المحكمة العليا
الذي دعاني إلى كتابة هذا المقال ابتداء هو المبنى المستأجر لمقر المحكمة العليا في الرياض. بمجرد انعطافك من طريق الملك فهد إلى الدائري الشمالي شرقاً ستجد على يمينك مبنى زجاجياً كأي مبنى تجاري حديث لمكاتب الأعمال، وتوجد لوحة عليه تدل على أنه مبنى المحكمة العليا، فهل هذا أمر اعتيادي أن تكون أعلى محكمة قضاء عام في المملكة في مبنى تجاري، والأمر المهم هو: ما اختصاصات المحكمة العليا؟
لن أتحدث عن تفاصيل المبنى وأبعاده المعمارية فلست متخصصاً في فن العمارة، ولكن ما يحز في نفسي أنك تذهب إلى مدينة صغيرة في الولايات المتحدة أو في أوروبا وتعرف المحكمة المحلية فيها تلقائياً في معظم الأحيان بسبب عنايتهم بالمحاكم وبناياتها، ودور هذا الأمر الشكلي في إحاطة مرفق القضاء بهيبته، وهذه العناية توجد كذلك في عديد من الدول الفقيرة. يوجد لديناً بعض المحاكم التي تمثل هذه العناية، كالمحكمة العامة في الرياض ومشروع المحكمة الجزائية في الرياض. هذا ما لدي علم عنه، وقد يكون هناك عديد غيرها حصلت على العناية اللازمة ونأمل أن تكون جميع مباني المحاكم في المملكة كذلك.
هذا المبنى يظهر أنه مؤقت للمحكمة العليا، حيث إن وزارة العدل أعلنت قبل ستة أشهر عن بناء مبنى يليق بالمحكمة العليا، ونأمل أن ذلك حالياً تحت الإنشاء ويتم نقل مقر المحكمة العليا قريباً ولا يكون كمبنى ديوان المظالم الذي ما زال منذ سنين في مبنى تجاري.
بخصوص اختصاصات المحكمة العليا نصت المادة 11 من نظام القضاء على أن «تتولى المحكمة العليا إضافة إلى الاختصاصات المنصوص عليها في نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية مراقبة سلامة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض معها في القضايا التي تدخل ضمن ولاية القضاء العام وذلك في الاختصاصات الآتية:
1 - مراجعة الأحكام والقرارات التي تصدرها أو تؤيدها محاكم الاستئناف بالقتل أو القطع أو الرجم أو القصاص في النفس أو فيما دونها.
2 - مراجعة الأحكام والقرارات التي تصدرها أو تؤيدها محاكم الاستئناف المتعلقة بقضايا لم ترد في الفقرة السابقة أو بمسائل نهائية ونحوها وذلك دون أن تتناول وقائع القضايا متى كان محل الاعتراض على الحكم ما يلي:
أ ـ مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض معها.
ب ـ صدور الحكم من محكمة غير مشكلة تشكيلا سليما طبقا لما نص عليه في هذا النظام وغيره من الأنظمة.
ج ـ صدور الحكم من محكمة أو دائرة غير مختصة.
د ـ الخطأ في تكييف الواقعة أو وصفها وصفا غير سليم.
بخصوص الاختصاصات المنصوص عليها في نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية، فلم يتم إقرار التعديلات عليهم بعد كي تتوافق مع الهيكلة القضائية الجديدة. وفي رأيي أن هناك نقصا في اختصاصات المحكمة العليا وهو الشق المتعلق بالاختصاص الدستوري للمحكمة، فهل المحكمة باختصاصاتها الحالية لها دور الرقابة على دستورية الأنظمة واللوائح الصادرة؟ الذي يظهر لي أن لها مراقبة الأحكام الصادرة من المحاكم في القضاء العام من ناحية دستورية، حيث إن المحكمة لها الحق في نقض الحكم إذا كانت تعتقد أنه يخالف الشريعة الإسلامية.
الكتاب والسنة كما هو معروف بناء على النظام الأساسي للحكم هو دستور المملكة. فإن صح التعبير يكون لها اختصاص دستوري مرتبط فقط بالأحكام وليس رقابة دستورية على القوانين الصادرة. وحيث إن المادة 46 من النظام الأساسي للحكم نصت على «أن القضاء سلطة مستقلة ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة». فقد كان حريا بالمشرع في التعديلات الحالية لهيكلة القضاء أن ينص على الاختصاص الدستوري بصراحة للمحكمة العليا لتفعيل هذا النص من النظام الأساسي للحكم. وبناء على أن التطوير القضائي في المملكة على قدم وساق هذه الأيام فلعل أن يتبنى المشرع ذلك، وقد يكون من الأفضل أن يكون تعيين القضاة في المحكمة العليا لمدى الحياة في حالة سماح الظروف الصحية لهم بذلك ويكون عزلهم عن طريق الهيئة العامة للمحكمة لتدعيم استقلالهم.
تدعيم استقلالية القضاء ورقابته على أعمال السلطة التنفيذية كما هو موجود حالياً في ديوان المظالم مع وجود الرقابة على السلطة التشريعية بالاختصاص الدستوري للمحكمة العليا سيزيد من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمملكة وسيدعم البنية القانونية لها.