الوقف الإسلامي يستعيد دوره في روسيا رغم ضعف التشريعات
في بداية التمويل الإسلامي، حين لم تكن هنالك بنوك إسلامية، كان بعض العلماء المسلمين يكتبون أنه يكفي توفير آلية فاعلة لجمع وتوزيع أموال الزكاة، واللجوء إلى الأوقاف الإسلامية لإقامة نظام اقتصادي عادل في العالم الإسلامي. غير أن بلداناً إسلامية قليلة في أيامنا هذه لديها أنظمة عمل ناجحة وشاملة للزكاة، وإدارات أوقاف ذات كفاءة مناسبة. وحتى في البلدان التي لديها مصرفية إسلامية متطورة، وأنظمة استثمار، وتأمين، فإن الزكاة، والوقف لا يلعبان دوراً رئيسياً في تحقيق التنمية الاقتصادية.
إن لدى روسيا التي تضم وفقاً للتقديرات المختلفة, أعداداً تراوح بين 9 و25 مليون مسلم، نظاماً مصرفياً تقليدياً، حيث لا تتمتع المؤسسات المالية الإسلامية بأي وضع خاص. والأكثر من ذلك، أن البنك المركزي الروسي، ألغى في شهر ديسمبر من عام 2006، الترخيص الممنوح لبنك بدرفورت الذي هو البنك الإسلامي الوحيد في روسيا. ولم تعد روسيا، منذ ذلك الحين، أفضل مكان لتطوير الاقتصاديات الإسلامية، على الأقل لدى مقارنتها بما يحدث في أوروبا على هذا الصعيد. غير أن على المرء ألا يبالغ في حدة التشاؤم إزاء فرص وتوقعات النشاط المصرفي الإسلامي في روسيا، وذلك للأسباب التالية:
كان إنشاء البنوك الإسلامية، ونوافذ الخدمات المصرفية الإسلامية في أوروبا في نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي، وبداية العقد الأول من الألفية الحالية، بمثابة استجابة لرغبات قوية من المسلمين في أوروبا إزاء هذا الأمر، وسعياً لإيجاد خدمات إسلامية متخصصة تلبي تلك الرغبات.
كان جانب الغرابة في بنك بدرفورت في روسيا لا يعود فقط إلى أن هذا البنك هو الوحيد الذي يتعامل وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية في هذا البلد، وإنما كذلك لأن إنشاءه تم في فترة لم تكن تشهد طلباً على خدمات المصرفية الإسلامية. وإن توفير مثل هذا الطلب مسألة تحتاج إلى مرور الوقت. وهنالك اهتمام متزايد بالحصول على الخدمات المصرفية التي تتقيد بقواعد الشريعة الإسلامية، وذلك في أقاليم روسية متعددة مثل موسكو، وتتارستان، وداغستان، والشيشان.
أما أوروبا، فلديها على الأقل 30 عاماً من الخبرة في مجال التمويل الإسلامي. وشهدت هذه الفترة كثيرا من حالات النجاح، إضافة إلى عدد من حالات الفشل. وكان بنك بدرفورت يقدم الخدمات المصرفية في روسيا منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، أي أن بنكاً يقدم عدداً من الخدمات المصرفية الإسلامية في روسيا لم تكتب له الحياة، إلا لمدة ست سنوات تقريباً، وبالتالي فإن هذه الفترة الزمنية كانت قصيرة للغاية للحكم على مستقبل وفرص المصرفية الإسلامية في روسيا.
ويلاحظ بعض الخبراء أن من بين أهم العوائق الرئيسية التي تقف في طريق تطوير المصرفية الإسلامية في روسيا، انعدام الطلب من جانب الجمهور الروسي على مثل هذه الخدمات المتخصصة. غير أن هذا الأمر صحيح في جانب منه فقط، حيث يدرك كثير من المسلمين أن المؤسسات المصرفية التقليدية بنت نفسها، بمرور الأيام، على تقاضي الفوائد المصرفية. غير أن أولئك المسلمين لا يعرفون كيفية تجنب المشاركة في العمليات التي تقوم على تقاضي الفوائد. ولن يحل هذه المشكلة إلا تمكين أكبر عدد منهم من الحصول على معلومات دقيقة حول الخدمات المصرفية الإسلامية.
