الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم تصارع من أجل البقاء عقب الركود
عندما يتعلق الأمر بتأمين الدعم المالي، يقدم رائد المشاريع جاك ما، وهو رئيس مجلس إدارة مجموعة علي بابا الصينية ورئيسها التنفيذي النصيحة التالية للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم: لا تعتمدوا على الحكومة والبنوك، بل اعتمدوا على أفراد عائلاتكم وعلى أصدقائكم.
وفي معرض حديث له في سنغافورة، أخبر جاك ما مؤتمراً إقليميا حول الشركات الصغيرة والمتوسطة أنه يترتب على كل بلد أن يقدم حزمة من الحوافز المالية لدعم نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة، مضيفاً أن شركات اليوم الصغيرة والمتوسطة ستكون شركات الغد الكبرى مثل eBay وجوجل وUPS.
وخَبرَ ما نفسه المصاعب التي تقترن بتنمية الشركات. ففي عام 1999، أسس مجموعة علي بابا التي نمت لتصبح خمس شركات للتجارة الإلكترونية تقدم خدمات التعامل فيما بين الشركات، وخدمات تجارة التجزئة، ومنافذ الدفع الإلكترونية للأطراف الأخرى وغيرها من الخدمات. ويعمل لدى المجموعة 17 ألف شخص في الصين، واليابان، وكوريا، والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
ويقول ما إنه بينما كان دائماً يواجه صعوبات في الحصول على التمويل من البنوك، إلا أنه تمكن من توسعة شركته. وقد انتقد أيضاً البنوك التي ترفض تقديم القروض للشركات الصغيرة والمتوسطة بدعوى افتقارها إلى المعلومات عن هذه الشركات.
وتساءل ما : «أخبروني – هل يذهب أي من الرؤساء التنفيذيين للبنوك الكبرى أو مديريها لحضور مؤتمر القمة الخاص بالشركات الصغيرة والمتوسطة؟ الجواب هو لا، إنهم يذهبون لحضور قمة الرؤساء التنفيذيين». وقد أثار ذلك عاصفة من الضحك والتصفيق.
«كيف يمكنكم الحصول على المعلومات إذا لم تذهبوا هناك وتستمعوا إلى تلك الشركات وتتحدثوا إليها وتشاركوها في الخبرات لتعرفوا أن ما تحتاج إليه لا يزيد على 50 ألف وليس 20 مليون دولار أمريكي؟».
لكن شخصية مصرفية حضرت المؤتمر كانت لها وجهة نظر مختلفة. فحسب السيدة جانيت وونغ، رئيسة المصرفية المؤسسية في بنك DBS السنغافوري، فإن الشركات الصغيرة والمتوسطة تحصل على الدعم المالي الذي تحتاج إليه من الحكومات والبنوك. لكنها تعترف أنه عقب الأزمة المالية، بدأت بعض البنوك تطالب بسداد القروض التي قدمتها بسبب المصاعب المالية التي تواجهها، الأمر الذي أدى إلى قيام بنوك أخرى بتشديد خطوطها الائتمانية والتسبب في أزمة سيولة للشركات الصغيرة والمتوسطة.
إن السيكولوجية التي تعمل بها البنوك هي أنه لا يريد أي منها أن يكون آخر بنك منكشف لشركة تستخدم نقديتها لسداد البنوك الأخرى وقد لا يكون عملها يسير بشكل جيد».
ورغم ذلك، عملت حكومات آسيوية كثيرة بسرعة لإنهاء نقص السيولة لدى الشركات الصغيرة والمتوسطة وذلك عبر تنفيذ برامج الإقراض المدعومة من الحكومة، كما تقول السيدة وونغ. وبموجب هذه البرامج، تعمل الحكومات عن كثب مع البنوك لتقديم القروض التي تضمن الدولة سداد 80 ــ 90 في المائة منها.
وتقول وونج: «لقد قدم هذا مساعدة هائلة للاقتصادات الآسيوية المحلية عبر توفير السيولة حيثما كان تقديمها مهماً. وقد استطاع كثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة، رغم تأثرها بتراجع الطلب العالمي، الحصول على التمويل والسيولة وسط التراجع الحاد للطلب». وتلاحظ السيدة وونج أن برامج الإقراض المدعومة من الحكومات ما زالت متاحة لكنها أضافت أن معدل السداد تراجع وسط التعافي الخجول للاقتصاد العالمي.
