المصرفية الإسلامية والتشوهات
تتهم المصرفية الإسلامية بين حينٍ وآخر باتهامات مختلفة وألقاب متعددة تدل على التهكم وعدم الثقة بالمصرفية الإسلامية من مثل «مصرفية الحيل» و»مصرفية أصحاب السبت» و»مصرفية التيوس المستعارة» وتكون هذه الاتهامات أقرب للحقيقة عند تطبيق بعض منتجات المصرفية الإسلامية بطريقة خاطئة خلافاً لما أجازته الهيئة الشرعية للمؤسسة المالية، عندها يحلو للبعض تسمية التورق مثلاً بـ «التورط» وهكذا. والحقيقة إنه يجب علينا الإقرار بأن المصرفية الإسلامية تعاني مشكلات متعددة وعقبات مختلفة أوجدت فيها بعض التشوهات وأسهمت في وجود انحرافات تهدد مستقبلها يستوجب معالجتها والوقوف عندها، فمنها على سبيل المثال نقص الكفاءات البشرية المؤهلة والمدربة للعمل في المصرفية الإسلامية وتطبيقها بشكلٍ صحيح وقادرة على تطوير منتجاتها وضبطها بالضوابط الشرعية، حيث إن أغلب الكفاءات البشرية العاملة في القطاع المصرفي الإسلامي وإن كانت ذات أداء عال وعقلية مميزة، لكن في مجال المصرفية التقليدية لأن دراستها وخبراتها تقليدية للأسف، وهذا بدوره جعل هذه الكفاءات التقليدية عند إدارتها للمنتجات الإسلامية تسعى لجعلها منتجات قريبة من المنتجات التقليدية أو تطبق بطريقة فيها مخالفات شرعية مما يوجد التشكيك بمصداقية المصرفية الإسلامية التي ترجع هذه الصناعة إلى الوراء وتجعل أكثر المتحمسين لها يفقدون الثقة بها؛ لذا يجب أن يكون من أولويات المصرفية الإسلامية الاهتمام بدعم تخريج الكفاءات البشرية المؤهلة لقيادة العمل المصرفي الإسلامي بطريقة صحيحة ليس فيها مخالفات شرعية، وأن تكون هذه الكفاءات قادرة في الوقت نفسه على تحقيق أرباح مرضية للمساهمين.
ومن المشاهد أن التوجه العام للمسلمين لإيداع واستثمار أموالهم في المصرفية الإسلامية مع الأرباح التي حققتها جعل كثيرا من البنوك التقليدية داخل بلاد المسلمين وخارجها الدخول في هذا النوع من الصيرفة من غير خبرة وتمييز بين المنتجات الإسلامية والتقليدية مما أوجد وأسهم في أخطاء حسبت على المصرفية الإسلامية. ومن المعلوم أن العمل المصرفي بطبيعته عمل في غاية الدقة والحساسية ويحتاج إلى كفاءة وخبرة في الإدارة فكيف بالعمل المصرفي الإسلامي الذي يضيف على العمل المصرفي مزيداً من الضوابط الشرعية والتي تحتم عليه العمل بموجبها وعدم الخروج عنها.
إن النقد للمصرفية الإسلامية حق مشروع للجميع ولكن يجب أن يكون نقداً بناءً يبني ولا يهدم يسهم في التطوير والتقدم لا كاسرا للهمم والمعنويات. فالنقد الموضوعي القائم على أسس سليمة خاصة من الخبراء بهذه الصناعة العارفين بها سيكون كالدواء من الطبيب المعالج، فمهما اشتد الألم، فالشفاء قريب ـ بإذن الله، فلا ينبغي أن نهاجم المصرفية الإسلامية هجوماً يفقدنا إياها ويجعل النظام الربوي هو السائد عندها نتحسر على فقدها وفراقها ونتمنى عودتها، كما لا يصح أن تذوب المصارف الإسلامية مع المنافسة في براثن المصارف التقليدية لتخرج لنا بعدها منتجات تقليدية تسميها إسلامية فيها نوع من التحايل والصورية في معاملاتها، بل الواجب تحديد التحديات والعقبات التي تواجه المصرفية الإسلامية ومعرفة الأخطاء التي تقع فيها ومن ثم العمل على معالجتها وتصحيح أخطائها لتبقى لنا مصرفيتنا الإسلامية ملتزمة بأحكام الشريعة رائدةً في تقديم منتجاتها محققة الأهداف التي من أجلها قامت المصرفية الإسلامية.