#2#
وأرى أن بإمكان المسلمين في روسيا أن يستغلوا فرصة متاحة لإنشاء أشكال جديدة من الوقف المتناسبة مع متطلبات القرن الحادي والعشرين. ولن يكون بإمكان المؤسسات المالية الإسلامية حين تمارس كامل نشاطاتها في روسيا تلبية كل الطلبات المتخصصة لهؤلاء في المجتمع الروسي. ويلاحظ، كما كانت التجارب في عدد من البلدان، أن بنوكاً إسلامية قليلة هي التي ترغب في العمل في المناطق الريفية في البلدان التي تخطت مراحل بدايات التصنيع، حيث هنالك حاجة شديدة إلى تمويل المشروعات متناهية الصغر. وينبغي للمرء أن يتذكر على الدوام أن البنوك، سواء كانت إسلامية، أم تقليدية، ليست مؤسسات إحسانية، أو خيرية، حيث إن هدفها الرئيسي هو تعظيم الأرباح.
ويمكن النظر إلى روسيا على أساس أنها من البلدان ذات الدور المتطور للوقف على مدى التاريخ، مع أن ذلك الأمر كان قد فقد خلال الحقبة السوفييتية. وتحاول هذه الدراسة إثبات مدى صحة ذلك. وإذا كان الأمر صحيحاً، فهل هنالك شروط مسبقة لإنشاء أنظمة الوقف والزكاة مجدداً في روسيا؟
الوقف في روسيا
إن الوقف هو عبارة عن ممتلكات مخصصة للأعمال الخيرية. وحين يتم تحويل ممتلكات ما إلى وقف، أو حين يتم الإعلان عن ذلك، وفقاً لما يراه بعض علماء الدين من المسلمين، فإنه لا يعود ملكاً لصاحب الوقف، كما أنه لا يصبح ملكاً لمن يتولون الوقف، أو يديرونه، لصالح المستفيدين من ريعه الذين يحددهم صاحب الوقف الذي خصصه. ويحظر استخدام الوقف لغير الأهداف المحددة ضمن هذه العملية.
حدثت نهضة في مجال الوقف الإسلامي في القرن الحادي عشر، حيث شهد التاريخ بروز طيف واسع من أشكال الوقف، الأمر الذي أسهم بقوة في تطوير الطب، والتعليم، وأسهم كذلك في تقديم العون الغذائي للطبقات التي كانت بحاجة إلى ذلك. وقد ظل الوقف هو المورد الوحيد لتمويل التعليم العالي في البلدان الإسلامية لعدد من القرون.
استضافت مدينة كازان، قبل سنوات قليلة، ندوة روسية شاملة شارك فيها جميع رؤساء المجالس الدينية الإسلامية، وكان عنوانها "الوقف ومستقبله في روسيا الحديثة". ووفقاً لما قاله الأئمة الذين تحدثوا خلال تلك الندوة، فإن الوقف في أيامنا هذه، هو الفرصة الوحيدة المتاحة أمام المنظمات الدينية لمسلمي روسيا للمحافظة على استقلالهم المالي. وإذا حكمنا على مجريات الأمور من خلال ما قاله الأئمة خلال تلك الندوة، وكذلك من المعلومات التي قدمت أثناء ندوات سابقة شبيهة بها، فإنه يبدو أن القادة الدينيين للمسلمين في روسيا لم يكونوا على فهم دائم وواضح لأهداف الوقف.
وغالباً ما يتم التعامل مع الوقف كصندوق لتمويل النفقات التشغيلية للمساجد، وعلماء الدين المسلمين. ومن الصعب إطلاق حوار بنّاء إذا كانت لدى أولئك الذين يسعون إلى تطوير الوقف أفكار غامضة فيما يتعلق به.
هنالك بعض المشكلات المشابهة التي لا تقل أهمية عن ذلك في روسيا في فترة ما قبل الثورة البولشفية. وكان من أوائل ممتلكات الوقف في ذلك الحين، ما تم من وقف ممتلكات جرى تخصيص ريعها لمسجد كازان الرئيسي الأول، وذلك في عام 1830، حيث كان صاحب ذلك الوقف هو التاجر المعروف غابدولا يونوسوف الذي لم يحدد قواعد إدارة ذلك الوقف، والسيطرة على العوائد الناتجة عنه. وكان هذا مجرد مثل وارد ضمن أمثلة كثيرة لحالات الوقف، وجوانبه التنظيمية والمؤسسية في منطقة حوض نهر الڤولجا. وقد رفض ورثة رجل الصناعة المعروف يوتيأمشيف تنفيذ جانب من وصيته يتعلق بوقف بعض ممتلكاته بحجة أنه لم تكن هنالك إجراءات معينة تساعدهم على تنفيذ تلك الوصية.
