المصارف السعودية في مقدمة المصارف الإسلامية والعربية
ثمة نشاط متنام للمصرفية الإسلامية في الشرق الأوسط وتحديدا دول الخليج العربية، وهذا النشاط يرشح المملكة العربية السعودية لأن تكون عاصمة للتمويل الإسلامي، لكن يستلزم ذلك توافر عديد من الشروط التي ذكرها جورج حميري المدير الأول في شركة "بوز آند كومباني" .. إلى تفاصيل الحوار :
ما أهم التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية، وخصوصاً في أعقاب الأزمة المالية العالمية؟
تواجه المصارف الإسلامية تحديات عدة, منها إيجاد فرص جديدة ومتنوعة للنمو وتثبيت مصادر التمويل طويل الأجل، إلى جانب تعزيز مواردها البشرية في شتى المجالات وخصوصاً في مجال إدارة المخاطر وتحسين مستوى الخدمة والمنتجات المقدّمة للعملاء.
إن تقلص فرص النمو من جرّاء تداعيات الأزمة المالية في قطاعات أساسية للمصارف الإسلامية كالعقارات والمشاريع إلخ.. والضوابط الصارمة التي فرضتها المصارف المركزية على قطاع التجزئة، دفعت بالمصارف الإسلامية إلى البحث عن مصادر أخرى للمداخيل وعن أسواق جديدة تمكّنها من التعويض عن بعض التراجع في إيراداتها والحفاظ على وتيرة نمو مرتفعة. لكنّ البحث عن فرص نمو جديدة يجب أن يقترن باهتمام متزايد بتحسين جودة الخدمات المقدمة لقاعدة العملاء الحاليين، إذ لم تتمكّن أكثرية المصارف الإسلامية حتى الآن من إقناع عملائها بأنّها قادرة على تقديم خدمات ومنتجات تتلاءم مع احتياجاتهم أو مستوى خدمة أفضل من المصارف التقليدية.
وفي ظل التحديات المتعددة كالمنافسة المتزايدة وقلة فرص النمو المحلية وضرورة التركيز على جودة الخدمة، تتطلب المرحلة المقبلة تعزيز الموارد الإدارية والبشرية والكفاءات، ولا سيّما في مجال تطبيق الاستراتيجيات وإدارة المخاطر وتحسين الجودة، إلخ. كما يجب على المصارف الإسلامية تعزيز المهارات والخبرات في فهم أحكام الشريعة وكيفية تطبيقها في مجالات مصرفية وتمويلية جديدة.
هل تأثر نمو المصارف الإسلامية بشكل أكثر/أقل من المصارف التقليدية بالأزمة المالية العالمية؟
كان أداء المصارف الإسلامية أفضل من المصارف التقليدية حتى عام 2008 (سجلت الأرباح التشغيلية قبل المخصصات للمصارف الإسلامية بين أكبر 30 مصرفاً في الشرق الأوسط نمواً بحوالى 11 % في العام 2008، في حين تراجعت هذه الأرباح للمصارف التقليدية بحوالى 6 %).
وقد انعكس المسار في عام 2009 إذ سجلت الأرباح التشغيلية قبل المخصصات للمصارف الإسلامية بين أكبر 30 مصرفاً في المنطقة نمواً بنحو 4 % حتى نهاية الفصل الثالث من عام 2009، في مقابل نحو 43 % للمصارف التقليدية. ويمكن أن نعيد السبب في ذلك إلى التراجع الكبير في الدخل المرتبط بالقطاع العقاري والاستثمارات في أسواق الأسهم المحلية والعالمية.
ما النسبة التي تشكلها المصارف الإسلامية من مجمل القطاع المصرفي العربي، والسعودي على نحو خاص؟
تضم المصارف الإسلامية نحو %15 من أصول أكبر 30 مصرفاً في الشرق الأوسط وتساهم بنحو %20 من الدخل التشغيلي الإجمالي (قبل المخصصات) لهذه المصارف. وفي ما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، تتحكم المصارف الإسلامية بنحو 17 - %18 من الأصول الإجمالية للمصارف (ونحو 27 ــ %28 من الأرباح الصافية الإجمالية للمصارف).