ومن جانبه، دعم البنك الآسيوي للتنمية تدفقات تجارية تقدر بنحو مليار دولار أمريكي في هذا العام حتى الآن وزاد قيمة برنامجه الخاص بتسهيلات التمويل التجاري لتصل إلى مليار دولار الذي يتحمل فيه البنك المذكور الخطر الذي يمكن أن تتعرض له البنوك المصدِرة نيابة عن البنوك الضامنة، كما يقول روبرت فان زويتين، مدير أسواق رأس المال التابعة للبنك الآسيوي للتنمية وقسم القطاعات المالية.
ويقول فان زويتين إن الشركات الصغيرة والمتوسطة في آسيا تأثرت بالأزمة المالية العالمية التي تسببت في جفاف تقديم التمويل التجاري بصورة شديدة لعدة أسباب. فأولاً، كانت البنوك الرئيسية ما زالت تترنح عقب الأزمة المالية، وبالتالي خفضت مخصصاتها الرأسمالية لتمويل الأنشطة التجارية للشركات الصغيرة والمتوسطة. وثانياً، وضع إطار معاهدة بازل الثانية خطأ تمويل الأنشطة التجارية على قدم المساواة مع الإقراض، متجاهلاً حقيقة أن معظم التمويل التجاري قصير المدى وأنه تمويل خاص بالتصفية الذاتية تدعمه التدفقات التجارية الأساسية.
ويضيف فان زويتين أن الشركات الصغيرة والمتوسطة تعتبر حجر الزاوية لرسالة البنك الآسيوي للتنمية المتمثلة في خفض معدلات الفقر في المنطقة. وما يؤكد ذلك أنها تشكل نحو 90 في المائة من جميع الشركات في بلدان منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتوظف 60 في المائة من مجموعة القوة العاملة. كما أنها تسهم بنحو نصف الناتج المحلي الإجمالي لبلدانها، لكنها لا تشكل إلا 30 في المائة من الصادرات الإجمالية. ويدل هذا على أن لدى الشركات الصغيرة والمتوسطة إمكانية قوية للنمو إذا ما تم تقديم الدعم اللازم لها.
ورغم تلكؤ التراجع الاقتصادي للمنطقة، فقد تم تصحيح وجهة التمويل التجاري نزولياً، كما يقول فان زويتين. بيد أنه طرأ بعض التحسن على تقديم التمويل التجاري بفضل المساعدة التي تقدمها الحكومات. فقد أصبحت القروض قصيرة الأجل متاحة في بعض الأسواق الآسيوية، رغم أنه ما زال من الصعب الحصول على تمويل تجاري طويل الأجل لمدة عامين، كما يضيف فان زويتين.
وعلى صعيد القطاع الخاص، تتكاتف الشركات الصغيرة والمتوسطة لمساعدة بعضها بعضاً، كما يقول أندي ليم، رئيس نادي Enterprise 50 ، وهو اتحاد للشركات الصغيرة والمتوسطة. ويقول ليم الذي هو أيضاً رئيس لمجلس إدارة شركة الأسهم الخاصة المعروفة باسم تيمبوسو بارتنرز Tembusu Partners، إن الشركات الصغيرة والمتوسطة تعيد ضم الصفوف وتعمل معاً لكي يتسنى للبنوك أن تقيم مخاطر القروض بشكل أفضل وأن تعظم الفرص المتاحة للحصول على القروض. وعلى سبيل المثال، يعمل الاتحاد الذي يضم في عضويته 130 شركة مع البنوك للحصول على وصول أفضل للتسهيلات المصرفية محلياً وخارجياً.
ويضيف ليم أن الشركات الأعضاء تجمّع مواردها لتمويل الشركات التي تحتاج إلى عمليات ضخ الأموال. وزيادة على ذلك، يقوم الاتحاد بتنظيم زيارات إلى الشركات الأعضاء للتعرف على عملياتها، الأمر الذي قد يسفر عن استثمارات في الشركات الأعضاء التي تدرج في البورصات مستقبلا. ولكي تتمكن الشركات الصغيرة والمتوسطة من المحافظة على قدرتها على الحصول على احتياجاتها من التمويلات التجارية، تقول السيدة وونغ من البنك الآسيوي للتنمية إن الشركات ينبغي أن تركز على سيولتها، وعلى توفر النقدية لديها وعلى علاقاتها مع البنوك. وعندما تنمو الشركات، ينبغي عليها أن تشرك البنوك التي تتعامل معها في خططها التوسعية، وأن تبقي عينها على حجم مديونيتها وأن تطور حاجز حماية لمساعدتها على تجاوز حالات الركود في المستقبل، طبقا لوونج.