لقد رفض العالم التتاري المتنور في القرن التاسع عشر، شهاب الدين ماردجاني، هذا التفسير للوقف الذي كان التجار الأغنياء يستغلونه للسيطرة على الحياة الاقتصادية للمجتمع. ويعود إليه معظم الفضل في الفتوى بأن الهدف الرئيسي للوقف، التزاماً بما تنص عليه مبادئ الشريعة الإسلامية، أصبح من الأنظمة المعمول بها، حيث أنشئت مؤسسة ذات اختصاص بهذا الشأن. وقد تراجع عدد الجهات الفاعلة للخير في ذلك الحين بسبب نفوذ إخوة يونوسوف، وبسبب كثرة عدد التجار من التتار الذين كانوا يسيطرون على حياة تلك المجتمعات في ذلك الوقت. غير أن الوقف أخذ يتوجه إلى أغراضه الرئيسية بعد منتصف القرن التاسع عشر بصورة ملحوظة، وذلك في منطقة حوض نهر الڤولجا، فيما يتعلق بالحاجات الاجتماعية لسكان تلك المنطقة. وبرز في ذلك الوقت أمر ضرورة حماية المصالح الاقتصادية للمجتمعات الإسلامية، وكذلك مصالح الأفراد الممثلين لتلك المجتمعات.
#3#
وجرى كذلك التسجيل الرسمي لعمليات تحويل الممتلكات إلى وقف في القرن التاسع عشر. وبذلك نالت الغطاء القانوني اللازم لتحقيق كونها معاملات رسمية. وتم النص على أن إجراءات الوقف، وفقاً للتشريعات الجديدة، لا بد من توثيقها خطياً، بحيث تودع لدى الجمعية الخاصة التي يختارها المجتمع ذو العلاقة لهذا الغرض. وكان لا بد من أن تشتمل تلك الوثائق المكتوبة على وصف دقيق ومفصل للممتلكات التي تصبح وقفاً، وتحديد قيمتها، وكذلك النص على شروط إدارة الوقف، وبنود التخلي عن الملكية ذات العلاقة لهذا الغرض الوقفي المحدد.
لقد خولت مجتمعات المسلمين أئمة المساجد في ذلك الوقت بالتقدم بطلبات الموافقة على عمليات الوقف إلى وزارة الداخلية. وكانت موافقة تلك الوزارة ترسل بعد ذلك إلى الجمعية المحمودية الروحية التي كانت تجيز الإجراءات ذات العلاقة، وتعمل على إخبار صاحب، أو أصحاب الوقف، بالقرارات التي يتم اتخاذها في وزارة الداخلية، حيث إنه بعد هذه الإجراءات تعتبر عملية نقل الملكية إلى وقف قد تمت حسب الأصول المتبعة بهذا الخصوص. وكان أفراد المجتمع المسلمون من ذوي العلاقة بهذا الأمر مكلفون بتقديم التقارير السنوية المتعلقة بالوقف، وتسجيله الرسمي في الدفاتر.
ويجب أن يقال إنه خلال فترة روسيا ما قبل الثورة، كان ما يطلق عليه الوقف النقدي منتشراً انتشاراً واسعاً، حيث كان صاحب الوقف يخصص مبلغاً معيناً تستخدم عوائده للإنفاق على المساجد، وعلى العلماء من المسلمين، وطلاب المدارس الدينية الإسلامية، وفئات أخرى ذات علاقة بكل هذه الأمور التي كان الوقف الإسلامي يستهدفها بصفة خاصة. والحقيقة هي أنه بينما كانت تتم من خلال هذه العملية مراعاة عدد لا بأس به من المبادئ الرئيسية الواردة في الشريعة الإسلامية، فإنه تم بالفعل خرق قاعدة رئيسية من قواعد الشريعة المتمثلة في تحريم الربا، حيث إن خرق هذه القاعدة كان يمارس على نحو متكرر للغاية أثناء تلك الفترة الزمنية من تاريخ روسيا.
كان يتم تمويل كثير من الفعاليات الإسلامية في طول وعرض منطقة حوض نهر الڤولجا في ذلك الوقت من خلال الفوائد التي يتم تحصيلها على المبالغ المودعة في البنوك التقليدية. غير أن كثيرا من ممارسات الوقف قد انتهى بالفعل بعد قيام الثورة البولشفية في روسيا في عام 1917، على الرغم من أن هذا التوقف حدث على مدى فترات زمنية، ولم يتم بصورة كاملة، أو مفاجئة بعد هذه الثورة. وقد عاشت أطول الفترات بعد الثورة مؤسسات الوقف الإسلامي في مناطق شمال شرقي القوقاز. ولم تصدر السلطات المحلية مرسومها المتعلق بتأميم ممتلكات الوقف الإسلامي في تلك المناطق إلا بعد عشر سنوات من قيام الثورة، حيث جاء المرسوم الخاص بذلك التأميم في عام 1927. وجاء المرسوم الخاص بذلك كوثيقة صادرة عن جمهورية داغستان الشيوعية التي كانت تشكل جزءا من الاتحاد السوفييتي.
