الجمعة, 2 مايو 2025 | 4 ذو القَعْدةِ 1446


الثقافة التنظيمية والجودة الشاملة.. القيم والمبادئ التي يكوّنها الأفراد

تطرقنا في المقال السابق إلى أن المنظمة لا يمكن أن تطبق فلسفة ومفهوم ومبادئ الجودة الشاملة إلا إذا تبنت القيم والمبادئ التي يجب أن تسود جميع أفرادها، وهذا ما يطلق عليه الثقافة التنظيمية.
إن الاهتمام بالعنصر البشري في الوقت الحاضر أصبح العامل الأهم لتحقيق أهداف المنظمة وما يعتنقه الفرد من القيم والمعتقدات وطريقة التفكير وتاريخ نشأة المنظمة، مضافا إليها كل تصرفات الأفراد واتجاهاتهم، خاصة القيادة الإدارية بكل مستوياتها يكون لها تأثير كبير في سلوكيات الأفراد داخل المنظمة وخارجها.
إذا الثقافة التنظيمية تتكون من القيم والمعتقدات والمبادئ الأساسية التي يكونها الأفراد داخل منظماتهم وبيئاتهم، والتي تدفع بسلوكيات معينة. وهذه القيم والمبادئ التي يعتنقها الأفراد في المنظمات لها تأثير قوي ومباشر في سلوكهم وأدائهم أعمالهم وعلاقاتهم برؤسائهم ومرؤوسيهم وزملائهم. وتعكس هذه القيم والمعتقدات درجة التماسك والتكامل بين أعضاء المنظمة، ومن ثم فإن هذه القيم تعبر عن قدرة المنظمة على إيجاد قيم أساسية يمكن أن تتحرك حولها كل الجهود وعلى جميع المستويات.
وفي الجودة الشاملة مفهوم الثقافة التنظيمية يعني الطريقة التي تؤدّى بها الأعمال والتي تميز المنظمة عن غيرها من المنظمات وتنطلق أساسا من مجموعة من القيم والسلوكيات والقواعد الإجرائية العملية. وإذا أردنا أن نأخذ بمفهوم ومبادئ الجودة الشاملة فعلينا العمل على ترسيخ الثقافة التنظيمية داخل المنظمة التي يشعر فيها الأفراد بحرية المشاركة بأفكارهم والمشاركة في حل المشكلات واتخاذ القرار واعتبار ذلك بمنزلة قاعدة أساسية في العمل.
فعلى سبيل المثال، نجد أن شركة أرامكو والصندوق الصناعي ومعهد الإدارة، من المنشآت التي التزمت بتوفير ثقافة المبادرة والتطوير والمشاركة في المنشأة والتي تقوم على أساس توافر قيم الريادة والابتكار داخل المنشأة والعمل الجماعي الجاد المنظم والالتزام التام تجاه العميل الداخلي والخارجي، وبالتالي أصبحت مخرجاتهم ذات جودة عالية ومتميزة.
إن تغيير ثقافة الأفراد داخل المنظمة هو جوهر تطبيق إدارة الجودة الشاملة، إذ إن الملتحقين بالمنظمة ينتمون إلى ثقافات خاصة ومتنوعة وعلى الرغم من أن الأفراد يخضعون للثقافة العامة والقيم العامة للمجتمع إلا أنهم قد تشربوا القيم الخاصة بهم، وهنا يأتي دور المنظمة في تحديد قيمها ومبادئها الخاصة بها وتطوير السياسات التي تحولها إلى قواعد ونظم ومعايير ونمط إداري يميز عملياتها ومخرجاتها ومظهرها العام التي تنعكس على مخرجاتها والأفراد العاملين بها. ولا شك أن تبني الثقافة التنظيمية في الجودة الشاملة في المنظمة سينتج عنه تحسين العملية الإنتاجية ومخرجاتها وبصورة مستمرة وتطوير المهارات القيادية والإدارية لقادة المنظمة وتنمية مهارات وخبرات واتجاهات العاملين، وبالتالي التركيز على تطوير العمليات الإنتاجية أكثر من تحديد المسؤوليات. والملاحظ أن القيادات الإدارية في المنشآت القيادية ذات الطابع المهني الاحترافي هم الذين يخلقون الثقافات الخاصة بمنشآتهم تبعاً لوضعهم القيادي التنافسي المتميز.
والتغيير الثقافي نحو تطبيق مفهوم ومبادئ الجودة الشاملة يمثـل إستراتيجية تغيير جوهري حيث تهدف إلى إحداث تغيير ثقافي فكري عملي ومهني في المدى الطويل، ويتطلب هذا التغيير التزاماً من الإدارة العليا بترجمة هذا الالتزام إلى نمط إداري فاعل يقتدي به الأفراد العاملون في المنشأة بمعنى أن تثبيت نوع الثقافة المطلوبة والمستهدفة يؤدي إلى بلورة المبادئ والقيم الرئيسية والتي سوف تنعكس على السلوك الإداري ككل. ولكي تنعكس الثقافة المطلوبة بكل أبعادها ولتحقيق هذا الانعكاس يحتاج إلى قدرة وكفاءة لدى قادة المنشأة لإدارة التحول والانتقال من الوضع الحالي والمستقر بكل ما يحتويه من ممارسات وطرق تقليدية إلى تحول يؤدي إلى الوضع المستهدف والمخطط له. وعادة التغيير الثقافي يأخذ وقتاً طويلاً ويمكن أن يواجه بمقاومة شديدة من قبل العاملين في المنظمة ويجب إقناعهم لتبني هذا التحول والانتقال، خاصة الموظفين القدامى وأصحاب الكفاءات المزيفة ممن ليس لديهم الدافعية لتبني مفاهيم وثقافة التغيير في المنظمة.
وهنا يجب تفهم حقيقة وأبعاد التغيير في الثقافة التنظيمية ودراسة احتمالات ما يجري من ردود فعل العاملين عندما تحاول المنظمة إحداث التغيير في طرق وأساليب العمل المتبعة وآلياته والسلوك التنظيمي المرافق له وإدخال الثقافة التنظيمية والمهارات الجديدة المطلوبة والقيم التي ستسود البيئة الجديدة، فالعاملون يحتاجون إلى ترك الطرق التقليدية القديمة والاتجاه وبشكل مرن نحو استخدام طرق حديثة جديدة، وهذا ليس أمراً سهلاً، فالفشل في توصيل المراد والهدف من تطبيق الثقافة التنظيمية في الجودة الشاملة يعزز السلبية تجاه التغيير وهذا سوف يخلق مشكلات غير محسوبة لجميع أعضاء المنظمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي