنه لا يرى أي طريقة لإعادة إحياء «الصين ــ أمريكا». ويضيف أن الوضع الذي كان فيه نمو الاستهلاك الأمريكي السنوي نحو 4 في المائة، بالسعر الحقيقي الفعلي، في العقد الماضي ــ أكثر بثلاثة أضعاف وتيرة نمو الاستهلاك الأساسي في أوروبا واليابان ــ لن يحدث مرة أخرى. ويقول إن المملكة المتحدة في وضع اقتصادي أسوأ من الولايات المتحدة، في حين أن اليابان، وألمانيا، ومعظم البلدان المتقدمة التي فيها معدلات ادخار عالية، ترفض، أو هي غير قادرة، على الحلول مكان الولايات المتحدة في دفع الطلب العالمي.
بناءً عليه، سوف يتعين على الاقتصادات الآسيوية أن تتطلع باتجاه باقي بلدان آسيا لتدفع الطلب على السلع المنتجة في المنطقة، طبقا لوولف.

الأكثر قراءة