كيف يتم تقييم التأثير البيئي في المنتجات من خلال دورتها؟
حين يتعلق الأمر بفهم التأثير البيئي للمنتجات، وتقييم دورة الحياة، وهي وسيلة تحليلية تم تطويرها قبل قرابة عقدين من الزمن، فإن ذلك الأمر بدأ في الترسخ.
إن وسيلة تقييم دورة الحياة تقيس تأثير دورة الحياة كاملةً للمنتج، بدارسة تأثيراته المتعددة في البيئة.
وكما توجد علامات تصنيف المواد الغذائية على الأطعمة، فإن وسيلة تقييم دورة الحياة تساعد على تطوير مفهوم مماثل يضع قائمة بإسهاماته في الاحتباس الحراري، واستنفاد طبقة الأوزون، والأمطار الحمضية، وفقدان البيئات الحياتية، واستنفاد الوقود الأحفوري، وحفنة أخرى من المؤشرات البيئية.
في عام 1969، استخدمت «كوكاكولا» شكلاً من تقييم دورة الحياة من أجل تحديد التأثير البيئي للتحول من العبوات الزجاجية إلى البلاستيكية. وبما أن الزجاج عبارة عن مادة طبيعية، فأغلب الناس توقعوا أن يكون الزجاج هو الخيار البيئي الأفضل. وعلى أية حال، تم التوصل لاحقاً إلى أن استخدام العبوات البلاستيكية سيكون أقل ضرراً بالبيئة. وتوصلت كوكاكولا إلى قرارها أخذاً في الحسبان التأثيرات البيئية مثل توفير الطاقة عن طريق إنتاج العبوات البلاستيكية ضمن المصانع الخاصة بها، بدلاً من أن يتم شحن العبوات الزجاجية إليها. وإن وزن العبوات البلاستيكية الأخف يقلص كذلك الطاقة المستخدمة في الشحن، بما أن الزجاج أثقل وزناً.
وبدأت برولوجيز، شركة توزيع عالمية، باستخدام تقييم دورة الحياة لأخذ نظرة أعمق في انبعاثات الكربون المرتبطة بمرافقها المستخدمة، وهي تشمل انبعاثات صادرة عن تطوير المنتج، والنقل، والإنشاءات، والصيانة، والتفكيك. وكان يُعتقد أن هذه الانبعاثات هي «الكربون» الذي يتشكل في المستودعات. وبما يزيد على 44 مليون متر مربع من المساحة الصناعية في أمريكا الشمالية، أوروبا، وآسيا، وجدت الشركة، أن الأسمنت، والفولاذ يعادلان نحو 65 في المائة من الكربون المكون للمباني. وإن إحدى الطرق لتقليص تلك الانبعاثات هي عن طريق رفع كمية المحتويات المُعاد تدويرها في الفولاذ الذي تستخدمه، طالما أن صهر الفولاذ الموجود يستهلك قدراً أقل بكثير من الطاقة بالمقارنة مع البدء بصناعته من الصفر. إضافة إلى ذلك، اكتشفت برولوجيز بدائل للأسمنت تجسد حجم كربون أقل، ولكنها لم تجد بعد بديلاً يطابق المعايير المتبعة لديها.
تقييم دورة الحياة يمكن أن يساعد الشركات على اتخاذ قرارات أكثر وعياً:
في الهند بدأت كوكاكولا باستخدام وسيلة تقييم دورة الحياة من أجل تقييم مسألة أخرى، حيث أُلقي اللوم على مصنع تعبئه تابع لكوكاكولا في كالا ديرا من قبل المزارعين لتسببه في إحداث شح في المياه. وقبلت عملاقة المشروبات الواقعة في الولاية المنكوبة بالجفاف، راجستان، بالاستماع إلى تقييم طرف ثالث مستقل، لتجد أنها بالفعل كانت تسهم في جزء من ذلك.
«هنالك أمثلة مروعة على متاجر بيع التجزئة الكبرى، مثل وول مارت، وهوم ديبوت، وتارجت، (تلك التي تحقق تقدماً من حيث التنمية المستدامة)، ولكن شركات المشروبات الكبرى، على سبيل المثال، تواجه تحديات مختلفة في مجال المياه»، كما يقول باول كلايندورفر، أستاذ البحوث في إنسياد، والأستاذ الفخري في مجال العلوم الإدارية في وارتون.
