لقطات تلفزيونية تبرز مشكلات سياسية
بمناسبة كأس الأمم الإفريقية، وقعت أزمة تعاقدية بين قناة اشترت حقوق البث من الاتحاد الإفريقي وبين التلفزيون المصري. وقام التلفزيون – بعض المحطات – بتسخين الموقف، والمبالغة في وصف هذا الاختلاف التجاري بأنه مؤامرة ضد المصريين.
وقبل ذلك بأشهر كلنا نذكر ما فعله مقدمو البرامج الرياضية وغيرهم في التلفزيون الجزائري والتلفزيون المصري، عندما بادر أحد مقدمي البرامج الجزائريين بالحديث عن قتلى في مصر من أبناء الجزائر، ورد التلفزيون المصري بحملة قوية أساءت للعلاقات بين البلدين. بل إن الأمر وصل إلى حد مطالبة البعض بقطع العلاقات والتعامل مع الآخر على أنه عدو.
الإعلام هنا عندما مارس حريته بدون فهم للسقف الذي ينبغي الوقوف عنده تسبب في مشكلات خطيرة. ويبدو أن عصر الاتصالات والثورة الإلكترونية سيمضي بنا قدما نحو البحث عن أسباب جديدة لإشعال الحروب. والأسباب المعروفة للحرب هي الاعتداء على أرض أو مصدر مائي أو ميناء استراتيجي أو قطع طريق تجاري أو قتل مواطنين، أو تفجير مواقع حيوية. أما الآن فإن التلفزيون أصبح وسيلة مهمة في إشعال الحروب.
القصة التي نحن بصددها هي إذاعة التلفزيون التركي لمسلسل أظهر الإسرائيليين في صورة شهيرة لهم وهي القتل، وهذه المرة قتل الأطفال واختطافهم. وهاجت إسرائيل التي تحرص على ممارسة كل الموبقات سرا وإبراز صورة وردية جميلة للغير تظهر فيها الدولة اليهودية في صورة النقي الديمقراطي الإنساني المتحضر. وأي اختراق للأسوار يواجه بالاتهام الشهير: معاداة السامية – ومعاداة إسرائيل. وكأنما إسرائيل أصبحت الدولة الوحيدة في العالم التي حصلت على تصريح مفتوح للعربدة والإجرام دون أن يجرؤ أحد على اتهامها أو التصدي لها.
استدعى نائب وزير الخارجية الإسرائيلي السفير التركي في إسرائيل ووبخه بشدة ثم قام بالمهزلة التالية .. بعد استدعاء الرجل تم إجلاسه على مقعد في مواجهة منصة يجلس عليها ثلاثة مسؤولين إسرائيليين وعليها علم إسرائيلي. وفي مخالفة لكل الأعراف الدبلوماسية لم يُوضع العلم التركي. وكأنما الرجل يُحاكم ويُوضع في مكانة أقل (كان مقعده أكثر انخفاضا) أضف إلى ذلك حملة من الزمر الصاخب الذي تعود اليهود إطلاقها في هذه المناسبة، لتستفز حليفها الاستراتيجي.
غير أن أردوغان الشجاع أثبت أنه لا يهاب، ورغم جهود أمريكا تحت رئاسة كلينتون في رأب الصدع بين إسرائيل وتركيا، إلا أن أردوغان لم يتوقف عن الهجوم على إسرائيل بسبب عملية الرصاص المصبوب الأولى التي تزمع إسرائيل أن تتبعها بأخرى.
وللحق فإن التفوق الدرامي الهائل للتلفزيون التركي، أعطى بعض الآثار عندما توجهت موضوعاته إلى القضايا الإنسانية.
وفي مشهد لا يُنسى عرض التلفزيون التركي مشهدا لأب فلسطيني يرفع رضيعا فوق رأسه فقام جندي إسرائيلي يرتدي ملابسه العسكرية كاملة ويحمل كامل عدته بإطلاق الرصاص على الرضيع فأرداه قتيلا. احتج الصهاينة وقالوا إن عرض هذا المشهد يهدد السياح الإسرائيليين بالقتل إذا ما زاروا تركيا.
انتقل الإسرائيليون من ذلك إلى الهجوم العشوائي على الأتراك لتخويفهم ولكن الأتراك شهروا سلاح التلفزيون علانية، وقالت الشركة منتجة مسلسل ''وادي الذئاب'' إنها ستواصل كشف الإجرام والمجرمين ومحاصرة المذنبين بذنوبهم وأعمالهم. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تشن فيها تركيا حربا تلفزيونية على إسرائيل، لأنها عرضت في تقرير وثائقي وفي مسلسل آخر الإسرائيليين وهم يقتلون الأطفال الفلسطينيين بدماء باردة.
ويحتاج اليهود إلى خداع الأتراك أكثر من غيرهم في دول المنطقة، ولذلك جاءت صدمتهم هائلة عندما شاهدوا هذا الإعلام الذي صور حقائقهم ذلك أن تركيا ارتبطت منذ عام 1998 بمعاهدة للاتفاق العسكري مما جعلها الحليف الأقرب لإسرائيل من بين دول المنطقة. وكالعادة لا يجد اليهود حجة لدحض من يكشف جرائمهم إلا اتهامه بمعاداة السامية، عسى أن يسفر الاتهام عن التخويف الذي انتاب الغرب من جراء إسكات أصوات كل من ينتقد إسرائيل بهذه الذريعة. وقد رد الأتراك بإيقاف نشاطهم في المناورات المشتركة مع إسرائيل مما دفع الحليف المستجيب أبدا – الولايات المتحدة – إلى إيقاف المناورات. وأتوقع أن تقع حوادث كثيرة مماثلة، يقوم فيها طرف بتناول حقبة تاريخية أو موقف إنساني أو قضية متشابكة تلفزيونيا، ونظرا لتأثير التلفزيون الشديد فإن ردود الفعل لم تعد مجرد التجاهل ودع القافلة تسير، ولكنه أصبح ينطوي على استدعاء الدبلوماسيين واتخاذ مواقف سياسية قد تكون شديدة التأثير.