كيف يمكن للسعودية أن تصبح عاصمة الصيرفة الإسلامية، وسيما أن اقتصادها لم يتأثر بفعل الأزمة المالية العالمية؟
سوق المملكة من أهم وأكبر أسواق الصيرفة الإسلامية في العالم اليوم, وتحتل المصارف السعودية مرتبة متقدمة جداً في ترتيب المصارف الإسلامية والعربية، كما أنّ قيمتها السوقية تجعلها تنافس حتى بعض المصارف الأجنبية لناحية حقوق المساهمين وكفاية رأس المال.
ولكن لا تزال المملكة تفتقد بعض الركائز الأساسية كي تصبح المركز الأوّل للصيرفة الإسلامية في العالم, كتطوير سوق الصكوك المحلية (وجعلها سوقاً عالمية لإصدار الصكوك وتداولها)، وإنشاء أسواق إقليمية وعالمية أخرى (كسوق للسلع أو للتسنيد مثلاً) وتعزيز السيولة والتداول في بعض الأدوات الاستثمارية التي تتطابق مع الشريعة, وأخيرا تعزيز القوانين والأحكام في مجالات عدة كالرهن العقاري واستملاك الأصول المرهونة .. إلخ.
يشاع أن شعبية المصارف الإسلامية ازدادت في الآونة الأخيرة نظراً لقلة الخسائر التي لحقت بها من جراء الأزمة الاقتصادية العالمية، هل ترون ذلك صحيحاً؟
تجنبت المصارف الاسلامية الاستثمار في المنتجات المركبة المرتبطة بالديون مثلا الـ CDO واعتمدت أكثر على التمويل التقليدي وفرص الاستثمار المرتكزة إلى الأصول أو المدعومة من الأصول (مثل العقارات)، مموّلة من خلال ودائع الأفراد بصورة رئيسية. كما التزمت في الأسهم الخاصة (من خلال المشاركات) واستثمرت في أسواق الأسهم العالمية والإقليمية.
لماذا تركز المصارف الإسلامية على تمويل السلع الاستهلاكية والعقارية أكثر من تركيزها على تمويل المشاريع الصناعية والزراعية والسياحية؟
تركّز المصارف الإسلامية نشاطاتها التمويلية والاستثمارية على السلع الاستهلاكية والعقارات حيث لا يتطلّب هذان القطاعان التزامات طويلة الأجل ويؤمنان عائدات جيدة في المدى المنظور ــ أما القطاعات الأخرى كالصناعة والسياحة فتستلزم عادة تمويلا طويل الأجل (إلى 25 عاماً في بعض الحالات) بعائدات متدنية نسبياً، ما يفرض على المصارف البحث عن مصادر تمويلية طويلة الأجل كالصكوك وتمويل من المصارف الأخرى في أسواق رأس المال العالمية التي ليست متداولة بكثافة ولا سيّما أن الأزمة المالية الأخيرة قلّلت من السيولة في الأسواق العالمية. لذلك تعد المؤسسات الحكومية والتنموية كالبنك الإسلامي للتنمية المؤسسات الوحيدة القادرة حالياً على الاضطلاع بهذا الدور الحيوي.
ما القطاعات التي لم تخترقها المصارف الإسلامية بعد, سواء في مجالات التمويل أو الاستثمار؟
بعيداً عن القطاعات التي لا تتعامل بها المصرفية الاسلامية يمكن تقديم منتجات المصارف الإسلامية واستخدامها في أغلبية القطاعات تقريباً، بصورة مباشرة أو غير مباشرة. غير أنّ نشاطات المصارف الإسلامية تركّزت بصورة رئيسية حتى اليوم على عدد محدود من القطاعات (أي تمويل المستهلكين، القطاع العقاري، التجارة) والمنتجات (المرابحة القائمة على السلع أو منتجات التورق أو منتجات الإجارة المرتكزة إلى الأصول) بسبب القيود التي تواجهها تلك المصارف في التمويل وتركيب المنتجات والتفسيرات المختلفة لمبادئ الشريعة.