بينما تكون الأمور أسهل على بعض الشركات من غيرها، فجميعها تقريباً أدركت الرسالة.
إن إحدى الشركات التي لم تستوعب الرسالة، هي «جنرال موتورز»، حيث حققت أرباحاً هائلة عن طريق السيارات الرياضية ذات الدفع الرباعي. وسعت جنرال موتورز إلى مضاعفة الأرباح قصيرة الأمد دون الإكتراث بثمن التلويث على المدى البعيد. وفي الوقت الراهن، بدأت شركات النفط مثل شل، وبريتش بيتروليوم ــ BP، بتحليل عوامل التلوث ضمن ميزانية النفقات الرأسمالية، وذلك حين بدأت أوروبا بالتجارة بانبعاثات الغازات الضارة.
وبينما كانت عملاقة السيارات السابقة تتمتع بأرباح قصيرة الأمد، فشلت في استغلال الطلب العالمي على السيارات الأصغر التي تُعد تكلفتها أقل، وذات كفاءة أكبر في استهلاك الطاقة باستخدام الغاز الطبيعي، والبطاريات، والألواح الشمسية.
«لو خططت جنرال موتورز، مثل تويوتا، بعقلية منفتحة أكثر بشأن الطاقة المكلفة، ومخاطر التصنيع الباهظة، والكربون المكدس في الغلاف الجوي، لقلصت مخاطرتها السلبية المتعلقة بالمركبات التي لا تبيعها بقدر كبير»، كما يقول باول هيرمان، مؤسس إتش آي بي إنفستور ــ HIP Investor، وهي شركة في سان فرانسيسكو تقدم المشورة للمستثمرين، والشركات حول كيفية أن تكون أكثر استدامة، وأكثر جدوى.
فبدلاً من ذلك، ونظراً لأن جنرال موتورز تلقت عملية إنقاذ حكومية، وهي مفلسة الآن، يبدو من المفترض أن تصبح شركة أصغر بكثير، حيث سيُفرض عليها أن تلعب دور اللحاق بركب المنافسين.
وهنالك شركة استفادت من التفكير بعيد الأمد، هي ويست مانجمنت – WM Inc. فعلى مدار أعوام، نقلت متعهدة نقل القمامة، وطمر الأراضي الخالية، النفايات ببساطة من المنازل إلى الخلاء، وهو نهج ذو بصيرة قصيرة المدى تكلف الزبون أموالاً ، وأراضي ملوثة.
وباستخدام وسيلة تقييم دورة الحياة، أسست شركة ويست مانجمنت وحدة نشاط عملي جديدة من أجل «تحويل القمامة إلى نقود»، عن طريق خدمات النشاط العملي لتحويل نفايات سابقة إلى مواد خام جديدة. فعلى سبيل المثال، نحو ثلث الألمينوم المُنتج يتم إعادة تدويره، واستخدامه. وجعلت خدمة النشاطات العملية مثل وول مارت من شركة ويست مانجمنت كـ «صانعة سوق»أكثر من أي شيء آخر، بتحويل غاز الميثان من مكدسات النفايات في الخلاء إلى مصادر طاقة جديدة.
تقييم دورة الحياة يساعد كذلك في دحض الأساطير فيما يتعلق بما هو مستدام حقاً:
في الصناعة الزراعية، تعارض عديد من الدراسات التي تستخدم وسيلة تقييم دورة الحياة، دعاوى مجتمع الزراعة العضوية بأن منتجاته أكثر صداقة للبيئة لأنها لا تستخدم المسمدات الصناعية، والمبيدات التي تستلزم طاقة لصناعتها.
وبينما يستخدم المزارعون العضويون روث الحيوانات، بدلاً من المسمدات الصناعية، وجدت دراسة في النرويج أن من غير الممكن تطبيق هذا الأمر على نطاق واسع.
«ولكي تتمكن النرويج من التحول إلى الزراعة العضوية، فإنه سيتطلب منها استغلال كل جزء من النفايات الحيوية ليتم تحويلها إلى أسمدة»، كما قال ليونارد جيانيسي، من مؤسسة كوربلايف، وهي مؤسسة غير ربحية مقرها في العاصمة واشنطن.