تجري مناقشة الشؤون ذات العلاقة بالأوقاف الإسلامية على نحو متكرر تماماً في تتارستان، حيث يتم ذلك الأمر على أعلى المستويات. وقد جرى في أواسط التسعينيات من القرن الماضي نقاش واسع خلال اجتماع خاص ضم علماء دين مسلمين في هذه الجمهورية، ورئيسها، منتمر شاميڤ، حيث دار البحث حول إنشاء مؤسسات وقف إسلامي لتوليد دخل, كانت المساجد والمؤسسات الإسلامية في هذه الجمهورية بحاجة ماسة إليه. وقد قرر الرئيس، في ذلك الحين تشكيل لجنة متخصصة بهدف الدراسة العميقة لكل هذه الأمور. وجرى بالفعل إرسال عدد من المتخصصين في هذه الشؤون إلى تركيا لاكتساب مزيد من المعرفة، والخبرة. واستطاع مؤتمر عام لمسلمي هذه الجمهورية، بعد سنوات قليلة من ذلك، إيجاد منصب "رئيس شؤون الوقف الإسلامي"، حيث كان يشغل كذلك النائب الأول للمفتي الشرعي، وكذلك تم إنشاء مؤسسة للوقف الإسلامي تحت إشراف المفتي بنفسه. وحدد القانون الخاص بجمهورية تتارستان شروط الوقف الإسلامي، ودخلت لأول مرة في التاريخ نطاق التشريعات في روسيا تحت غطاء قانون حرية العقيدة والجمعيات الدينية.
وكان ما ورد في هذا التشريع من تعليمات خاصة بالوقف أقرب إلى إعلان النوايا منه إلى الفكرة القانونية القابلة للتطبيق على أرض الواقع. وجعلت هذه الصفة ذلك التشريع موضع كثير من التساؤلات بمرور الأيام إلى أن تم في النهاية تعديله، وجعله منسجماً مع القوانين الاتحادية الناظمة لعموم الأراضي الروسية. وتم الإبقاء على شروط الوقف الإسلامي، حتى وإن لم يكن يمارس من الناحية العملية.
وقد أصر النواب الممثلون لجمهورية تتارستان في البرلمان الروسي على أن كل النصوص الخاصة بالأوقاف الإسلامية في روسيا تظل دون جدوى طالما لم يتم إدخال التعديلات اللازمة على القوانين الاتحادية. ولذلك تقدم هؤلاء النواب بمبادرة في عام 2008 لتضمين فقرات صريحة حول شؤون الوقف الإسلامي في القوانين الاتحادية الروسية. وفي أوائل ذلك العام، اقترح رئيس المجلس العقائدي الإسلامي في جمهورية تتارستان، جوسمان إسحاكوڤ، تطبيق هذه الإجراءات. غير أن السلطات الاتحادية الروسية لم تستجب بعد لمثل هذه المطالب الخاصة بتشريع وتنظيم الوقف الإسلامي في البلاد.
#4#
إن فكرة تضمين وإبراز قواعد وأفكار الوقف الإسلامي في التشريعات الاتحادية الروسية أمر مهم كذلك بخصوص استعادة المسلمين أملاك الوقف على مستوى البلاد، تلك الممتلكات التي جرى تأميمها بعد ثورة عام 1917. ويشير المسلمون الذين طالبوا جمهورية القرم (أوكرانيا) بإعادة الأوقاف الإسلامية المؤممة إلى ملكية أصحابها الأصليين، إلى أنه كان هنالك كثير من الممارسات العملية الوقفية الإسلامية على أرض الواقع أيام حكم قياصرة روسيا قبل ثورة عام 1917. ويعمل علماء المسلمين، وكذلك عدد من المؤرخين من ذوي الاهتمام بهذا الشأن، على حصر ممتلكات الوقف الإسلامي في جمهورية تتارستان، وفي منطقة حوض نهر الڤولجا ككل.
