اختلاف الفقهاء حول التورق المنظم.. هل يحسم عامة الناس الجدل ؟

اختلاف الفقهاء حول التورق المنظم.. هل يحسم عامة الناس الجدل ؟

في ظل الجدل القائم بين فقهاء الأمة حول مشروعية التورق المنظم من عدمه، أصبحت قضية «الاجتهاد» الشرعي هي الأمر الحاسم في هذه القضية. حيث يرتكز انقسام الفقهاء على كيفية تفسيرهم لاجتهاداتهم الشرعية الخاصة حول التورق.

أسهم انقسام الفقهاء فيما بينهم في تباين وجهات نظر البنوك الإسلامية حول مشروعية التورق المنظم من عدمه، الأمر الذي انعكس على عملاء هذه البنوك من صغار المستثمرين. وطرح ذلك تساؤلات عما إذا كانت الطبقة العامة من المجتمع، التي يستهدفها هذا المنتج، ستحسم أمرها في كيفية تعاملها مع هذا المنتج المصرفي.
يقول الفقيه الأمريكي يوسف ديلرنزو: «من رأيي أن العامة هم من سيتخذ القرارات النهائية - يقصد حول التورق - في هذه الأمور. بعبارة أخرى، حين تكون هناك اختلافات في الاجتهادات، وهذا أمر طيب دائماً، وهو علامة على أن الفقهاء نشطون ومشتركون في النقاش ويفكرون بعمق في هذه القضايا المهمة، فإن من الممكن الخروج بنتيجة معينة بفعل قبول الناس لها أو عدم قبولهم بها. ينطبق هذا بصفة خاصة فيما يتعلق بالمصرفية الإسلامية».
ويتابع: «على سبيل المثال، قبل الجمهور في ماليزيا ممارسات معينة استناداً إلى اجتهاد فقهائهم، وهو اجتهاد لم يقبله الجمهور في دول الخليج العربي. يمكن لموضوع التورق أن يسير على الدرب نفسه.وعن الاختلاف بين الفقهاء حول منتج التورق، قال مصدر مصرفي لـ «الاقتصادية» في الأسبوع الماضي: «هذا تطور مثير للاهتمام، وهو تطور ضروري. ليس ما نراه هو اختلاف بين المذاهب، وإنما هو خلاف واضح في الاجتهادات قائم على المصادر نفسها. اختلاف الاجتهادات في الفقه أمر طيب وصحي، طالما كانت نتيجة العلم والتطبيق الصحيح لهذا العلم على المسألة موضوع البحث».

التورق يصل للهاتف المحمول!!

ويحاول ديلرنزو أن يبين كيف أسهم الماليزيون من العامة في قبول بعض من منتجات التورق المبتكرة التي قد لا تلقى الترحيب الشرعي نفسه في منطقة الخليج. وكان الفقيه الأمريكي يشير إلى شكل جديد من أشكال إدارة الأموال النقدية تم تطويره من قبل بنك ر إتش بي الإسلامي على شكل هيكل التورق (المرابحة العكسية)، يقوم على الوقت المخصص على الهاتف الجوال باعتباره أحد الأصول الكامنة لهذا الهيكل.
حيث من المقرر أن يشتري البنك الماليزي وقتاً مخصصاً على الهاتف الجوال من شركة إي باي E-Pay، وهي شركة لتزويد شحن البطاقات والمكالمات الخلوية مسبقة الدفع بالطريقة الإلكترونية، بسعر التكلفة، ثم يبيعه مقابل ربح معين إلى زبائنه. الزبائن بدورهم سيبيعون الدقائق إلى شركة تزويد المحتوى، وهي سيدانيا ميديا جروب Sedania Media Group، لجمع أموال فورية. ويأمل البنك الماليزي أن يحصل على تمويل بقيمة 60 مليون دولار من خلال التورق خلال الأشهر الـ 12 المقبلة.
التعامل في التورق في الوقت المخصص على الهاتف الجوال تترتب عليه رسوم أقل مقارنة بالسلع الأخرى، وهذا من شأنه أن يوفر على الزبائن مبالغ في حدود 30 في المائة مقارنة بالتداول في السلع. على اعتبار أن العقد هو بالرسائل النصية، وبالتالي فهو غير ورقي.