ووجدت دراسة أنجزتها وزارة البيئة، والغذاء، والشؤون الريفية البريطانية، أن كل لتر من الحليب العضوي يستلزم المزيد من المساحة من الأراضي بقدر 80 في المائة، ويتمتع باحتمالية قدرها 20 في المائة من التسبب باحتباس حراري أكبر، ويبعث 60 في المائة أكثر من المواد الغذائية إلى مصادر المياه، ويسهم بنحو 70 في المائة أكثر بهطول الأمطار الحمضية. ووجد تقييم دورة الحياة كذلك أن كل كيلو من لحم البقر العضوي يصدر 12 في المائة أكثر من انبعاثات الغازات الضارة.
معايير بيئية عالمية جديدة:
بينما تُعد الولايات المتحدة الدولة الوحيدة المتطورة دون تشريعات وطنية متعلقة بانبعاث الغازات الضارة، فإنها لا تستخدم سوى 13 في المائة من مدخلات الطاقة المتاحة، حيث تضيع بقيتها في التحويل ، أو الاستهلاك.
«إن نسبة الـ 87 في المائة من مدخلات الطاقة التي يتم هدرها تسبب مشاكل بيئية، وبخاصة في التغير المناخي. ومن منظور التدفق الجماعي في الولايات المتحدة، فإن قدراً ضئيلا من المواد يتم إعادة تدويرها»، كما يقول روبرت أيريس، الأستاذ الفخري في العلوم الاقتصادية، والسياسية، وإدارة التكنولوجيا في إنسياد.
ولكن إذا لم يكن المستهلكون مهتمين، فإن المؤيدين يرون أنه دون أن يكونوا بمثابة قوة دافعة، سيكون من الصعب دفع الحكومات، والنشاطات العملية في الاتجاه الصحيح.
«وفيما وراء التشريعات، هنالك حاجة إلى وجود قيادة تأتي من البلديات، والولايات، والمدن، والحكومة الفيدرالية. ودون دور القيادة في الحكومة، فلن نقوم بأمور مرئية للمواطنين»، كما يقول كلايندورفر.
وعلى مدار الأشهر المقبلة، من المتوقع أن تصدر الحكومة الأمريكية تشريعات طاقة جديدة تحت قيادة الرئيس الجديد باراك أوباما.
«قبل عامين من الزمن فقط، في بيان بالي بشأن كيوتو (البروتوكول المتعلق بالتغير المناخي)، أخبر حينها ممثل من إندونيسيا ممثلاً أمريكياً أن يبتعدوا عن الطريق إذا لم يرغبوا في القيادة»، كما يقول كلايندورفر.
وهنالك الآن رغبة سياسية في الولايات المتحدة لتصبح شريكة، وتناقش، وتسمع، وذلك يشكّل نبرة مختلفة للغاية.
«إن الهدر ناجم عن خلل في تصميم جيد» وهي مقولة تُعزى في أغلب الأوقات إلى المهندس المعماري، بيل ماكدونوف. وفي كتابه الذي يحمل عنوان «من العهد إلى العهد – Cradle to Cradle»، يقول ماكدونوف «في أعمق أسس البنية التحتية الصناعية، تُعتبر تلك المتوافرة لدينا اليوم طولية: فهي تركز على صناعة المنتج، وإيصاله إلى المستهلك بسرعة، وبتكلفة زهيدة، دون الأخذ في الحسبان أي شيء آخر تقريباً».
إن وسيلة تقييم دورة الحياة تدرس استخراج، أو استغلال المواد الخام، والعمل على تكريرها، وتصنيعها، ونقل منتجاتها، واستخدامها، والتخلص النهائي منها، أو إعادة استخدامها.
ولدى الشركات في العادة أسلوب مؤلف من ثلاث خطوات لتقييم دورة الحياة:
هدف، ونطاق تعريف من أجل توضيح التساؤلات، وتحديد الحاجة إلى الدقة، والتفاصيل، والمصداقية للإجابة على تلك التساؤلات.
تحليل المخزون، وذلك يشمل تدفق الطاقة، والمياه، والمواد إلى ومن كل عملية في دورة حياة الشيء، وتلك تشمل الملوثات، بحيث يتم إحصاؤها، وتصنيفها.
تحليل للأثر، حيث يرتبط مخزون المدخلات والمخرجات بتأثيرات فعلية، أو مفترضة ترتكز على سلسلة من المؤشرات البيئية، مثل احتمالية الاحتباس الحراري، والتسمم البشري، ونضوب الموارد.