وعلى الرغم من إدراج مواد خاصة بشؤون الوقف الإسلامي ضمن التشريعات والقوانين الاتحادية في روسيا، فإن ذلك الأمر ليس كافياً لضمان استعادة المسلمين أملاكهم الوقفية التي تم تأميمها بعد ثورة عام 1917. ولعل أهم أسباب ذلك يتمثل في أنه لم تتم المحافظة على جانب كبير من الوثائق ذات العلاقة بتلك الأوقاف الإسلامية.
إن مؤسسات الوقف يمكن أن تثبت أنها عامل مساعد للمهاجرين المسلمين إلى روسيا، حيث هنالك أعداد كبيرة من المهاجرين من آسيا الوسطى موجودة الآن وتعمل في روسيا، كما تقدر بعض المصادر المطلعة أن هنالك ما يراوح بين نصف مليون، ومليون من المواطنين الطاجيك يعملون الآن داخل روسيا، وبصفة مؤقتة. ولا يتحدث معظمهم اللغة الروسية بصورة سليمة، وليست لديهم معلومات رئيسية كافية عن هذا البلد، وعن قوانينه وتشريعاته، إضافة إلى جهلهم بأمور كثيرة أخرى. وإن المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق هم الأكثر انخراطاً في تطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة. ومما لا شك فيه أن زيادة معرفتهم بالأمور سوف تساعد كثيراً في تسهيل حياتهم، وتفعيل أثرهم الإيجابي في تنشيط وتعزيز النشاطات العملية التي تصنف في فئة المشروعات الصغيرة والمتوسطة على امتداد الأراضي الروسية.
إن دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة لا يشترط أن يكون في صورة تقديم وتخصيص الأموال السائلة بصورة مباشرة لها، ولكن يمكن أن يتم ذلك أيضاً من خلال العمل الجاد، والمنظم الذي يهدف إلى تقليل تكاليفها من الناحية التشغيلية، وكذلك من جوانبها الإدارية. وتبرز في هذا المقام بالذات الأهمية الكبرى التي يمكن أن يمثلها دعم الأبحاث والدراسات الخاصة بهذه الأمور من قبل أولئك الذين يشرفون على إدارة وتوجيه مؤسسات الوقف الإسلامي على الأراضي الروسية. غير أن معظم تمويل المجالس الإسلامية، والمساجد في روسيا، يأتي في الوقت الراهن من مصادر تمويل متعددة مثل الصدقات، والزكاة، وليس من جانب الوقف الإسلامي.
استنتاجات رئيسية
ثبت أن البنوك التقليدية لا يمكن أن تعتبر شركاء يعتمد عليهم من جانب المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وقد لجأ معظم هذه البنوك، نتيجةً للأزمة المالية العالمية الحادة، إلى زيادة معدلات أسعار الفوائد، الأمر الذي جعل مثل هذه المشروعات الصغيرة والمتوسطة غير قادرة على الوفاء بمتطلبات خدمة ديونها.
- على الرغم من أن فكرة الوقف ما زالت غير موجودة في التشريعات الاتحادية الروسية، إلا أن أمام السلطات الروسية المختصة فرصة حقيقية لإنشاء مؤسسات شبه وقفية في البلاد.
- إن فكرة تعطل مؤسسات وقفية كثيرة عن العمل في روسيا الثورة، إيجابية، لأن كثيراً من تلك المؤسسات الوقفية كان يخرق كثيرا من القواعد والمبادئ الواردة في الشريعة الإسلامية أثناء ممارسة تلك المؤسسات الوقفية نشاطاتها في الفترة الزمنية التي سبقت ثورة عام 1917.
- إن إثارة موضوع العودة إلى ذلك الشكل من ممارسات المؤسسات الإسلامية السابقة للثورة الروسية، أمر غير مجدٍ، حيث إن معظم الأوراق والوثائق المتعلقة بممارسات تلك الفترة الزمنية فقد بالفعل.
- حين لا يكون هنالك تعريف واضح تماماً بخصوص جوانب اتفاقيات الوقف في التشريع الاتحادي على مستوى روسيا، يصبح من الصعب ضمان أن الوقف يخدم الأغراض التي قام من أجلها، كما أن مسؤوليات وحقوق الأطراف المعنية، في ظل مثل هذا الوضع، سوف تعمل على خرق ومخالفة قواعد الشريعة الإسلامية الخاصة بذلك.
- إن مؤسسات إدارة الأموال والصناديق المحددة وفق قواعد في التشريعات الروسية لا تلائم أغراض الوقف الإسلامي، ويمكن تحقيق بعض أغراض ذلك الوقف من خلال مؤسسات خيرية ترعى شؤون التعليم، وغير ذلك من حاجات المجتمعات الإسلامية في روسيا.