إقفال باب الاجتهاد؟

من ناحيتها ترى البروفيسورة رسني حسان، المتخصصة في التمويل الإسلامي التي تعمل محاضرة في الجامعة الإسلامية الدولية في ماليزيا، أنه ليس من المصلحة العامة «إقفال باب الاجتهاد في وجه صناعة الصيرفة الإسلامية» وتتابع في مقابلتها مع «الاقتصادية» :»نحتاج إلى الاجتهاد كي نسهم في إيجاد منتجات إبداعية».
ويسمح الاجتهاد للفقهاء بأن تكون لهم آراء مختلفة وتفسيرات متباينة حول الأمور التي تعد ذات طبيعة غير قاطعة. لكن من المؤكد أن الاجتهاد لا يعني عدم مراعاة الأحكام الشرعية والاسترشاد بها. ولكن حين يتعلق الأمر بالأمور الأخرى التي لا يوجد حولها حكم شرعي قاطع، يجوز للفقهاء، بحسب رسني، أن ينظروا في الاعتبارات المحيطة بالأمر، وحاجة الناس إلى هذا الأمر في المكان والزمان المعينين، في سبيل الخروج بفتوى جديدة تكون أكثر عملية أو ملاءمة في تلك المناسبة وذلك المكان.
وكانت صناعة المال الإسلامية تنادي منذ أكثر من ستة أعوام بضرورة إيجاد تفسير موحد ومعياري لجميع الاجتهادات الشرعية المرتبطة بالصكوك والتورق. ولكن حتى هذه اللحظة ، لم تتمكن الصناعة من الإتيان بمعيار قياسي واحد قابل للانطباق على جميع أنواع الصكوك. والسبب في ذلك هو الاجتهاد. ويرى العاملون في قطاع الصيرفة ضرورة النظر إلى الاجتهاد من منظور إيجابي، بمعنى أن المرونة التي تكتسب من الاجتهاد تسمح لهم بالخروج بمنتج يكون مناسباً وربما يفي بحاجة الطلب، على أن يتم ذلك بدراسة كل حالة على حدة، ودراسة البيئة المحيطة بالوضع. وترى الخبيرة الشرعية أن التوصل لمعيار واحد حول الصكوك قد يسهم في إقفال باب الاجتهاد.
من جانبه يقول الدكتور محمد قسيم، رئيس الهيئة الشرعية لبنك دبي الإسلامي في باكستان، نحن لا نقوم بالاجتهاد من أجل عدد قليل من الناس في بلدة واحدة فقط. نحن نعمل في صناعة عالمية، لذلك يتعين علينا أن نكون في منتهى الحذر. ينبغي علينا أن نعمل من خلال الاجتهاد الجماعي، عن طريق المجالس الشرعية الإقليمية والدولية، مثل هيئة المحاسبة. كانت هناك جهود في التاريخ الإسلامي لإغلاق باب الاجتهاد، ولكن هذا لم يحدث ولن يحدث أبداً، لأن الالتزام بالأحكام الشرعية موجود معنا إلى يوم القيامة، وتوجد فيها جميع الحلول.
ولكننا نعلم أن القرآن الكريم لم يذكر كل شيء بالتفصيل، وإنما أعطانا المبادئ الأساسية التي يمكن استخدامها من خلال الاستخدام المناسب للاجتهاد».
ويواصل: «لدينا الكثير من الهياكل المقبولة للصكوك. فلماذا يجب أن نقول إنها مرفوضة. أعني أن الابتعاد عن التعاملات الربوية هو من الأمور الشرعية. يتحدث الناس ضد هذا الأمر، ويقولون إنه ينبغي أن تكون لدينا آلية شرعية للاقتسام الحقيقي للربح والخسارة. طبعاً هذا أمر يوصي به أهل الصناعة. يجب علينا الانتقال نحو هذا التوجه، ولكن الابتعاد عن التعاملات القائمة على أساس ربوي هو بحد ذاته هدف واجب التحقيق. أحياناً إذا دفعت جهة الإصدار وبالغت في التشديد عليها، فإنها ستذهب إلى السندات التقليدية. وبالتالي يقول المجلس الشرعي: (حسناً، دعونا نخفف من هذه القاعدة هنا، والفقهاء الشرعيون يقبلون بذلك). وهذا يعني أنه ليس بمقدورنا «تخفيف» الأحكام الشرعية الأساسية. بعض الفقهاء الشرعيون يقبلون بذلك لأنهم يرون الصورة الكبيرة، نريد من هذا الجهاز الحكومي أن يصدر الصكوك».

الأكثر قراءة